234

وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى . أفلا ينهض هذا وحده دليلا على تحامل المستشرقين الذين يزعمون أن جبرية الإسلام قد أدت إلى تدهور الأمم الآخذة به؟

بل إن الجبرية الإسلامية لأكثر حضا على السعي إلى الخير والفضل وإلى ابتغاء الرزق من الجبرية الغربية. فكلتاهما متفقة على أن للكون سننا لا تحويل لها ولا تبديل، وأن ما في الكون جميعا خاضع لهذه السنن، وأن الإنسان خاضع لها خضوع سائر ما في الكون. لكن الجبرية الغربية تخضع المرء لبيئته ووراثته خضوع إذعان لا محيص عنه ولا مفر منه، وتجعل إرادة الإنسان بعض ما يخضع لبيئته، فلا سبيل له لذلك إلى أن يغير نفسه. فأما القرآن فيدعو إرادة كل فرد لتتوجه بحكم العقل إلى ناحية الخير، ويذكر لهم أنه إذا كان قد قدر لهم الخير فبما كسبت أيديهم، وأنهم لا ينالون هذا الخير اعتباطا من غير سعي.

يقول تعالى:

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .

38

ففي مقدورهم إذن أن يفكروا وأن يتدبروا بعد أن هداهم الله بكتبه إلى الواجب عليهم، وبعد أن دلهم أنبياؤه ورسله على طريق الحق، وبعد أن دعوا إلى النظر في الكون وتدبر سننه ومشيئة الله فيه. ومن يؤمن بهذا، ومن يوجه نفسه وجهته، فلن يصيبه إلا ما كتب الله عليه. فإذا كان قد كتب عليه أن يموت في سبيل الحق أو الخير الذي أمر الله به فلا خوف عليه، وهو وأمثاله أحياء عند ربهم يرزقون. أية دعوة إلى الإقدام وإلى السعي وإلى الإرادة كهذه الدعوة؟ وأين فيها ما يزعم إيرفنج والمستشرقون من تواكل؟!

التواكل ليس من التوكل على الله في شيء. فالتوكل على الله لا يكون بقعود المرء والتخلف عن أمر ربه، بل بالعمل الجدي لما أمر به. وذلك قوله تعالى:

فإذا عزمت فتوكل على الله . فالعزم والإرادة يجب إذن أن يسبقا التوكل. وأنت ما عزمت ثم توكلت على الله بالغ نهاية أمرك بفضل منه. وأنت ما ابتغيت وجهه وحده، وما خشيته وحده، وما سلكت سبيله وحده، مهتد إلى الخير بحكم سنة الله في الكون، وسنة الله لا تحويل لها ولا تبديل. وأنت بالغ هذا الخير، أدى بك سعيك إلى النجاح والفوز، أو أدى بك إلى الموت. وما ينالك من الخير فمن عند الله. أما ما يصيبك من مكروه فبما كسبت يداك وباتباعك سبيلا غير سبيل الله. فالخير كله بيد الله، والضلال والشر من نزغ الشيطان وعمله ...

أما علم الله بكل ما يقع في الوجود قبل أن يبرأ الله الوجود، وأنه جل شأنه

لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين ،

ناپیژندل شوی مخ