============================================================
(من أخبار الغلاء في مصرا و في يوم الاثنين حادي عشر جمادى الآخر وصل الخطيب ناصر الدين بن عبد السلام من الديار الحصرية إلى دمشق . وكان قد طلب بسبب موكليه الأميرين سيف الدين برغلي، وعناق، لأجل مشترى دير البالسي ظاهر دمشق للملك العادل، لا فاجتمعت به أهنيه بقدومه مع من حضر، فحكى لي وللجماعة عما هم فيه أهل الديار المصرية من الغلاء والفناء، وأن خرائب مصر يباع فيها لحوم الحمير والميتة(1) .
وحكى أيضا، قال: كنت راكب(2) في طريق قلعة القاهرة، وأنا أساير بعض الأمراء وإذا بامرأة وقدامها لحم مشوي وعليه أبازير جره، فقيل لها: أيش هذا؟ فقالت: هذا ولدي، فلاموها على ذلك. فقالت: وهذا وحده؟ ! قد عملت بائنين قبله مثله.
وحكى أيضا أن الفروج أبيع بثمانية عشر درهما نقرة.
وحكى لي بعض التجار الثقات بأشياء تناسب هذه الحكاية وقال: اتفق أن بعض الأمراء بديار مصر بالقاهرة كان قاعدا على باب داره، وإذا بامرأة فقيرة وهي تسأل، وهي من أحسن الناس صورة، فاستوقفها وقال للخادم: خذ هذه الإمرأة وادخل بها إلى الدار، وأطعمها حتى تشبع، فدخل بها الخادم إلى دار الأمير فأحضر لها رغيف خبز، فأكلته، ثم/338/ أحضر لها رغيف ثاني(3) فأكلته، ثم أحضر لها رغيف ثالث(4) فأكلته، فقال الأمير : هاتوا لها زبدية طعام لأجل الدسم، فأحضروا لها خافقية كبيرة، فأكلت أكثرها، فأمرهم الأمير بشيل الخافقية من قدامها، ثم إنها استندت حتى أنها تستريح إلى الحائط لحظة، فنامت، فحركوها بعد ذلك فوجدوها قد ماتت، ووجدوا على كتفها جراب(5) ، ففتحوه، فوجدوا فيه يد ورجل صغير، فأخذ الأمير الجراب وما فيه وطلع به إلى قلعة الجبل وأعلم السلطان بذلك وأوراه اليد والرجل. والله أعلم.
وحكى لي أمين الدين محمد بن العدل شرف الدين المظفر، المعروف بابن قصيبات التاجر السفار، وكان في مدة الغلاء مسافر(6) في القاهرة ما هو من يتصدق أو طعم إلا من يكتري لحمل الموتى من الطرقات ودفنهم لا غير. وأما المأكول فمحلوم.
(1) المختصر في أخبار البشر 33/4، المقتفي 1/ ورقة 234 ب و 235 ب ، نزهة المالك، ورقة 115 ، (2) الصواب: "راكبا".
(5) الصواب: "جرابا".
(3) الصواب: "رغيفا ثانيا".
(6) الصواب: "مسافرا" .
(4) الصواب: "رغيفا ثالثا".
مخ ۲۷۷