تعتبر هذه التعددية الأسلوبية، وإمكانية الوصول التي تتأتى في بعض الأحيان من التبسيط سمة نموذجية مألوفة لفترة ما بعد الحرب، التي أصبحت فيها الأساليب الحداثية عصرية، وتمثل دلالة على حدوث زيادة كبيرة في الأعمال الفنية التي تعتمد على هذا التلميح القياسي التاريخي. وكل هذا كان جزءا من «دعوة لمراعاة النظام» انتشرت في فترة ما بعد الحرب في الفنون (ارتبطت أيضا لدى المزيد والمزيد من صغار الفنانين، باستدعاء محافظ، بوجه عام، للأشكال الوطنية والقومية من النظام في مجال السياسة). واتجه الحداثيون من شتى الأطياف إلى تكييف أعمال الماضي، وإلى الانتقائية الأسلوبية، وإلى المحاكاة الساخرة، وإلى النزعة الإحيائية المميزة للكلاسيكية الحديثة، وما إلى ذلك.
شكل 2-5: فرناند ليجيه، «الفطور الكبير» (1920-1921). لوحة من الأثريات التكعيبية تترك مساحة محدودة لشبق التجسيدات السابقة للعري.
شكل 2-6: بابلو بيكاسو، «ثلاث نساء على النبع» (1921). لوحة تجسد النساء كتماثيل: الكلاسيكية الجديدة في منافسة مع أسلافها.
على سبيل المثال، تبتعد لوحة فرناند ليجيه «الفطور الكبير» [«الفطور، النسخة الكبرى»] (شكل
2-5 ) عن الاحتفاء التزامني بالحداثة في «المدينة» لتتجه نحو نسخة آلية من الكلاسيكية الجديدة. هؤلاء «جوار»؛ ما يذكرنا بالرسام جان أوجست دومينيك إنجر المنتمي للكلاسيكية الحديثة، فيما يبدو لون الجلد الرمادي اللامع وكأنه مصقول ومنحوت؛ ما يعيد إلى الأذهان الشكل البطولي الرزين المتماسك لسيدنا داود، وفي تورم أجساد النساء، ما يعيد إلى الأذهان الأسلوب الكلاسيكي لنيكولا بوسان، بطريقة مشابهة لأعمال بيكاسو ذات الطابع الكلاسيكي الحديث لهذه الفترة، مثل «ثلاث نساء على النبع» (1921) (شكل
2-6 )، حتى إن بيكاسو قد أجرى دراسة كارتونية بالطباشير الأحمر مستوحاة من عصر النهضة من أجل هذه الصورة النحتية، والتي تشير ضمنا إلى لوحة بوسان «إليزر وريبيكا عند البئر» (1648)، ولكن أكثر ما تشبهه هو منحوتة جنائزية إغريقية. ويغلب على اللوحة بالتأكيد طابع الحزن والتقيد، وهو ما يعد تناقضا؛ نظرا لأن الموضوع عادة ما يشير ضمنا إلى الاحتفال بالخصوبة. وتشير إليزابيث كولينج إلى أن اللوحة قد تكون تجسيدا لحالة الحزن والحداد التي سادت بعد الحرب.
لم يكن هذا الفن قط مجرد فن طارد، أو يعتمد على المحاكاة الساخرة. وهذا هو الفارق، مرة أخرى، بين الكلاسيكيين الجدد وأتباع ما بعد الحداثة؛ فالكلاسيكية الجديدة في الفنون تستعين بأفكار المجرد، والمطلق، والمعماري، والخالص، والموجز، والمباشر، والموضوعي، وتمثل علامة لعودة إلى إيمان باللغة «العالمية» للفن، وليس إيمانا بالاستحداث الجذري للغات جديدة.
كذلك بدا انتقال بيكاسو إلى أسلوب كلاسيكي حديث محاكيا بشكل علني للبعض وكأنه تخل عن التجريب الطليعي (لقد كان أيضا مهتما بتقليد إنجر في لوحته التي رسمها لمدام فيلدشتاين، على سبيل المثال). وقد ذهب جون برجر فيما بعد إلى أن مثل هذه الأعمال:
ليست مرضية أو عميقة مثل الأعمال الأصلية؛ نظرا لوجود فاصل من الوعي الذاتي بين شكلها ومحتواها. فطريقة رسمها أو تلوينها ليست نابعة مما يرغب بيكاسو في قوله بشأن موضوعه، ولكنها نابعة، بدلا من ذلك، مما يرغب بيكاسو في قوله بشأن تاريخ الفن ... [فهو] يمنح مدام فيلدشتاين قناع أعمال إنجر، وكان باستطاعته أن يمنحها قناع لوتريك، ولكنه كان سيصبح منفرا اجتماعيا.
التقليد المتبع
ناپیژندل شوی مخ