١٣٠ - وحكى حماد بن إسحق ن إبراهيم الموصلي عن أبيه قال: بعث إلي إبراهيم بن المهدي يوم دجن، فلما دخلت عليه ألقيته لا يعقل خمارًا، فقال: إسحق، قلت: لبيك أيها الأمير، قال: أما ترى طيب هذا اليوم؟ قلت: قد رأيت فما حق مثله، قال: الصبوح وكيف لي به، أنا على ما ترى! قلت: يدعو الأمير بالطعام فنأكل بحضرته فلعله ينشط، قال: ذاك، فأحض الطعام، وجعلت آكل ولقمة، فأكل على كره، فلما غسلنا أيدنا قال: ويحك قد أكلت على كره، فكيف لي بالشراب، قلت: أيها الأمير يحضر الشراب فنشرب بحضرتك فلعلك تنشط، قال: وذاك فدعا الشراب فشربنا بحضرته، وعللته حتى شرب، فلما دارت الأقداح قال: يا إسحق، قلت: لبيك، قال: أريد أن أخصك فأسمعك غناء لم تسمع مثله، قلت: وكيف لي بذاك؟ قال: يا غلام أخرج شارية ومعمعة، فخرجت صبيتان لم أر أحسن منهما، فغنتا فلم أسمع بأطيب منهما، فشرب وشربنا حتى عمل فيه النبيذ، فقال: يا إسحق كم تساوي شارية؟ فقلت: وأنا أظن أنه أكثر من أثمان الجواري، مائة ألف درهم، فدارت عيناه في رأسه وحذفني بقضيب كان في يده وقال: يا بن الفاعلة تقول هذا لشارية وتضع من قدرها، خذوا برجب ابن الفاعلة، فخرجت مطرودًا محرومًا.
ومضت الأيام على ذلك، وقعد المعتصم للشرب، فانحصر الملهين والندماء فحضرت وقد عددت عشرة أصوات في عشرة ألحان، وأجهدت نفسي فيها، وظننت أني أنال بها الغاية القصوى فلما دخلت رأيت بين يديه عشر جامات فضة، في كل جام مائة مثقال مسك وخمسمائة دينار جدد، فقال: من غناني فأطربني فله جام، فقلت في نفسي: أنا والله صاحب العشر وشددت حيازيمي وغنيت بصوت من الأصوات التي كنت أعددتها، فطرب طربًا شديدًا وقال: أحسنت والله يا إسحق.
وقد كان إبراهيم بن المهدي تخلف في ذلك اليوم فقضى أن جاء في ذلك الوقت، فدخل بغير إذن، وسلم وقعد في أخريات الناس، فغلظ على المعتصم فعله وقال: هاهنا يا عم! قال: لا أقعد إلا حيث انتهى بي المجلس، قال: وكيف تقول ذاك؟ قال: لأنك تفردت بقصفك ولم ترسل إلي! قال: والله أبقيت إلا عليك، فلم يزل به حتى ترضاه وأقعده إلى جانبه، وقال: يا عم أما ترى هذا الخبيث قد أقام القيامة، قال: بماذا يا أمير المؤمنين! قال: غناني فأطربني، قال: يعيد الصوت، فأعدته، فسمع حتى عرف طريقته، ثم قال: ما عمل شيئًا، إن شئت غنيتك في هذه الطريقة عشرة أصوات كلها أطيب من هذا؟ قال: يا عم فأخذ العود فتغنى فكان والله غناؤه أطيب، فقل: أحسنت والله، يا غلام ضع الجام بين يدي عمي، فقلت في نفسي: ذهبت والله واحدة، وغنيت صوتًا آخر قطعت فيه أوداجي، فطرب وقال: أحسنت يا إسحق، ما التفت إلى إبراهيم فقال: أما ترى! قال: يا أمير المؤمنين إن شئت غنيتم في هذه الطريقة عشر أصوات كلها أطيب من هذا؟ قال: وذاك، فغنى وأجاد فطرب المعتصم وأمر الغلام أن يترك بين يدي إبراهيم جامًا أخرى، فلنم تزال والله تلك حالي وحاله حتى أخذ الجميع، وخرجت أخيب الناس حتى صرت بالباب، فلحقني إبراهيم وضربني وقال: هيه كم تساوي شارية؟ فقبلت رجله وقلت: يا سيدي والله العظيم ما ظننت أن ثمنًا يكون أكثر من مائة ألف درهم، وما العيب في ذاك عليها، وإنما هو نقصان عقل وعلم مني، فأقلني أيها الأمير فهي تساوي ألف ألف دينار، فضحك وقال: الحقني إلى المنزل، فصرت إليه وحدثته حديث الجامات وما كان في نفسي من مرها وما اتفق من مجيئه وحرمانه لي إياها، فضحك وقال: لعمري إني حرمتك ولكن أنصبك منها، وقاسمنيها.
١٣١ - وحضر محمد بن عيسى بن علي بحضرة المنصور، والمنصور يأكل وحده، فدعاه إلى الغداء فقال: أنا شبعان يا أمير المؤمنين، فلما خرج أخذه الربيع وضر به بحضرة أهل بيته، فظنوا أن المنصور أمر بذاك، فمضى إلى أبيه يبكي، فجاء عيسى إلى المنصور وخلع سيفه بين يديه، وضج من فعل الربيع، فقال: ما أمرت بذاك، ولم يفعل الربيع ما تذكره إلا لأمر يقتضيه، واستدعى الربيع وسأله عن خبره فقال: أمرته يا أمير المؤمنين أن يتغدى معك، فقال: أنا شبعان، وإنما دعوته لتشرفه لا لتشبعه، فأدبته إذا لم يؤدبه أبوه! فقال المنصور: أحسنت، قد علمت أنك لا تخطئ.
1 / 31