هذي الحياة رواية لمشخص
فالليل ستر والنهار الملعب
ومن صواب الرأي أن لا تذهب نفسك عليهم حسرات، ولا تذرف عينك من أجلهم العبرات، وهلم معي أمتعك بزيارة مجلس يؤنس من وحشتك، ويكشف من غمتك، فأسلس مطاوعا في القياد، ووافقني على ما تبين له من الرشد والسداد، فيممت به دارا عالية الجدران، واسعة الأركان، شاهقة البنيان لأحد التجار والأعيان، فزاحمنا عند الباب سائس يسحب فرسا مصحبا مطيعا، ويحمل على كتفه طفلا رضيعا، يقول وقد أظهر الغيظ بواطنه الكامنة: «لست أدري والله أسائس أنا أم حاضنة؟» ومن ورائه آخر يحمل صفحة متدفقة بالمخلل، يقول وقد تلوث بمائها وتبلل: «علام أتعب في هذه الدار وأشقى؟ وإلام يدوم هذا الشقاء ويبقى؟ ولست أدري والله أسائق أنا أم سقا؟» ولما ولجنا الباب إذا بالبواب يقول وفي يده صرة ثياب: «لا مرد للمقدور والمقضي، ولا رجاء في العيش الرخي، والله ما أدري أبواب أنا أم خصي؟» ولما جاوزنا دهليز المكان، إلى باب الإيوان، وجدنا عنده غلاما فتي السن يتنهد ويئن، وبين يديه دخان وورق، وبجانبه كتاب مطبق، وهو يقول: «عجبا والله للوالد يشغل ابنه بسجارات يحشوها فيلهيه بها عن دروس له يتلوها، لا غرو إن فاضت العيون بسواكبها، واحترقت القلوب بلواهبها، فما أدري والله أفراش الدار أنا أم ابن صاحبها؟» فما أحس بنا حتى انتفض قائما، وتقدم مسلما، ثم ذهب أمامنا ليذكر قدومنا، وإذا بالوالد مقبلا علينا يتكفأ في مشيته، ويتعثر في جبته، فسهل بنا ورحب، وبالغ في التحية وأسهب، ودخل بنا على أهل مجلس مختلفي الأزياء والهيئات، متبايني الأشكال والسمات، فمن صاحب عمامة يتعهد بيده رصفها وآخر يجدد لفها، ويحبك بالإبر طرفها، ومن صاحب طربوش قد أماله على جبينه، فإذا تحرك أسنده بيمينه، فترى يده أبدا لا تسكن ولا تستقر، كأنما هو في تأدية سلام مستمر، ووجدناهم جميعا قد كثر بينهم اللغو اللغط، وسمعناهم يتحاورون على هذا النمط.
أحدهم :
نعم لا بد من ذلك إذا يسر الله وتم الاتفاق مع الخواجه فلان، فإن إقامة عمارة أخرى بجانب تلك العمارة مما يأتي بأرباح لا يمكن أن تأتي بها الأشغال التجارية، وأنا أنصحك يا أبا هاشم أن تترك التجارة جانبا، فقد أصبحت الآن لا نفع يرجى منها، وتوكل على الله في الاشتغال معنا بالأبنية فهي أنجح وأربح.
الثاني :
ومن أين لي زادك الله من النعمة والبركة ما يساعدني على هذا التوسع، والحال على ما تعلم ضعيفة، والحمد لله على نعمة الستر، فهي الغنى الكامل؟
الأول :
لا تقل هذا أيها السيد،
وأما بنعمة ربك فحدث
ناپیژندل شوی مخ