في 12 مايو
مر علي أربعة أيام لم أكتب فيها شيئا من كتابي؛ لأنني لهوت بمجالسة زائر تردد علي مرارا أرتاح لعشرته؛ لأني وجدته أديبا، والظاهر أنه هو أيضا ارتاح إلى عشرتي؛ لأنها تختلف عن عشرة زميلاتي.
لم أزل إلى الآن أرتجف من عملك أمس، إذ أتيت ثانية مع ميراي وروشل وصديقك الذي أظن أنه صنيعتك، خرجت من المنزل حرصا على عواطفي؛ لأني لا أطيق أن أرى ميراي إلى جنبك يا موريس، يقشعر بدني إذ أراك تقبلها، يا لله أنى لك هذه القساوة البربرية؟ إني أسامحك من أعماق قلبي؛ لأنك معذور؟
عدت في آخر السهرة وعرفت أنك لم تمكث طويلا، فتأكدت أنك تفعل ذلك لنكايتي لا حبا لميراي، فهدأ روعي، ولكني كنت في الليل أتململ من الحزن فلم أنم فنهضت أكتب لك.
قلت لك: إن أمي أخذت طفلتي وبرحت بها مع أخي، فبقيت في مصر وحدي بلا أهل احترق قلبي حزنا على فراق ابنتي، وذبت غما إذ نعيت إلي ولكني بعد برهة سلوتها؛ لأنها صغيرة.
صادفت تلك الخياطة التي كانت تنعم علي ببعض أكسية لأخيطها، وتحملت بكل صبر صلفها وشموخها علي وسخطها؛ لكي أتعلم منها التفصيل والخياطة المتقنة، وأحيانا كنت أخدمها في منزلها لكيلا تضن علي بفائدة.
ذقت المر حينئذ يا موريس فكنت أعود في المساء إلى بيتي تعبة لا قوة لي، فأضطجع في سريري وأطلق لعبراتي العنان لأجل هذا العناء الذي أعانيه في مقابل لذة قصيرة، وجزاء زلة وحيدة دفعني إليها ماكر نذل كنت كلما افتكرت بهذا الأمر أكاد أتفتت، وأهم أن أمزق لحافي عني، بعد أشهر صرت أثق بمعرفتي فاستقللت عن معلمتي، وثبت في منزلي أخيط ملابس بعض السيدات اللواتي عرفنني بواسطتها، وكنت أشتغل لهن بأرخص منها لكي أجتذبهن وصديقاتهن إلي، وفي برهة قصيرة اعتدلت أشغالي فصرت أكسب في شهري نحو 6 جنيهات فانتعشت قليلا.
عند ذلك صرت أجتهد في أن أتقرب إلى الناس بقدر ما يتيسر لي، فكنت أزور بعض «زبائني» وأجاملهن وأدعوهن إلى زيارتي، فبعضهن كن يحتفين بي ويلبين دعوتي، وبعضهن قلما كن يكترثن بي، بل كنت أشعر أنهن لا يرضين عن زيارتي لهن فأقتصر عنهن، وأكتفي بصداقة اللواتي يبادلنني مجاملتي فقط.
ولما درست جيدا تلك البيئة التي كنت أتحرك فيها، وعرفت حقيقة صديقاتي اللواتي يؤنسنني وجدت أن معظمهن، بل كلهن من فئة قليلة القيمة في الهيئة الاجتماعية ومن طبقة غير راقية، فأدركت أني لم أخط خطوة كبرى إلى الأمام كما كنت أتوهم، وقررت أن أرقي نفسي إلى طبقة أرقى شأنا ومقاما وأدبا.
طفقت أتقرب إلى الأسرات المعروفة بالأدب والفضيلة غير ناظرة إلى مقامها في الجاه والثروة؛ لأني وضعت نصب عيني أن أسترد مكانتي الأدبية قبل جاهي، فتعبت كثيرا في التودد والتلطف والإكرام، وبالغت في التأدب والحشمة ومع ذلك لم أجتذب إلي من تلك الفئة إلا النزر القليل، وكنت ألاحظ أن بعض الأسرات تستنكف أن تعرف أنها ذات علاقة معي.
ناپیژندل شوی مخ