143

حديث عيسى بن هشام

حديث عيسى بن هشام

ژانرونه

نعم ينفع الوقف ويبقى الميراث على شرط أن يكون بمثل الشروط التي وقف بها المرحوم فلان، فإنه خصص جانبا من الريع لذريته، واشترط أن يحفظ الباقي ويدخر، وكلما تكون منه نقد عظيم يشترى به عقار ثم يوقف ويضاف إلى الوقف الأصلي ليكون في نمو متواصل على توالي الأيام وصروف الحدثان، وبذلك يصير البيت في درجة عالية من الغنى بعد وفاة صاحبه فوق ما كان عليه في أيام حياته، فأنعم بها من طريقة وأحسن بها من وسيلة .

الثالث :

ليس ذلك من الحزم في شيء، ولكنه الغلو في البخل والشح ومحبة الادخار بعد مفارقة الحياة، ولقد حرم المرحوم نفسه من التمتع بماله في حياته وحرم أولاده منه بعد موته بابتداع هذه الطريقة الغريبة في شروط الوقف.

الأول :

أطلب منك العفو والسماح وعدم المؤاخذة، فمن يقول: إن المرحوم كان شحيحا مقترا، قد والله عاشرته الزمن الطويل فما رأيته يحرم نفسه أو يقتر عليها، وما كانت مائدته لتخلو من الضأن أو الحمام أو الدجاج، وحق جدك، وإنما كان الرجل حازما لا ينفق ماله إلا في الوجوه النافعة.

الثاني :

لا اعتماد عندي في هذا الباب على الوقف أو الملك، وخير ما يدخر الوالد لأبنائه وأفضل ميراث لهم أن يحسن تعليمهم وتهذيبهم في المدارس، وأن لا يعودهم في حياته الإنفاق والتبذير، بل يروضهم على التوفير والتدبير ومعرفة قدر الدرهم والدينار.

الأول :

وهل جاءتنا المصائب في أولادنا إلا من هذه المدارس وتعليمها، وهل زادهم ذلك التهذيب إلا ما شئت من الفظاظة والوقاحة والكبرياء والمكابرة، ولقد أدهشني فلان بالأمس، وأضحكني في شكواه مر الشكوى من حال ابنه المتهذب المتعلم في المدارس والمجالس؛ إذ قال لي في حديثه: «ما زال هذا الولد يزيد في تعذيبي وتكديري منذ خروجه من المدرسة، فأصبح لا يكلم أهله إلا بالرطانة ولا يعرب عن غرضه إلا بالتعنيف والتأنيب، ولا يرضى عن شيء في البيت، فإذا جاءوا له بالماء قال: فيه الميكروب، وإذا أتوه بالخبز والجبن قال: علي بالميكروسكوب، ثم ترى الشقي يقسم الأطعمة أقساما، فيقول: البيض واللبن غذاء كامل، والخضر غذاء ناقص، لا ينفع ولا يمري، وأن الأرز وما شابهه من «المواد النشائية» لا فائدة منها سوى أنها تحترق كالوقيد في الجسم، وما زاد منه عن الحاجة فهو شحم يغلظ به الجسد وتتورم به الأعضاء، وأن الفواكه لا بد أن تؤكل من ساعتها إذا تشققت خصوصا البطيخ؛ لأنه أسرعها قبولا لتولد الحيوانات السامة، وهلم جرا حتى حير الخبيث أهل البيت في طعامه وشرابه فوق ما حيرني في اختلاف ملابسه وتعدد أزيائه، وكلما عارضته في شيء شمخ بأنفه استكبارا ولوى عنقه استحقارا، وسخر بي لجهلي وفخر علي بعلمه، هذا هو منتهى التأدب الذي يكتسبه أبناؤنا من علوم المدارس، يتعالون على آبائهم ويعيرونهم بعد أن كان الولد كالبنت البكر في الزمن الماضي لا يرفع طرفه في وجه والده حياء ووجلا، وكان لا يجرؤ على مكالمته إلا مجيبا عن سؤال من صغره إلى كبره.

الثاني :

ناپیژندل شوی مخ