تفحصه درويش وهو مقرفص على كثب من الفرن منكسر القلب. يا له من عملاق! له فكا حيوان مفترس، وشارب مثل قرن الكبش. قوة بلا حيلة ولا عمل ولا رزق. من حسن الحظ أنه لم يتعلم حرفة، ولكنه لا يمكن الاستهانة به. ترى لم لا يحبه؟ تذكره صورته المغروسة في الأرض بصخرة مدببة تعترض الطريق، بهبة من هبات الخماسين المثقلة بالغبار، بقبر يتجلى في الأعياد متحديا، يجب الانتفاع به، عليه اللعنة!
سأله دون أن ينظر نحوه: كيف ستحصل على لقمتك؟
ففتح عينيه العميقتين العسليتين وقال باستسلام: في خدمتك يا معلم درويش.
فقال ببرود: لست في حاجة إلى خدمة أحد. - علي أن أذهب.
ثم مستدركا في رجاء: هلا تركتني آوي إلى البيت الذي لا أعرف سواه؟ - إنه بيت لا فندق.
تبدت فوهة الفرن خامدة مظلمة، وندت عن الرف خشخشة رجل فأر ترتطم بأعواد الثوم الجاف.
وسعل درويش، ثم سأله: أين تذهب؟ - دنيا الله واسعة.
فقال متهكما: ولكنك لا تعرف عنها شيئا، وهي أقسى مما تتصور. - سأجد على أي حال عملا أرتزق منه. - جسمك أكبر عائق، لن يقبلك بيت، ولا معلم حرفة، ثم إنك تقترب من العشرين! - لم أستغل قوتي قط فيما يضر.
فضحك عاليا وقال: لن تحوز ثقة أحد؛ الفتوة يظنك متحديا، والتاجر يحسبك قاطع طريق.
ثم بهدوء وعمق: ستهلك جوعا إذا لم تعتمد على قوتك.
ناپیژندل شوی مخ