إن عرف أن له رحمة وعناية، وهو يجادل فيهما ويستريب بهما وبالله في ذاته إن لوى رأسه وركب أثر هواه ضالا أو مضلا؛ وما يجديك أيها الأحمق أن تهبط بعض الأودية وتأخذ في الصياح لتستخرج الصدى كأنك أنطقت الجماد ... وإنما هو صوتك رجع إليك لم تزد فيه السماء ولم تنقص منه الأرض؛ فمهما جادلت في الله فإنك لا تعدو هذا العبث بنفسك ولو أنكرت فأنكر الصدى ورميت بالحجة فرمى بها وجئت بالأقاويل فتابعك عليها - لم يكن لك من ذلك كله ظهير ولا نصير على الحقيقة إلا كما يكون للممرور يحدث نفسه ويحب أن له حلقين ...
ويح هؤلاء الناس! ألا يرون المصائب والآلام ترسل دفاقا على الأرض كماء المطر وهي مع ذلك لا تصيب من تصيبه إلا قطرة فقطرة كأنه مكتنف من رحمة الله بفضاء واسع يجعله كهذه الطيور التي ترسل عليها السماء من أقطارها وهي مع ذلك تلبث طافية على الهواء كأنها الأمواج التي يجيش بها البحر أبدا ولا تغرق، ولو هي كانت في الأرض لأغرقتها بصقة من إناء مترع؛ أوليس في ذلك ما يردف الإنسان شغلا بنفسه الضعيفة مما يذهب إليه في إلحاده وريبته إذ ينتحل شيئا من الألوهية لينكر الألوهية أو ليشك فيها ؟
وهيهات يجادل امرؤ في الله أو يستريب به أو يتصفح على أعماله إلا إذا كان يقيس من أمر ذلك ما في نفسه كأن في نفسه مقياس الألوهية، وإلا فهو الغبي الذي لا يسقط على عقله ولو استمر يبحث عنه في الكتب حتى يرمى في جنازته.
12
أو لا يستشعر الإنسان مما تزلزله مصائبه وآلامه وأن روحه تتخطى مقرها في باطنه فكأنه يتزلزل بخطواتها، وقد يراها فصلت عنه حين تنتزي به الآلام المبرحة إذا انتهض من صرعته ونشط لما ينشط له الأصحاء رأى كأنه مقبل على الدنيا من حدود الآخرة!
وإذا كانت النفس خرساء لا تفهم إلا بالحركة والإشارة فما أرى هذه الحركة منها في الإنسان بين المرض والصحة إلا كحركة نقض الدليل الفاسد بالدليل الصحيح في العقل، فإذا هو سفه بعد ذلك نفسه وسفه الحق منها وحاول أن يرتبطها من إنكاره وحجوده ومكابرته وعنته بالسلسلة الربوض
13
فإنه ينقلب ما يشاء ملحدا أو فاسقا أو شيطانا وتبقى نفسه كما هي على طبيعتها الإلهية؛ لأن الدين النفسي ليس ما يزعمه العالم في مجادلته، ولا الجاهل في محاولته، ولا المؤمن في إقراره وتصلبه، ولا الجاحد في إنكاره وتعجبه. وإنما هو قلب الإنسان الذي يخفق في العالم والجاهل والمؤمن والجاحد بحركة واحدة كأنه فم يسبح الله بكلمة الحياة.
يا شقاء الإنسان ويا ويله إذ يرسل الله على قلبه شعاع الرحمة والإيمان ويأبى من غلبت عليه شقوته إلا أن يضرم من هذا الشعاع الإلهي نارا ينضج بها غذاء شهواته ويطيبه فلا يزال يحتطب لها من كل خبيث جاف حتى تراه كأنه قدر تئز أزيزا، وكأنه في باطنه شظية من جهنم يسطع وهجها في عينيه فلا تقع ألحاظهما على شيء إلا رجعت منه بمعنى خبيث وتركت فيه معنى أشد من ذلك خبثا، ولو زادت هذه النار في جوفه فخلق منها للناس شيطانا، ولكنها - من رحمة الله بالناس - نار قليلة لا تكفي لشيء أكثر من عمله الشيطاني ...
ذلك؛ فانظر الآن ماذا يترك الشعاع الإلهي الذي وصفنا في قلب المؤمن بالله؟
ناپیژندل شوی مخ