152

ختیځ ژوند

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

ژانرونه

لقد كان اتصال العرب بأفريقيا قديما جدا وربما يرجع إلى ألوف السنين، وما زال هذا الاتصال حتى ظهر الإسلام فهاجر بعض العرب المضطهدين من الحجاز إلى شواطئ أفريقيا الشرقية، وقيل إنهم بلغوا بلاد الحبشة واتصلوا بالنجاشي فأكرم وفادتهم.

وبعد قليل من ظهور الإسلام فتح العرب المسلمون أفريقيا فتحا سريعا، فاكتسحوا شمالها في فترة وجيزة وانحدروا على السواحل الغربية وأسسوا المدن، وزكت حضارتهم بين الزنوج.

ولما تأسست الخلافة العباسية واضطهدت الأمويين وطاردتهم هاجروا إلى السودان فلجئوا إلى سائر ناحياته ونشروا في ربوعه دين الإسلام واللغة العربية، وخرجت من السودان نفسه قبائل غزت شمال أفريقيا وغربها وصارت حلقة اتصال بين السودان وبين سائر أفريقيا.

واستفاد الزنوج من العرب أن دانوا بالإسلام واهتدوا بهديه.

وقد روى سير هنري جونستون - وهو من أكبر علماء الإنجليز - في كتيب ألفه على أفريقيا عن الرحالة ريد ما ملخصه:

قد تمر بالقرية الزنجية الوثنية في قلب أفريقيا فتجد أهلها في أحط درك البشرية من حيث النظافة والبر بذوي الأرحام، لا يتقذرون من فضلاتهم ولا يغتسلون من دنس، ويأكلون الميتة ويشربون الدماء، ويذبحون أجدادهم وآباءهم إذا شاخوا وعجزوا، ويغيرون على الجار ولا يرعون له حرمة ويغتصبون امرأته وبنته نهارا لا يرون في ذلك عيبا ولا نقيصة.

فإذا مررت بالقرية نفسها بعد عشر سنين وقد دخلها الإسلام، فتراهم يدركون معنى النظافة والطهر، يستعملون الماء للاغتسال والوضوء وتنظيف الأجسام والثياب، يصلون أرحامهم ويحمون جارهم ويرعون حقوق القريب والغريب ... فلا تكاد تتعرفهم لشدة ما لحقهم من الفضائل ومكارم الأخلاق ومظاهر الرقي والحضارة.

فالإسلام وهو دين العرب يزرع الآن بذور المدنية في قلب أفريقيا المظلمة أو القارة السوداء ويبدد سواد ليلها، وفي وسط تومبكتو أو السنجال أو الداهومي تلقى أناسا سود الوجوه يقرءون فلسفة ابن رشد ومؤلفات الغزالي ويتأدبون بأدبهما، وربما كان بين أسلافهم الأقربين من كان يأكل لحوم البشر. ولم يكونوا ليقرءوا تلك الكتب لولا دين الإسلام الذي تتبعه اللغة العربية أينما ذهب لاستحالة ترجمة القرآن وضرورة درسه كما أنزل.

هذه شهادة إنجليزي منصف تدل على الخير الذي يصنعه الإسلام في أفريقيا التي كانت مهدا لبضع أسر مالكة شرقية أو عربية أو إسلامية تأسست على شواطئها وفي سائر نواحيها، وكانت مهدا للمدنية المصرية أم مدنيات العالم، ومعتركا لأمم كثيرة، ولا يوجد بها للأسف سوى أمة مستقلة حرة واحدة هي الحبشة. وهذه القارة إذا تهذبت ونظمت وحسنت قيادتها لا نقول إنها تفتح العالم بل نقول إنها على الأقل تحمي ذمار شعوبها وتدفع عنها غائلة الأجانب وتنتفع بكنوز خيراتها الدفينة بين معادن نفيسة وأحجار كريمة ومواد كيميائية وأرض خصبة وأنهار غنية. ولا يمكن أن يقوم بهذه النهضة الأفريقية سوى أمة عربية مسلمة تنفع الملايين من الخلق وتحيي موات الأرض.

طلب الدستور في تونس

ناپیژندل شوی مخ