فقال بحزم: بل ننتظر حتى أتحقق من الخبر.
41
رجعت الكارو تشق طريقها بين القبور في الهزيع الأخير من الليل. طفحت قلوب أصحابها بالسعادة تحت النجوم، وانتفضت بأماني النجاة. ولما انعطفت إلى الممر واستقبلتها الأناشيد دمعت الأعين، وقالت الأناشيد إن كل شيء سيكون كالعهد به.
ها هي الحارة مستغرقة في النوم، الإنسان والحيوان والجماد. عجيبة في سباتها كما هي عجيبة في يقظتها، ولسوف تتندر به طويلا . عند مسكن زينب توقف قلبه ولكنه أشفق من إزعاجهم، وأجل ارتباكه ساعتين. من القلوب انسابت قبلات تلثم الجدران والأديم والخدود وترقص بالطرب. الموت لا يجهز على الحياة وإلا لأجهز على نفسه، ولكن ثمة شعور بالندم والخجل.
وضمتهم أخيرا حجرتهم فامتلأت خياشيمهم برائحة التراب والعطن، وبادرت فلة تفتح النافذة وهي تقول: كيف يلقاك الناس يا عاشور؟
فقال بتحد كاذب: كل يعمل بإيمانه.
42
قبع وراء قضبان النافذة يترقب بصبر انطواء آخر ذيول الظلام. ها هو أول ضياء يتطامن فوق الجدران. ها هي معالمها تتحدد كوجه صديق قديم. من أول قادم يكون؟ لعله اللبان أو خادم من بيوت الوجهاء، سيجيبه بصوت يمزق الصمت، وليلق من السخرية حظه المقسوم. ها هو النور يشعشع في الحارة، وحتى دكان الفول لم يفتح.
تراجع متململا وهو يقول: الظاهر أن تعاليم الحكومة قد غيرت من عادات حارتنا.
ودس قدميه في المركوب قائلا: سأذهب لزيارة الأولاد.
ناپیژندل شوی مخ