بعد برهة شعرت أني حامل، فقلت له: أن يعجل بستر عاري، فأظهر كل الاهتمام به وكان كل يوم يأتيني بخبر عن آرائه بشأني وبشأن زواجنا، وكان بعض تلك الأخبار سارا، وبعضها محزنا، وأنا أثق بكل كلمة يقولها.
وأخيرا قال لي: أهله لا يستصوبون زواجه الآن، وهو لا يقدر أن يفعل شيئا بغير رضاهم؛ لأنه غير مستقل عنهم، وكان يظهر أمامي كل غيظ وحزن من جراء معارضة أهله، فكنت لسلامة قلبي أرثي له وأطيب خاطره، وأنا على شفا اليأس من سوء حالي معللة نفسي بأمل أنه لا يدخر جهدا في إقناعهم، ومع شدة ثقتي به كنت جازعة لظني أن أهله يقفون في سبيل زواجنا.
ولما أوشك حملي أن يتضح لأهلي شكوت له أمري، وقلت: «دبرني» فبكى أمامي بكاء مرا، وقال: «ماذا تريدين يا إيفون فأفعل؟»
فأشفقت عليه كأنه هو المبتلى، وفكرت وقلت: أصبحت أشعر أن أهلي أعدائي؛ لأنهم إذا عرفوا بأمري لا يرثون لي، ولا يرحمونني فخلصني من نقيمتهم بأي الوسائل.
ففكر هنيهة ثم قال: أتذهبين معي خفية إلى حيث أمضي بك؟ - أذهب إذا كانت العاقبة أفضل من فضح عاري هنا، بماذا افتكرت؟ - افتكرت أن أستأجر منزلا صغيرا بعيدا عن الأهل والمعارف، وآخذك إليه، ونتكلل فيه ريثما يرضى أهلنا، ومتى علموا أن الأمر قد تم فلا بد أن يرضوا.
فتهللت لهذا الرأي؛ لأنه أفضل وسيلة لصيرورتي زوجة شرعية لذلك الفتى الذي كنت أحبه، إذ لا يستر عاري إلا زواجي به، وكان على أثر هذا الاتفاق أنه استأجر منزلا حقيرا في حي بعيد، وفررت معه إليه من غير علم أهلي، آملة أنهم لا يقلقون لغيابي؛ حتى يكون قد بلغهم خبر إكليلنا، فيعلمون بالمصيبة وبتلافيها في وقت واحد، فلا يشتد وقعها عليهم.
في ذلك النهار ادعى أن القسيس الذي طلب إليه أن يعقد إكليلنا وعده بأن يسترضي أهله على زواجنا، فنتكلل في حفلة رسمية لائقة بنا، وأنه طمأن أهلي عني وكفل لهم حسن مصلحتي بالبقاء معه، اطمأننت لهذا الخبر بل سررت، ومن العجيب أنه مهما استولى علي من الجزع والغم كان إذا اجتمع بي فتاي يهون علي الأمر جدا، ويسكن اضطرابي ويريح ضميري، أولا ببراهينه القوية، وثانيا بما يبديه من الانعطاف علي، وإظهار التفاني في سبيل راحتي ومحو عاري، وثالثا بما كان يبثه لي من وجده وغرامه.
أوقت طويل مر علي في ذلك المنزل الحقير، وأنا أعلل النفس بمواعيد فتاي المختلفة؟ كل مدة حملي.
ولدت طفلة وأنا لم أزل خليلته لا حليلته، طاوعته بكل أمر كل تلك الأشهر عسى أن يفرج كربي، ويستر عاري فكان يمنيني بالأماني الكاذبة.
شعرت لذلك الحين أن حبه لي أصبح فاترا، وصار يغفلني أكثر من قبل، وبعد ولادتي انقشعت غياهب الوهم عن عيني إذ تلاشى حبي له لما اتضح لي من مراوغته أخيرا، فأدركت أني أصبحت في هاوية عميقة القرار، وأن ذلك الفتى غرر بي وخدعني وخانني، لم أعد أعذره ولو كان صادقا في كل ما قاله عن معارضة أهله؛ لأنه كرجل كان عليه أن ينكر أهله، ويعترف بي زوجة ويخلع عني ثوب العار الذي ألبسنيه، فقلت له بعد انتهاء مدة نفاسي التعس: إن هذه ابنتك أفما حان تكون أمها زوجتك؟
ناپیژندل شوی مخ