د نوي نړۍ په فکري ژوند
حياة الفكر في العالم الجديد
ژانرونه
8 «إننا نقلد ... نبني بيوتنا بذوق أجنبي، ونزين رفوفنا بأدوات الزينة الغريبة عنا، وآراؤنا وأذواقنا وكفاياتنا تخضع وتتبع الماضي والبعيد ... وما حاجتنا إلى تقليد النماذج الدورية والقوطية؟ إن الجمال وراحة الفكر وعظمته وغرابة التعبير قريبة منها قربها من أي إنسان آخر.»
9
هكذا طفق «إمرسن» يدعو إلى استقلال الفكر في قومه، لا، بل هكذا طفق يدعو كل إنسان فرد إلى الاستقلال بفكره والاعتماد على نفسه، والمرء إذا ما أنصت إلى صوت ضميره وأحسن الإنصات، جاءت فكرته - على أصالتها - معبرة عن حق يمكن لأي فرد آخر أن يدركه، ذلك لأن الفرد الواحد من الناس ليس في حقيقة أمره فردا مستقلا قائما بذاته، بل هو ممثل للإنسانية كلها، إذ الإنسانية كلها حقيقة واحدة متصلة شاملة، وإن تشعبت في رؤية العين أفرادا كأصابع اليد الواحدة تشعبت، لكنها مع ذلك أصابع يد واحدة، فسعادة الإنسان في فكره وفي عمله مرهونة بإدراكه لهذه الحقيقة العليا، وهي أنه حين يفكر وحين يعمل، إنما يفكر ويعمل لا بالأصالة عن نفسه فقط، بل بالنيابة عن الإنسانية كلها أيضا، إن هنالك «إنسانا واحدا» يتمثل في كل فرد من أفراد الناس، فإذا عمل الفرد عملا، «فالإنسان» الواحد العام هو الذي يعمل متخذا من ذلك الفرد المعين وسيلة للأداء، وإذا نبغ فرد في علم أو في فن، فكذلك هو «الإنسان» الواحد العام الذي نبغ، وإن يكن ذلك النبوغ قد ظهر في عالم الواقع عن طريق ذلك الفرد المعين، «ولا بد لك أن تأخذ الجماعة كلها لكي تجد هذا الإنسان كاملا، ليس الإنسان - الكلي العام - مزارعا فقط، أو عالما فقط، أو مهندسا فقط، إنما هو كل ذلك.»
10
فإذا رأيت أفراد المجتمع الواحد قد تخصص كل منهم في عمل بذاته، فهذا قسيس، وهذا عالم، وهذا سياسي، وذلك مزارع أو جندي محارب، فاعلم أن ذلك المجتمع المجزأ الأفراد إن هو في حقيقته إلا «إنسان» واحد، ذو عقل واحد، تفرع في هؤلاء الأفراد؛ ليعمل ما يريد أن يعمله عن طريق أعضائه، وإذن فالمهمة واحدة، والهدف واحد، والحياة واحدة، وإن يكن كل فرد قد أخذ منها بنصيب، لا ليكون ذلك النصيب خاصا به مقصورا عليه، بل ليكون هو النصيب الذي يؤديه بالنيابة عن بقية الأفراد، ولو نظر كل منا إلى نفسه على أنه وحدة مستقلة لكان ذلك شبيها ببتر الفرع عن جذعه، أو شبيها بتقطيع أوصال الجسم الواحد، بحيث يصبح كل عضو مبتور جزءا شائها في ذاته مهما بلغ في عمله أو فكره من كمال، فكأنما الناس في هذه الحالة يمشون على الأرض إصبعا وحدها، أو رقبة، أو معدة، أو ما شئت من أجزاء البدن، فمهما يبلغ كل جزء في أداء عمله من الجودة والإتقان فليس هو بالإنسان.
11
على هذا الأساس - لا على أساس الأنانية وحب الذات - يدعو «إمرسن» قومه، بل يدعو كل فرد من الناس، أن يستقل بفكره وأن يعتمد على نفسه، مستوحيا عقله، منصتا إلى صوت ضميره، لا يقلد ولا يتبع، «فالعبقرية هي أن تعتقد في رأيك، وأن تعتقد أن ما هو صادق في قلبك الخاص إنما هو صادق للناس جميعا، فانطق بعقيدتك الباطنية تكن هذه العقيدة قولا معقولا للعالم أجمعين.»
12
وكم يحدث لكل منا أن يدرك الفكرة المعينة في عقله، لكنه يمسك عن النطق بها استهانة بشأن نفسه، وإذا بهذه الفكرة عينها تجيء إليه في أقوال النوابغ العظماء، وعندئذ يتقبل رأيه الخاص صادرا إليه من غيره، فيأخذه شعور الخجل والصغار، بعد أن كان من حقه الفخار والاعتداد بالنفس لو أنه عبر عما كانت نفسه قد جاشت به في حينه.
انطق بما توحي إليك به نفسك الآن، فما دمت صادق التعبير عن ذلك الوحي، أمينا في نقله وتصويره؛ فقد أحسنت تمثيل العقل الأكبر الذي أنت جزء منه، قل ما يدور في عقلك الآن، ولا تخش أن يناقض قولا قلته أنت بالأمس، فالفزع من وقوعنا في التناقض كثيرا ما يفقدنا الثقة في أنفسنا، «هب أنك قد ناقضت نفسك، فماذا وراء ذلك؟ ... إن الثبات السخيف على رأي واحد هو فزع العقول الصغيرة هو الفزع الذي يخشاه صغار الساسة والفلاسفة ورجال الدين، أما الروح العظيم فلا شأن له بمثل هذا الثبات، وإلا فكأنه يأبه لظله فوق الحائط، انطق بما تفكر فيه الآن في ألفاظ قوية، وانطق غدا بما تفكر فيه غدا في ألفاظ قوية كذلك، حتى إن ناقض كل ما قلته اليوم.»
ناپیژندل شوی مخ