ألا ترى أن الإنسان إذا مد الصوت ولم يحرك به لسانه ولهواته أن ذلك لا يكون كلاما، وقد حكى الله ذلك فقال عز من قائل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به } [القيامة:16]، وقال عز من قائل -فيما حكى عن أهل النار: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون}[فصلت:21]، ففعل الله في ذلك خلق الأدوات والجوارح وجميع الآلات.
واعلم أن النطق بالكلام على وجهين: حكاية ومبتدأ. فالمبتدأ ، ما ينطق به الإنسان، ويبتدعه من نفسه من الكلام. والحكاية ما ينطق به من كلام غيره؛ من ذلك القرآن، ففعله فيه الحكاية إذا تلاه، والمحكي هو فعل الله. وكذلك ما حكي من كلام المتكلمين؛ فذلك الكلام لمن ابتدعه، وهو مفعول له لما حكاه، كما أن البناء والنجار (والنحات) والصانع والنساخ فعلهم التأليف والحركة والسكون. وفعل الله الأجسام، وهي مفعول لهم، وكذلك القراءة لهم فعل والقرآن مفعول لهم وهو فعل الله وهو عرض.
مخ ۹۱