358

فتساءل بارتياع: تقصد سماحة؟ - هو ما تقصده أنت! - إنه ابني. - كما كنت ابن أبيك!

فقطب متألما وقال: إنك قوة لا يجوز عليها أن تخشى أحدا. - دعك من هذا الكلام الفارغ، ثم إنك لم تفهم غرضي!

قال شمس الدين بامتعاض: زدني إيضاحا! - بع أملاكك بيعا صوريا لزوجتك؛ ييأس سماحة ثم يرحل!

فغاص قلبه في صدره وقال كالمستغيث بأي شيء: أو يحفزه ذلك على الانتقام مني! - لن يمسك سوء ما دمت حيا!

رأى الشرك فاغرا فاه. رأى الصائد مكشرا عن أنيابه. الفقر أو الموت أو الاثنان معا. محال أن يقبل ومحال أن يرفض.‏ قال بتوسل: أعطني مهلة للتفكير.

فعبس الفتوة محنقا وقال: ما سمعت مثل ذلك من قبل.

فقال بضراعة: مهلة قصيرة.

فنهض الرجل وهو يقول: صباح الغد. عندك الليل بطوله.

51

لم يغمض لشمس الدين جفن. ترك سنبلة في زينتها تنتظر حتى غلبها النوم. أطفأ المصباح، تدثر بعباءته اتقاء للبرد. رأى في الظلمة الأشباح، أشباح الماضي كلها. ما هذا التدهور بعد الصمود؟ ألم يحمل أثقاله ويمضي بها؟ ألم يكفر عنها بالصبر والألم؟ ألم يلتزم بالجدية والاستقامة والجلد؟ كيف جاء التدهور ليرث نضاله كله بلا دفاع؟ لقد حدث ذلك بسبب سقوطه في هاوية الخوف. الخوف أصل البلاء. خاف ابنه فطرده ، ثم طلق أمه، ثم مضى بقدميه إلى وكر الشيطان. بلا تفكير سليم مضى. وكيف يتهيأ التفكير السليم لمنذعر؟ عندما صرع الخوف واجه الحياة بكبرياء. لم تقض عليه نوائب السمعة السيئة والجريمة البشعة واحتقار الحارة. واجه الحياة بكبرياء. طوع اليأس لخدمته. بنى على أساس داعر أسرة كريمة. نجح في العمل. حاز القوة والثراء عندما صرع الخوف. اليوم يطالب بالنزول عن ثروته. غدا يقتله سماحة. بعد غد يؤخذ سماحة بجريمته. يفوز الكلبشي بالمال والأمان. يقول شبح في الظلام: لا تقتل ابنك، لا تحمل ابنك على قتلك، لا تذعن للطاغية، لا تستسلم للخوف، طوع اليأس لخدمتك، ابحث في الموت عن عزاء كريم إذا تعذرت الحياة.

ناپیژندل شوی مخ