ختیځ ژوند
حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره
ژانرونه
والنصارى حاربوا المسلمين وأجلوهم عن الأندلس، والكاثوليك قتلوا البروتستانت في موقعة سانت بارثلميه الغادرة، وأوروبا أعلنت على الإسلام الحروب الصليبية، ولكن هذه الحروب قد انتهت الآن وأصبحت أوروبا تهاجم الشرق لكونه شرقا سواء أكان أهله مسلمين أو نصارى أو وثنيين، والكلمة ليست اليوم للإيمان ولكنها للغلبة والقوة في سبيل السيطرة السياسية والفتوح الاقتصادية.
فيجب على الشعوب الشرقية أن تنظر إلى ذلك بعين البصيرة وأن توجه همتها إلى الدفاع عن كيانها لا باسم الدين ولا بسببه ولكن باسم القومية وباسم الحضارة وباسم الإنسانية، وأن تجعل الدين رائدها في الأمور النفسية والخلقية.
إن المعتقدات ثروة روحانية وليست مثارا للأحقاد، وإن الإنجليز قد اتخذوا من الفروق الدينية في الهند سلاحا من أفظع الأسلحة، فكان الشقاق بين الهندوس والمسلمين سببا دائما لسيادتهم، وطالما قامت في مدن الهند المقدسة كبناريس وكلكتا وأحمد آباد فتن عظيمة بين الهنود والمسلمين أريقت فيها الدماء وضحكت بسببها بريطانيا، لأنها علمت أنها الوسيلة الوحيدة التي تضمن سيادتها ونفوذها، ولم تخش إنجلترا جانب الهند إلا بعد أن ظهر شبه ائتلاف بين الهندوس والمسلمين، وقد أذاع الإنجليز حجة جديدة ضد الإسلام لمصلحة الهندوس فقالوا في صحفهم: «إننا هنا نحمي البراهمة والبوذيين من اعتداء الإسلام الذي لا يزال قوة فاتحة في الهند ولكنها الآن كامنة نائمة وإنما نومها إلى حين، فإذا تركناكم لن تلبث أن تتيقظ وتعيد الكرة على بلادكم لإذلالكم وقهركم وتأسيس دولة إسلامية تماثل دولة الموغول.»
ولم تكن الهند وحدها التي سلكت فيها إنجلترا هذا المسلك بل إنها لعبت بهذه النار في مصر أيضا، ففي سنة 1907 عندما تولى غورست مكان كرومر خلقوا مسألة الأقلية والأكثرية، وادعى بعض الأقباط أنهم مظلومون وخائفون وكتب بعضهم «الإنسانية تتعذب» وسافر قرياقص ميخائيل إلى إنجلترا حيث وضع على رأسه قبعة طويلة وحمل على المسلمين حملة منكرة في الصحف والمجلات، وادعوا أن حركة مصطفى كامل إسلامية متعصبة لأنه كان في أول عهده ينتمي إلى السلطان عبد الحميد، وحاولوا إنكار نبوته الوطنية. ولم تمت هذه الفتنة إلا في حركة سنة 1919، حيث تعاهد الأقباط والمسلمون على الاتحاد في المسألة الوطنية، وتعانق قسس الأقباط مع مشايخ المسلمين وخطب الشيوخ في الكنائس والقسس في المساجد، وارعوى قرياقص عن غيه وطويت صحيفة الوطن التي كانت مصدر هذه الحركة الخطيرة. ولم يكن ذلك الاتحاد إلا ثمرة الآلام التي ذاقها العنصران وأدركها عقلاؤهم، وتبينوا أن الأمر كله دسيسة إنجليزية يقصد به إلى تفريق الكلمة وتشتيت الشمل. ثم إن هؤلاء المشايخ الذين ينتمون للإسلام قد رأينا سوء فعالهم في مجرى التاريخ من عهد جنكيزخان إلى عصرنا هذا، مارين بأدوارهم في الدول العباسية والأموية والفاطمية والعثمانية كفانا الله شرهم وحفظنا من كيدهم.
الفصل السادس
أوروبا تهاجم الشرق في دينه وروسيا تضطهد مسلمي تركستان والقوقاز والأورال
من تعود النوم على سرير
في سنة 1929 نعى كاتب إنجليزي في مجلة دولية (مجلة جنيف أغسطس) على الأمم الأوروبية المستعمرة أنها تركت الشعوب الشرقية تتمتع بحرية الاعتقاد ولم تحاول تنصيرها، وقال: إن اختلاف الدين بين الحاكم والمحكوم يخلق للحاكم مصاعب شتى ولا يجعله يطمئن للمحكوم، فضلا عن أن الدين الإسلامي يمتزج مع السياسة فيجعل لأتباعه قوة المطالبة بحقوق قد يغضون عنها لو كانوا نصارى، فالشرقي المسلم قد يلبي نداء الجامعة الإسلامية أو الجامعة العربية مهما شت المزار بينه وبين الداعي، ولكن الشرقي المسيحي يلبي نداء الكنيسة البروتستية أو الأرثوذكسية، ولا يندب حظه كلما ذكرت حرية الوطن، لأنه يعلم أن سادته الأوروبيين أشفق عليه من غيرهم.
وخطأ هذا القول ظاهر، فإن أصحاب العقائد المختلفة في البلاد الشرقية متساوون في حب الحرية وفي المطالبة بحقوقهم المهضومة.
أما أسف الكاتب على أن أوروبا لا تحاول تنصير الشعوب المغلوبة لها في أفريقيا وآسيا فأسف في غير محله، فإن المبشرين يعملون باجتهاد عظيم في أفريقيا وآسيا منذ أكثر من خمسين عاما ولهم زعماء مثل زويمر، ولهم مؤلفات ومجلات وجرائد ومؤتمرات، ولهم رءوس أموال طائلة يستخدمونها في هذا السبيل، ولكنهم لم ينجحوا في الممالك الإسلامية حتى الآن في تحويل أحد عن عقيدته، حتى قال بعضهم: «لقد ردني أحد الأعراب المسلمين ردا عجيبا حيث قال: يا سيدي المبشر، إن من تعود النوم على السرير لا يقبل غيره مرقدا. فلم أفهم قصده وتركته وانصرفت.» ولكن الذي نسمعه ونقرؤه من محاولة الفرنسيين تنصير البربر لا بد أن يثلج صدر هذا الكاتب في المجلة الدولية، لأن الفرنسيين استصدروا من سلطان المغرب الأقصى ظهيرا يبيح لهم تنصير الأمة بأسرها. وهم تارة يقولون إن البربر أصلهم رومان فهم شعب لاتيني طرأ عليه الإسلام ولكنه عريق في المسيحية فيجب علينا رده إلى حظيرة المسيح، وطورا يقولون إن هذا الشعب قد اختار الردة بحرية مطلقة وليس لنا يد في دعوته إلى الصليب. ثم تراهم حينا يدعون العدول عن تطبيق هذا الظهير جهرا ليتقوا الفضيحة أمام العالم.
ناپیژندل شوی مخ