219

د عرب حضارت

حضارة العرب

ژانرونه

ويل لك، يظهر أن الله نزع الرحمة من قلبك، فلا تعرف أطيب النعم التي من الله بها على الإنسان.

وإذا أردنا أن نعلم درجة تأثير القرآن في أمر النساء وجب علينا أن ننظر إليهن أيام ازدهار حضارة العرب، وقد ظهر مما قصه المؤرخون، فنذكره فيما بعد، أنه كان لهن من الشأن ما اتفق لأخواتهن حديثا في أوربة، وذلك حين انتشار فروسية عرب الأندلس وظرفهم.

وقد ذكرنا في فصل سابق أن الأوربيين أخذوا عن العرب مبادئ الفروسية وما اقتضته من احترام المرأة ، والإسلام، إذن، لا النصرانية، هو الذي رفع المرأة من الدرك الأسفل الذي كانت فيه، وذلك خلافا للاعتقاد الشائع، وإذا نظرت إلى سنيورات نصارى الدور الأول من القرون الوسطى رأيتهم لم يحملوا شيئا من الحرمة للنساء، وإذا تصفحت كتب تاريخ ذلك الزمن وجدت ما يزيل كل شك في هذا الأمر، وعلمت أن رجال عصر الإقطاع كانوا غلاظا نحو النساء قبل أن يتعلم النصارى من العرب أمر معاملتهن بالحسنى، ومن ذلك ما جاء في تاريخ غاران لولوهيران عن معاملة النساء في عصر شارلمان وعن معاملة شارلمان نفسه لهن كما يأتي: «انقض القيصر شارلمان على أخته في أثناء جدال، وأخذ بشعرها وضربها ضربا مبرحا، وكسر بقفازه الحديدي ثلاثا من أسنانها»، فلو حدث مثل هذا الجدل مع سائق عربة في الوقت الحاضر لبدا هذا السائق أرق منه لا ريب.

ومن الأدلة على أهمية النساء أيام نضارة حضارة العرب كثرة من اشتهر منهن بمعارفهن العلمية والأدبية، فقد ذاع صيت عدد غير قليل منهن في العصر العباسي في المشرق والعصر الأموي في إسپانية، ونذكر منهن بنت أحد الخلفاء، الذي كان جالسا على عرش الخلافة سنة 860 (!) ولادة التي لقبت بسافو قرطبة، وقال كونده ملخصا ما ذكره مؤرخو عبد الرحمن الثالث:

كان عبد الرحمن الثالث، وهو يتمتع بأطايب مدينة الزهراء، يحب أن يستمع إلى أغاني جاريته وأمينة سره العذبة مزنة وإلى فتاة قرطبة الكريمة عائشة، التي روى ابن حيان أنها كانت أعقل بنات عصرها وأجملهن وأعلمهن، وإلى صفية التي كانت شاعرة باهرة الجمال ...»، وأضاف مؤرخو الحكم الثاني إلى ذلك قولهم: «إن نساء ذلك الزمن - الذي كان للعلم والأدب شأن عظيم فيه ببلاد الأندلس - كن محبات للدرس في خدورهن، وكان الكثير منهن يتميزن بدماثتهن ومعارفهن، وكان قصر الخليفة يضم لبنى، أي هذه الفتاة الجميلة العالمة بالنحو والشعر والحساب وسائر العلوم والكاتبة البارعة التي كان الخليفة يعتمد عليها في كتابة رسائله الخاصة، والتي لم يكن في القصر مثلها دقة تفكير وعذوبة قريض، وكانت فاطمة تكتب بإتقان نادر، وتنسخ كتبا للخليفة ، ويعجب جميع العلماء برسائلها، وتملك مجموعة ثمينة من كتب الفن والعلوم، وكانت خديجة تنظم الأبيات الرائعة وتنشدها بصوتها الساحر، وكانت مريم تعلم بنات الأسر الراقية في أشبيلية العلم والشعر مع شهرة عظيمة فتخرجت في مدرستها نساء بارعات كثيرات، وكانت راضية، المعروفة بالكوكب السعيد والتي حررها الخليفة عبد الرحمن وتنزل عنها لابنه الحكم، نابغة عصرها في القريض ووضع القصص الرائعة فساحت في الشرق بعد موت الخليفة، وكانت محل هتاف العلماء في كل مكان.

وخبت حضارة قدماء الخلفاء الساطعة في عهد وارثي العرب، ولا سيما في عهد الترك، فنقص شأن النساء كثيرا، وسأبين في مكان آخر أن حالتهن الحاضرة أفضل من حالة أخواتهن في أوربة حتى عند الترك، وما تقدم يثبت أن نقصان شأنهن حدث خلافا للقرآن، لا بسبب القرآن على كل حال.

وهنا نستطيع أن نكرر، إذن، قولنا: إن الإسلام، الذي رفع المرأة كثيرا، بعيد من خفضها، ولم نكن أول من دافع عن هذا الرأي، فقد سبقنا إلى مثله كوسان دوپرسڨال ثم مسيو بارتلمي سنت هيلر.

شكل 4-4: امرأة بربرية من جوار بسكرة (من صورة فوتوغرافية).

ولم يقتصر فضل الإسلام على رفع شأن المرأة، بل نضيف إلى هذا أنه أول دين فعل ذلك، ويسهل إثبات هذا ببياننا أن جميع الأديان والأمم التي جاءت قبل العرب أساءت إلى المرأة، وهذا ما أوضحناه في كتابنا الأخير، فلا نرى غير تكرار ما ذكرناه فيه لإقناع القارئ: كان الأغارقة، على العموم، يعدون النساء من المخلوقات المنحطة التي لا تنفع لغير دوام النسل وتدبير المنزل، فإذا وضعت المرأة ولدا دميما قضوا عليها، ومن ذلك قول مسيو تروپلونغ: كانت المرأة السيئة الحظ التي لا تضع في إسپارطة ولدا قويا صالحا للجندية تقتل، وقال: كانت المرأة الولود تؤخذ من زوجها بطريق العارية؛ لتلد للوطن أولادا من رجل آخر.

ولم ينل حظوة من نساء الإغريق في دور ازدهار الحضارة اليونانية سوى بنات الهوى اللاتي كن وحدهن على شيء من التخرج.

ناپیژندل شوی مخ