وجاء جندي، عجوز آخر طاعن في السن، ولكنه لم يكن قد ارتدى الزي الرسمي بعد، فعلى رأسه كان ثمة طربوش قديم قد انهار وتكوم في كتلة لا شكل لها ولا معنى.
وقال المعلم: «امضي لنا التصريح بقى يا بيه.»
فقلت له: «لا، أنا لازم أروح أشوفه.»
فعاد يقول: «يا بيه، هو غريب؟! ما أنت عارفه! أنا بس عامل على تعبك، هو أنا ح أضحك عليك؟! دا راجل مسن، صرح لنا من هنا وخلاص، شيخوخة بدون جنون، والله، ما في غيرها.»
وتطوع أكثر من صبي من صبيان الحانوتية والواقفين بالرجاء والإلحاف ومساندة المعلم، كانوا زملاء الفقيد قد جاءوا بلا ريب تدفعهم الرغبة لعمل شيء للزميل الراحل.
غير أني أصررت على الذهاب ولو لألقي على عم محمد نظرة الوداع، فللرفقة حق، ولقد كان رفيق الطريق.
وبعد قليل غادرنا المكتب للكشف على عم محمد.
وكان موكبا رهيبا، كنت في المقدمة وبجواري المعلم وقد رفع ذيل جلبابه بيد وراح يحدثني بيده الأخرى وبأصابعه وهزات رأسه عن «خرجة» عم محمد، وكيف سيخرجه هو على نفقته مع أن الوقت غير ملائم والدنيا على كف عفريت.
وخلفنا كانت جمهرة العم محمدات.
وكان الموكب رهيبا إلى الدرجة التي توقف الحركة في الشارع وتدفع الناس إلى التساؤل عن الميت الهائل الذي يتطلب الكشف عليه هذا العدد العديد من الحانوتية وصبيانهم.
ناپیژندل شوی مخ