كأنهم مسرعون إلى جفنة ثريد، ونحن من خلفهم نخب ونهرول، ونحسبل ونحوقل، إلى أن كادوا يغيبون عن البصر، وكدنا نفقد منهم الأثر لولا أن عثر أحدهم بقضبان مركبات الكهرباء، فطاحت العمامة وانفلت الحذاء، فانفتل يلتمسها ويلتمسه، فلم يرعه إلا السائق وجرسه، فما تحرك ولا انتقل، حتى أدركته العجل، وكاد يداس ويقضى عليه، لولا أن جذبه رفيقه إليه، فحيل بين الرجل وبين عمامته ونعله، ووقف مخبولا لا برأسه ولا برجله، وهو يستنجد لهما ويستغيث فلا يغاث، حتى مرت عليهما المركبات الثلاث، فأدركناه وهو ممتقع اللون من اليأس والوجل، فبشرناه بسلامتهما فاعتم بهما وانتعل، وحمد الله على هذا اللطف في القضاء، وحمدناه على ما أتيح من التعويق والإبطاء؛ إذ تمكنا من اللحاق بهم، وقدرنا على استئناف السير في عقبهم.
وقد انتهى السير بنا إلى قصر في سرة بستان، يزري في الحسن بقصور بغداد وغمدان، وقد ترصع البستان بأنواع الأزاهر، كأنه محلى بصنوف اليواقيت والجواهر، والقصر في وسطها كأنه الدرة البيضاء، أو البدر بين نجوم السماء:
كأنه جيد وبستانه
من حوله عقد بديع النظام
وما عساي أقول في وصف روض قد نسجته يد الأرض؛ لتزدان به يوم عيدها ويوم زينتها، ونمنمته رداء لها تختال به في حسن رونقها وبهجتها:
مؤزرة من صنعة الوبل والندى
بوشي ولا وشي وعصب ولا عصب
2
قد أغنى الغواني نسيمه العليل، عن المسك الأذفر، وكفاها ريحه البليل، تعطرها بالطيب والعنبر:
بغرس كأبكار الجواري وتربة
ناپیژندل شوی مخ