333

1

دهر طويل كان ينبغي أن يمر قبل أن تنسى الحارة منظر جثة جلال المنطرحة على حافة حوض الدواب. جثة عملاقة بيضاء ملقاة بين العلف والروث. هيكلها العظيم يوحي بالخلود، سلبيتها المتهافتة تشهد بالفناء، وفوقها يتشبع الجو على ضوء المشاعل بالسخرية المرعبة.

انتهى القوي الشامخ في عنفوان شبابه. تلاشى ظله ذو المائة عين والألف قبضة. حمله أبوه عبد ربه وأخوه راضي إلى داره العظيمة. شيع في جنازة مهيبة إلى قبر شمس الدين الناجي. خلد ذكراه في سجل الفتوات العظام بالرغم من صفاته الشيطانية.

يذهب الإنسان بخيره وشره، ولكن تبقى الأساطير.

2

تولى الفتونة بعده مؤنس العال. ورغم ما خلفه موت جلال من ارتياح عام إلا أن الحارة فقدت توازنها وداهمتها مخاوف جديدة. وسرعان ما نزلت عن مكانتها المرموقة فمضت في ركب الحي حارة من الحارات، وتلاشت فتونة فتوة الفتوات، وراح مؤنس العال يهادن ويصادق، أو يخوض معارك خاسرة، ويضطر أحيانا لشراء السلامة بالإتاوة والهدايا. أما داخل الحارة فلم يتصور أحد أن يخلص مؤنس العال للعهد الذي خانه جلال حفيد الناجي ومعجزة القوة والنصر.

3

وورث التركة الضخمة رجلان؛ الأب عبد ربه، والأخ راضي. وعلل موت جلال بإفراطه في الخمر والمخدرات. أما انطراحه بين العلف والروث عاريا فاعتبر جزاء إلهيا لصلفه وشموخه وتعاليه على البشر. وبقيت المئذنة بلا وريث، متمادية في الضخامة والارتفاع والعقم، آية على الغطرسة والجنون.

4

وبعد حين فتح المعلم عبد الخالق العطار فاه. همس بالمغامرة العجيبة، بمؤاخاة الجان، بدور الرجل الغامض شاور. هكذا ذاع السر وتناقله الناس، وأكدت زينات الشقراء الظنون بما روت عنه من اعتقاده بأنه لا يموت.

ناپیژندل شوی مخ