93

حديث عيسى بن هشام

حديث عيسى بن هشام

ژانرونه

عيسى بن هشام :

اعلم أن الخيرة في الواقع، والحمد لله على كل حال فإن فيهم تحت «الطربوش» من هو أشد فتكا من ضواري الوحوش، وأعرف طربوشا منهم أقسم أمامي بالطلاق ثلاثا من زوجته، ومن كل زوجة يتزوج بها في حياته على إنكار كلام نطق به في مجلس كنت حاضره؛ إرضاء لأحد أرباب القضايا، وإغضابا لخالق البرايا، واستهانة بحكم الشارع، واعتمادا على قول الشاعر:

وإن أحلفوني بالطلاق أتيتها

على خير ما كنا ولم نتفرق

وإن أحلفوني بالعتاق فقد درى

عبيد غلامي أنه غير معتق

قال عيسى بن هشام: ومضت علينا الأيام ونحن نقصد الشيخ المحامي في كل يوم فلا نتمكن من لقائه، فإن ذهبنا إليه في البيت قيل لنا: إنه في المحكمة، وإن ذهبنا إلى المحكمة قيل لنا: إنه في القصر الفلاني أو القصر الفلاني من قصور الأمراء والكبراء حتى حفيت الأقدام، ومللنا الاصطبار، فاخترنا أن نربط له أمام بيته عند الثلث الأخير من الليل فنصطاده عند خروجه، وقعدنا بعيدا عن الباب حتى خرج علينا راكبا أتانه، فتقدمت إليه فقال لي: أرجو المسامحة في هذا التأخير، فالذنب فيه لكثرة مشاكل الأمراء ودعاويهم. فتقبلنا عذره وتوجهنا معه إلى المحكمة، فذهب بنا إلى «كاتب الإشهادات» فوجدناه جالسا يلمع في ثيابه: من حمرة الحذاء في رجله وزرقة الجبة على كتفه وصفرة الحزام في خصره وبياض العمامة فوق رأسه:

تعددت ألوانه

كأنه قوس قزح

وكان الشيخ المحامي قد تركنا مع الغلام والشاهد الذي اختاره لنا، فنظر الكاتب إلى الشاهد نظرة المتوقف، وقال: إنه شاب صغير السن وإنه وإنه ... فمال عليه غلام المحامي، وألقى في أذنه بعض القول فقام معنا من فوره إلى قاضي الجلسة لسماع الأشهاد بعد أن قال لنا الغلام: وهذه الخطوة الثالثة في تكاليف القضية، ثم انتهى الأشهاد بحمد الله وحسن العناية بنا في أثناء يوم واحد، وقال لنا الغلام عند الانصراف: يجب بعد هذا أن نقدم عريضة لحضرة القاضي بطلب الكشف من الدفترخانة عن الوقفية في السجل، وأن نوضح فيها نمرة الوقفية وتاريخها ومن «عملية» من هي «يعني اسم الكاتب الذي كتبها في زمانها»، فخرجنا نبحث عن أحمد أغا البيطار لعله يعرف طريقة توصلنا إلى مطلوبنا، فعثرنا عليه وأعلمناه بغرضنا، فقال: إن عندي ورقة فيها نمرة الوقفية كنت تحصلت عليها بطرق مختلفة بعد الجهد الشديد والزمن المديد لإثبات حقي في ريع الوقف، ثم ذهب إلى بيته وعاد إلينا بالورقة فوجدناها قاصرة على ذكر النمرة والتاريخ، ولم يذكر فيها اسم الكاتب الذي عمل «العملية»، فقصدنا غلام المحامي وتوجهنا معه إلى المحكمة، فكتبنا العريضة وقدمناها لحضرة القاضي فوضع عليها إشارة لحضرة الباشكاتب ليتحرى عن مسألة «الشأن» وطلبوا منا شهودا يشترط فيهم أن يكونوا من أهل جيل الباشا ليثبتوا شخصيته، ويشهدوا بأنه صاحب الوقف وأن سواه وضع يده عليه، فأدركتنا الحيرة في الأمر فتكفل لنا الغلام باستحضار أولئك الشهود أيضا بعد أن قال لنا: وهذه الخطوة الرابعة في تكاليف القضية، ولما نظر الباشكاتب في العريضة ووجد أننا لم نبين فيها اسم الكاتب صاحب «العملية» قال لنا: إنه لا يمكن الاهتداء في الدفترخانة بدون ذلك، وإنه لا بد لنا من انتظار السنين والأعوام حتى يمكن العثور على صورة الوقفية في السجل بالنمرة والتاريخ وحدهما، فعاودتنا الحيرة فقال لنا الغلام: لا تحزنا فأنا أساعد على سرعة الإنجاز، وأتوجه معكما إلى الدفترخانة إن شاء الله، وهذه هي الخطوة الخامسة في تكاليف القضية، وما زال الخبيث يعد لنا الخطوات، ونعد له في كل خطوة دريهمات، ونحن نسأل الله أن ينقذنا مما أصابنا من حكم الدهر، وأن يعجل بانقضاء القضية قبل انقضاء العمر.

ناپیژندل شوی مخ