فتجيبه بتحد: ولكنه يهب الرزق لمن يشاء.
ويبتسم متسائلا حتى متى يدوم هذا الحلم؟ ولكنها كانت تفكر في أمور أخرى فقالت: انظر إلى التحف حولنا، لا شك أنها غالية الثمن، لم لا نبيع بعضها لنأكل مثلما نعيش؟!
فقال بإشفاق: ولكنه مال الغير. - لا صاحب له كما ترى، هو رزقنا من الله.
وتفكر عاشور مليا. زحف عليه الإغراء كما يزحف النوم على المكدود، وصمم على أن يجد لأزمته حلا. واهتدى إلى حكمة جديدة فقال: المال حرام ما لم ينفق في الحلال!
فقالت متوثبة للخصام: هو رزقنا يا عاشور، وما نريد إلا أن نأكل.
ومضى يذرع السلاملك حائرا، ثم تمتم: هو حلال ما دمنا ننفقه في الحلال!
49
وبمرور الأيام هان كل شيء فأصبحت إقامة عاشور وأسرته بدار البنان دائمة. سرح الحمار في الفناء الخلفي، وووريت الكارو في البدروم. خطر عاشور في الدار مثل الوجهاء، بعمامة مقلوظة وعباءة فضفاضة، وعصا ذات مقبض ذهبي. وتجلت فلة في نضارة النعيم كأجمل هانم عرفتها الحارة، أما شمس الدين فكان يبول على سجاد شيرازي يقدر ثمنه بالمئات. وشاع الدفء في المطبخ، وتطايرت منه روائح اللحوم بأنواعها.
وبمضي الأيام أخذت الحياة تتسرب إلى الحارة. جاء حرافيش فآووا إلى الخرابات، وكل يوم يعمر بيت بأسرة جديدة. ومضت الدكاكين تفتح أبوابها. ترددت أنفاس الحياة، ارتفعت الحرارة، تجاوبت الأصوات، هلت الكلاب والقطط، عادت الديكة تصيح في الفجر، ولم تبق خالية إلا دور الأغنياء.
وعرف عاشور بوجيه الحارة الوحيد. يشار إليه بإكبار، ويقال بإخلاص: سيد الحارة.
ناپیژندل شوی مخ