وأعرض عليكم الآن الأساس العام لهذا التدبير، ثم أعرض تطبيقه على العقدتين الباقيتين، واحدة فواحدة، فإليكم: (11) الأصل العام لهذا الحل
وهو أن ندع النحاة وآراءهم وقواعدهم، ونمضي إلى ما وراء ذلك من أصولهم التي استخرجوا منها هذه القواعد، فنحاول بحسب استعمالهم هم لها، وكما دلوا على هذا الاستعمال - وعلى رغم ما لنا من اعتراض على هذه الأصول - أن نرجح من منقول اللغويين ومرويهم في اللغة، أوجها تدفع هذه الصعوبات، وتقلل هذا التعدد، وتغني المتعلم عن بذل جهد عنيف، فالذي سنختاره من الأوجه، عربي، عربي منقول، مقرر في أصولهم الاحتجاج به، لكنا سنلاحظ في اختياره اعتبارين: (1)
تقليل الاستثناء؛ اضطراب الإعراب ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. (2)
اختيار ما هو بسبب من لغة الحياة والاستعمال عندنا، فإن لنا في عاميتنا إعرابات بالحروف مثلا، قد نطمئن إلى إن لها أصلا عربيا، بل هذا ما قد يرجحه البحث أو يثبته، وفي كل حال فإن أنسنا بها وإلف المتعلم لها، في لغة البيت والشارع، سيجعل الوجه الذي نختاره من الفصحى قريبا من أنفسنا سهلا، لا جدة فيه ولا إعنات، وسنجد التمثيل لهذا في موضعه حين نعرض له قريبا.
وتلك هي المرحلة الأولى التي نعتمد فيها على أصول النحاة بنصوصها، وبما قرروا فيها حل استعماله بلا لوم فيه علينا، ولا إنكار منهم، كما تسمعون نص عباراتهم في هذه الإباحة؛ إذ يقولون: (1)
كل ما ورد أن القرآن قرئ به جاز الاحتجاج به في العربية، سواء أكان متواترا أم آحادا أم شاذا، وقد أطبق الناس على الاحتجاج بالقراءات الشاذة في العربية إذا لم تخالف قياسا معروفا، بل ولو خالفته، يحتج بها في مثل ذلك الحرف بعينه، وإن لم يجر القياس عليه، كما يحتج بالمجمع على وروده ومخالفته القياس في ذلك الوارد بعينه، ولا يقاس عليه، نحو استحوذ ... إلخ.
ثم يقول ناقل هذا: إن ما ذكرته من الاحتجاج بالقراءة الشاذة، لا أعلم فيه خلافا بين النحاة، وإن اختلف في الاحتجاج بها في الفقه؛ ومن ثم احتج على جواز إدخال لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب بقراءة: «فبذلك فلتفرحوا»، كما احتج على إدخالها على المبدوء بالنون بالقراءة المتواترة: «ولنحمل خطاياكم»، واحتج على صحة قول من قال: إن «الله» أصله «لاه»، بما قرئ شاذا: «وهو الذي في السماء لاه وفي الأرض لاه».
14 (2)
اللغات على اختلافها كلها حجة، ألا ترى أن لغة الحجاز في إعمال «ما»، ولغة تميم في تركه، كل منهما يقبله القياس؛ فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها؛ لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى، لكن غاية ما لك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها، وأشد أنسا بها، فأما رد إحداهما بالأخرى فلا، ألا ترى إلى قوله
صلى الله عليه وسلم : «نزل القرآن بسبع لغات، كلها شاف كاف»؟ هذا حكم اللغتين إن كانتا في الاستعمال والقياس متدانيتين متراسلتين أو كالمتراسلتين، فأما أن تقل إحداهما جدا أو تكثر الأخرى جدا، فإنك تأخذ بأوسعهما رواية وأقواهما قياسا، ألا تراك لا تقول: «المال لك»، ولا «مررت بك»، قياسا على قول قضاعة: «المال له» ولا «مررت به»، ولا تقول: «أكرمتكش» قياسا على قول من قال: «مررت بكش»، فالواجب في مثل ذلك «استعمال ما هو أقوى وأشيع، ومع ذلك لو استعمله إنسان لم يكن مخطئا لكلام العرب، فإن الناطق على قياس لغة من لغات العرب مصيب غير مخطئ، ولكنه يكون مخطئا لأجود اللغتين، فإن احتاج لذلك في شعر أو سجع، فإنه مقبول منه غير منكر عليه.» ا.ه.
ناپیژندل شوی مخ