149

ختیځ ژوند

حياة الشرق: دوله وشعوبه وماضيه وحاضره

ژانرونه

ولكن لورنس وهو مستشار تشرشل في مسائل الشرق، بعد أن أتم غزو بلاد العرب وسورية وهو صديق العرب الحميم ، التفت إلى العراق وقال إنه لا يفتي بالجلاء، لأن الدولة الإنجليزية ليست وحدها التي تتحمل عبء الحملة والاحتلال، بل إن أهل العراق أنفسهم سوف يشعرون بالضيق والغلاء من وجود الجيش الإنجليزي بين ظهرانيهم ما داموا ينزعون إلى الثورة، فإن عدد الجيش 83 ألف جندي ونفقاته 300 ألف ليرة. وأشار بإيجاد رجل صالح في العراق يشبه كرومر عندما كان في مصر، فعينت الحكومة الإنجليزية برسي كوكس بدلا من ويلسون. ولم يكن في البلد من يكرم ويلسون قبل رحيله سوى طالب النقيب، فكان ويلسون رجل الشدة الذي حدثت في عهده الثورة، وجاء بعده كوكس الذي تسلم زمام الأمور بعد أن هدأت الزوبعة، فخطب ويلسون في ذلك الاجتماع خطبة دافع بها عن نفسه وعن حكومته بكل قواه وتحامل على الثوار تحاملا شديدا مع أن الثورة العراقية كانت نتيجة طبيعية للسياسة التي جرى عليها مدة تقلده زمام الحكم الملكي في العراق. وهو من حيث مسلكه وكلامه وخططه أشبه الناس بلورد لويد الذي عزلته حكومة العمال بعد أن استعمله شامبرلين على مصر مندوبا ساميا، فكلاهما يحب «الرغي» وكلاهما استعماري متطرف يؤمن بالقوة المادية ويختفي وراءها ويتوعد بها الشعوب الشرقية، وكلاهما ناعم الملمس يخفي يده الحديدية في قفاز من المخمل، وكلاهما سقط سقطة شنعاء من حيث لا يحتسب، ولعله في خطبته الأخيرة ثاب إلى رشده برهة فنطق في بعض المواطن بالحق حيث قال:

إن الحقيقة التي أعتقدها هي أن العوامل الأدبية كانت منذ القدم تؤثر في العالم أكثر من القوى المادية، فاشتد تأثيرها في الأعصر الحديثة إلى درجة أصبحت معها المعنويات والنظريات تفعل في النفوس أكثر مما تفعل فيها الحقائق الحسية وعوامل الحكومات.

إن العوامل الفكرية التي امتاز بها الغربيون على الشرقيين في عصورنا الحديثة أحدثت بين الشرقيين انقلابا فكريا، ومن ذلك أن روح الوطنية أو الجنسية دب مرة أخرى في نفوس الشرقيين والآسيويين.

وفي يوم 22 أيلول سنة 1920 وصل سير برسي كوكس، وقد كان في حضوره مظهر من مظاهر النفاق بين أهل الشرق، فإن شاعرا عراقيا شهيرا معروفا بين إخوانه بشذوذه وإلحاده استقبل سير كوكس بقصيدة جاء منها:

عد للعراق وأصلح منه ما فسدا

وابثث به العدل وامنح أهله الرغدا

الشعب فيه عليك اليوم معتمد

فيما يكون كما قد كان معتمدا

وتكلم عن الثورة فقال: «إنها حركة ذمها المفكرون في إبانها.» مع أن هذا الشاعر نفسه كان قد عطف على شهداء الثورة فرثى أبطالها بقصيدة مطلعها:

ماذا بكثبان الرميثة من غطارفة جحاجح؟

ناپیژندل شوی مخ