18
ولم يفكر أحد في إبلاغ شمس الدين بما قيل عن أمه. قال شعلان لدهشان: لا علم للفتى بذلك التاريخ القديم.
فقال دهشان: ولكن من حقه علينا أن نبلغه بتمرد غسان.
وصمم شمس الدين على حسم الأمر بالسرعة الواجبة، فقصد غسان في مجلسه بالقهوة. وقف أمامه بوجه يموج بالغضب، وسأله: يا غسان هل يمكن أن تخلص لي كما أخلصت لأبي؟
فقال غسان: لقد عاهدتك على ذلك. - ولكنك كاذب وغير أمين. - لا تصدق الوشاة. - أصدق المخلصين.
ومال نحوه وهو يقول: لن تكون بعد اليوم من رجالي.
ولم ير غسان بعد ذاك اللقاء في الحارة.
19
لم يتغير شيء من عهد عاشور الناجي. خلفه شمس الدين راعيا للحرافيش، شاكما للسادة والأعيان. وثابر الفتوة على عمله سواقا للكارو، كما اشتغل كل رجل من رجاله بحرفته. ولم يتخل عن شقته الصغيرة مسكنا، وسد أذنه دون همسات أمه المتوسلة. امتلأت أعطافه بالعظمة الحقيقية، وروى ظمأ قلبه بحب الناس وإعجابهم، وسرعان ما صار من رواد الزاوية وأصدقاء الشيخ حسين قفة. ومن أموال الإتاوات جدد أثاث الزاوية، ورحب باقتراح للشيخ حسين قفة فأنشأ كتابا جديدا فوق السبيل.
ولم يغفل عن مسئوليته حيال الحارة والناس أبدا. شعر بثقل الأمانة وخطورتها شأن المخلصين من الرجال. ولا شك أن فتوات الحارات المجاورة قد استردوا أنفاسهم باختفاء العملاق المهيب، وراحوا يتحرشون ببعض الباعة المتجولين من أبناء الحارة. فلكي يؤكد قوته وينفض عنها شبهات الظنون، ولكي يثبت أن ملاحته ورشاقته لا ينقصان من فتونته، قرر أن يتحدى أقوى الفتوات وهو فتوة العطوف. وتحين فرصة زفة عطوفية فتعرض لها في ميدان القلعة، فدارت بين الفريقين معركة حامية انتصر فيها انتصارا حاسما اجتاحت أنباؤه الحارات جميعا، فأيقن كل من داعبه أمل التحدي أن شمس الدين لا يقل عن عاشور قوة وبأسا.
ناپیژندل شوی مخ