22
وعند مشارف الغورية رأى عيوشة الدلالة وهي تشير إليه فتوقف. تبين له أنها بصحبة سيدة أخرى، سيدة ذات بهاء يلفت الأنظار بملاءتها الكريشة وعروس برقعها الذهبية، وعينيها المكحولتين الجميلتين، وجسمها المدمج الريان. وسرعان ما اتخذت المرأتان مجلسهما فوق العربة وعيوشة تقول بنبرتها العجوز: الدرب الأحمر يا معلم.
وثب إلى مقدمة الكارو وهو يتمنى لو يخطف من المرأة نظرة أخرى.
وجعلت عيوشة تقول: ما أجمل أن تسوق الكارو يا فتوتنا وأنت إن شئت أن تعيش حياة الوجهاء ما منعك مانع!
فسعد بقولها ولكنه لم ينبس. إنه يسعد بدفء الحب، ويمتلئ بأريج العظمة الحقيقية، ويمحق بذلك خطرات الضعف والغواية. وتوقع أن تقول الجميلة شيئا ولكنها لاذت بالصمت حتى غادرت العربة في الدرب الأحمر. هناك ملأ منها عينيه، وأتبعها ناظريه وهي تمضي نحو رواق المشايخ.
ولبثت عيوشة بمحلها فنظر نحوها متسائلا فتمتمت: القلعة.
مضت العربة وهو صامت. صمت رغم أنه رغب في التكلم. وإذا بالعجوز تسأله: ألم تر من قبل ست قمر؟
فشكر للمرأة فتحها الحديث وأجاب: كلا. - هذا شأن السيدات المصونات! - من حارتنا؟ - نعم، أرملة غاية في الجمال والغنى.
فتساءل: ولم لا تستقل الحنطور؟ - رغبت في عربة فتوتنا!
فالتفت نحوها فقرأ في عينيها الكليلتين نظرة باسمة ماكرة. اشتعلت حواسه مرة أخرى. استحضر صورة عجمية فتراقصت الصورتان في وجدانه وثمل. وقالت عيوشة: أعجبتك ولا شك؟
ناپیژندل شوی مخ