ولكنه ظل على إبائه، ودفنه في قبر من قبور الصدقة بحوش الناجي. ومن عجب أن ذلك التصرف لم يقابل بارتياح في الحارة. وقال سنقر الشمام الخمار الجديد: جامله حيا وانتقم منه ميتا.
7
ووثب إلى الفتونة نوح الغراب. كان فظا غليظا نهما. هادن فتوات الحارات واستثمر قوته في الاستبداد بالحارة حتى صار من كبار الأثرياء في عام واحد. وتحمل الناس وطأته بلا مبالاة، ولم يعد أحد يتحسر على فتونة الناجي بعد أن تلاشت أحلامها العذبة على يد وحيد. وابتهج الوجهاء، وانحشر الحرافيش في طور جديد من أطوار الصعلكة والبؤس.
8
ودارت الشمس دورتها. تطل حينا من سماء صافية، وحينا تتوارى وراء الغيوم. وقد جدد عزيز الزاوية واختار لها شيخا جديدا هو الشيخ خليل الدهشان عقب وفاة إسماعيل القليوبي. وجدد أيضا السبيل وحوض الدواب والكتاب القديم.
وترملت رئيفة فعاشت وحيدة في دارها مع الخدم. وورثت عن زوجها الجديد ثروة غير قليلة، ولكن انقطع ما بينها وبين شقيقتها عزيزة تماما كأنهما غريبتان، بل عدوتان. ومن عجب أنها كانت تتهمها بأنها سبب كل شر حاق بها، وأنها نفخت فيها روح التعاسة مذ كانتا في المهد.
وخرقت مألوف التقاليد في الحارة عندما مضت تزور رمانة في سجنه، فأعلنت بذلك حبها له رغم كل ما حصل.
هكذا مضت السنون بخير لا يذكر، وشر لا يحصى.
9
وذات يوم علم عزيز قرة الناجي أن أحد عماله لقي حتفه وهو ينقل حمولة من الغلال. كان يدعى عاشور وينسب نفسه بصدق إلى آل الناجي لانحداره من فتحية أم البنات زوجة سليمان الناجي الأول. امتلأ قلب عزيز الرقيق بالحزن، فدفن الرجل ورتب لزوجته معاشا شهريا. وبالتحري عن أسرته عرف أن بناته تزوجن، عدا بنت صغيرة في السادسة تدعى زهيرة ما زالت في حاجة إلى الرعاية. اقترح عزيز على الأم أن يضم الصغيرة إلى داره لتكون في خدمة أمه عزيزة هانم فرحبت بذلك أيما ترحيب. وانتقلت زهيرة إلى جناح عزيزة وكأنما انتقلت إلى الفردوس؛ تجلى لونها الحقيقي لأول مرة، نعمت بالغذاء والكساء، مارست واجبات الدار. واستحقت عطف عزيزة فخصتها بمعاملة رقيقة دون الجواري والخدم، بل أرسلتها فترة إلى الكتاب. ولم يهتم عزيز برؤية البنت، ولكنها أوصى أمه بها وهو يقول في دعابة: لا تنسي أنها من آل الناجي.
ناپیژندل شوی مخ