نعم معي كتابان أحدهما «قلائد اللؤلؤ والمرجان في استحضار الجان.» والآخر «خير المواقيت، لرؤية العفاريت».
الكاتب :
بارك الله فيك وجزاك خيرا، فإن عندي نسخة محرقة من هذا الكتاب الأخير فاصحبني إلى البيت لنقابلها ونصححها.
قال عيسى بن هشام: وقام هذا الكتاب مع البائع، وأقمت أسخط على هذا الجهل الشائع، والعمل الضائع، وبينا أنا كذلك إذ أشار علينا غلام المحامي بالقيام، فقد آن نظر قضيتنا، فخرجنا فوقفنا عند باب الحجرة التي تنعقد فيها الجلسة، فرأينا الزحام خارجها وداخلها على أشد حالاته، وسمعنا الحجاب ينادي تارة بصوت عال وتارة بصوت منخفض، فسألت الغلام عن ذلك فقال: إنه يخفض الصوت حتى لا يسمع أرباب الدعاوى النداء فتسقط القضية وهو من باب الشفقة والحنو بالمدعى عليه، وفوق ذلك فإن للحجاب أن يدخلوا الجلسة من أرادوا، ويحجبوا عنها من أرادوا، ثم نودي علينا فدخلنا مع شهود المعرفة الذين استحضرهم الغلام لنا، فوجدنا الجلسة مؤلفة من ثلاثة أعضاء برئيسهم وهم جلوس كل واحد منهم بمعزل عن الآخر، وقد تعسر علي أن أفهم كلام الباشا وهو بجانبي يخاطبني لشدة الضوضاء وعلو الأصوات، ثم دخل كاتب الجلسة يرقص في مشيته ، وكأنه الطاووس في هيئته فجلس ووقفت عنده بحيث أبصر ما يسطره، فوجدته قد تناول القلم بأطراف بنانه يضعه في الدواة تارة ويضعه في أذنه أخرى، ثم يلهو بتفقد ثيابه ويشتغل بلمس الإبر التي تتشبك بها العمامة، ثم ابتدأوا في سماع القضية، وتقدم الباشا مع الشهود فلم أسمع شيئا مما قالوه أو قيل لهم لكثرة الجلبة والصياح، وإنما رأيت الكاتب يكتب في دفتر الضبط - وكأنما يكتب من عنده - ما أنقله بحرفه وهو:
استحضر أمام الجلسة المدعي والمحامي والشهود فتقدم المدعي، وعرف أنه فلان بن فلان بن فلان وسمى شاهدي معرفته وهما فلان بن فلان بن فلان، وفلان بن فلان بن فلان الساكنان بالجهة الفلانية شياخة فلان بن فلان بن فلان، وشهد كل منهما على انفراده بأنه يعرف المدعي المذكور، وأشار إليه بيده وهو فلان بن فلان بن فلان المذكور، ثم قال المدعي المذكور: إن لي قبل فلان بن فلان بن فلان دعوى نظر على وقف ومعي مستند دعواي والمدعى عليه لم يحضر مع استلامه علم الطلب المحدد له فيه الحضور في هذه الجلسة.
ثم أمرت المحكمة بانصرافنا للمداولة والنظر في المستند، فوقفنا ناحية من الحجرة ننتظر مع من ينتظر، ثم نودي علينا بعد مدة فقالوا لنا: إن المحكمة تعلمنا بمضمون المادة 72 من اللائحة وهي تقضي - على ما أخبرنا به المحامي - بالإعذار إلى المدعى عليه، وقال: لا بد أن نطلب ذلك من المحكمة؛ لأنه لا يسوغ لها أن تعذر إلا بناء على طلب المحامي، فقدمنا الطلب، فتقرر إصدار الإعذار، والله يكفيك شر ما في هذه الدار، من الأقضية والأقدار، وكثرة الهموم والأكدار.
قصر حفيد الباشا
قال عيسى بن هشام: ودخلنا - لا أدخل الله عليك طوارق النقم، ولا أخرجك من طرائق النعم - في دور الإنذار يتبعه الإنذار، والإعذار يتلوه الإعذار، ومندوب المحكمة يعود إلينا بالخيبة، في كل أوبة، زاعما أن خدم الخصم لا يقابلونه إلا بالازدراء، كغيرهم من خول أبناء الأمراء، حتى وصلنا إلى حد الإعذار الأخير، ورمينا المندوب بالإهمال والتقصير، فرأينا أن نخبر خبره، ونقتفي أثره، ونتحقق بأنفسنا كيف يتسع الذرع، للاستخفاف برسول الشرع، فسرنا وراء المندوب ومعه الشاهدان، يشهدان بأنه أعذر فلان بن فلان بن فلان، وقد أمسك الواحد منهم بكتف الآخر، على هيئة تستفز كل هازئ وساخر، وكل منهم يخد الأرض بحذائه، ثم يعفي الأثر بفضل ردائه.
وهم ينتقلون في المشي من الذميل إلى الرسيم إلى الوخيد،
1
ناپیژندل شوی مخ