208

ليس معلولا لعلمنا به ، بل علته أمر آخر لا ربط له بعلمنا به ، وهكذا لا ربط له بعلم الباري به ، إذ ليس العلم بالشيء إلا انكشافه لدى العالم من غير فرق بيننا وبين الباري في هذا المعنى ، والانكشاف كيف يمكن أن يكون مؤثرا وعلة للشيء!؟ ولو كان كذلك ، للزم أن يكون الباري تعالى أيضا مجبورا في أفعاله ، إذ هو تعالى عالم بأفعال نفسه ، فأفعاله أيضا ضرورية له ، وإلا يلزم تخلف العلم عن المعلوم ، المحال في حقه تعالى ، وهذا مما لا يمكن الالتزام به.

هذا تمام الكلام في الجبر ، والجواب عن شبهات الأشعري.

أما التفويض الذي قال به المعتزلة ، حفظا لعدله تعالى : فالتزموا بأن العباد مختارون في أفعالهم تمام الاختيار بحيث لا يمكن للباري تعالى سلب الاختيار عنهم بتوهم أن الممكن لا يحتاج في بقائه إلى المؤثر ، فالباري تعالى بعد أن أوجد العبد وأعطاه القدرة والاختيار أجنبي عنه ، ولا يقدر على سلب اختياره وقدرته ، فقالوا بمقالة اليهود من أن يد الله مغلولة.

وفساد هذا التوهم ظاهر لا سترة عليه ، إذ الممكن كما ثبت في محله محتاج إلى المؤثر وإلى إفاضة الوجود من الحق حدوثا وبقاء ، إذ البقاء أيضا وجود ثان يحتاج إلى موجد ومؤثر ، وإلا لزم انقلاب الممكن بالذات إلى الواجب بالذات.

وذلك لأن الافتقار الذي هو من لوازم ذات الممكن وماهيته

مخ ۲۱۱