153

ختیځ ژوند

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

ژانرونه

لما أقيم الاستقبال الحافل في عيد الفطر في يوليو سنة 1920 بتونس، زار وفد من الشبان التونسيين سمو الباي وقدموا إليه عريضة طلبوا فيها إنشاء دستور للإيالة التونسية يكون مكتوبا يعلن الحقوق ويضمن الحريات العامة ويفصل السلطات عن بعضها بعضا ويشرك الأمة في حكم البلاد إشراكا تاما من غير تمييز الأجناس والأديان، وتراعى فيه الحقوق والواجبات الدولية.

فأجاب سمو الباي:

إننا ننتظر من رجال فرنسا الخير والسعادة مع العدل والإنصاف للإيالة وأهلها.

وقررت الحكومة الفرنسوية في تونس معاقبة الموظفين الذين اشتركوا في الوفد المذكور، وأن تحاكم أمام مجلس عسكري حسن كمال الصحفي المتهم بإثارة الفتن بين الجاليات الأجنبية والفلاحين من أهل تونس، وصادرت جريدته ومنعتها من الصدور.

وإليك الآن نص العريضة التي رفعت إلى الباي:

هب نسيم الحرية في العالم كله فأخذت جميع الأمم تعلن ما لها من الحق والحرية بعد خروجها من المعترك العظيم، وإن الأمة التونسية لبت دعوة العالم المتمدن إلى الدفاع عن الحرية والحق والعدل، وأظهرت من الإقدام والبسالة ما يرفعها إلى مراتب الأمم العريقة في القدم، ولولا ما ترجوه من تأييد حقوقها وحريتها لما سارعت إلى تلبية تلك الدعوة. فهي إذن ترجو أن تنال دستورا يضمن حريتها وحقوقها ويقضي باشتراكها في إدارة شئون بلادها من غير تمييز بين الأديان والأجناس.

وكانت فرنسا قد تعهدت منذ 30 سنة بتحرير تونس، وتونس قدمت 65000 مقاتل و30000 عامل وبلغت خسارتها 45000 بين قتيل وجريح، وأظهر جنودها ما أدهش العالم في أوروبا، وشهد لهم المارشال فوش بالتفوق والشجاعة.

أما الأحوال الاقتصادية في الساحل التونسي فإليك عنها بيانا وجيزا:

من أقدم العصور والساحل التونسي يعاني الآلام، ناهيك بأن الشيوخ الذين قضوا به عمرا طويلا يشكون مر الشكوى من الأزمات التي تحل بهم. ورغما من تطاول الدهور واستفحال هذه الأزمات في بعض أزمنة التاريخ، فإن الحالة الراهنة لا نظير لها فيما علمنا، وإليك البيان: لا يخفى على أحد أن مصدر الثروة الساحلية بل حياة المقيمين بالساحل موطنان بما تنتجه الشجرة المباركة التي هي عمدة الفلاح وقوام حياته يسعد بنموها ويشقى بنقصها وكساد نتاجها ويشقى خلفه الألوف من المنتفعين بالعمل فيها، وقد مرت بضع سنوات عم الرخاء فيها سائر الطبقات حتى الرعاة وما تلفظه نواجع العربان من فقراء البدو، لكنها للأسف انقضت كأنها أحلام. وفي الأعوام الأخيرة أخذت الكآبة تبدو على الجميع والفقر يحل والبؤس ينشر ألويته على هذه الربوع من جراء التقهقر الاقتصادي الذي أثر تأثيرا فاحشا على سوق نتاج الزيتون، فالتجأ الناس إلى التداين والتعامل بالربا الفادح حتى شمل هذا المصاب سائر الملاك واستغرق ذممهم ولم ينج من مخالب المرابين إلا النزر القليل، بحيث أصبح الجمهور راسفا في قيود لا سبيل لحلها ما دامت أسواق الزيوت في انحطاط. وقد استقبل أرباب الزياتين هذه السنة موسم الزيتون بتجهم وامتعاض ويأس، حيث إن الفلاح مثقل الكاهل بالديون مفكر في الحالة التي أصبح فيها، إذ ليس له من الدخل ما يفي بدفع الضرائب فضلا عن إصلاح شئونه والقيام بما يتطلبه زيتونه من العمل ودفع ما عليه والذي يزداد حينا فحينا.

تلك هي الحالة بالساحل الذي يعد من الجهات المهمة بالقطر التونسي لأهمية ما به من شجر الزيتون الذي آل إلى ما آل، والظاهر أن الدواء الناجع لهذه الحال هو التسهيلات الكافية لوسق الزيوت إلى الخارج والتخفيف من الضرائب خشية ازدياد الألم الناشئ عن المطالب المتعددة. وغني عن البيان أن الشجرة الواحدة أصبحت في هذا اليوم لا تعطي الفلاح ما يكفيها من العمل في حد ذاتها من حرث وغيره، فكيف يرجى منها إسعاد مالكها والتخفيف من ويلاته؟ وأي دليل نقيمه على ذلك والزيتونة التي كانت بالأمس تساوي ألف فرنك صارت الآن تساوي ثلاثمائة فرنك؟ وهذا النقص الفادح في الثمن من أقوى الأدلة على انحطاط نتاج ركن من أركان الثروة التونسية له أثره في الميزان التونسي الذي يهم الحكومة والرعايا، لذلك ليس من المتعذر اتخاذ الوسائل النافعة وسلوك طريقة التخفيف إبقاء على البقية الباقية ووقاية للفلاح من المصائب الكثيرة التي كادت تحول بينه وبين مواصلة العمل بانتظام ونشاط، فإن من أيقن بسوء عاقبة عمله وخسرانه في الختام ذهبت آماله وانقبض عن السعي، ولا تزال الحالة تزداد شيئا فشيئا إلى أن تعم البطالة ويعظم الخلل ويسود الشقاء ويبدو الخراب في أبشع المناظر.

ناپیژندل شوی مخ