أما الشخص السادس: فقد كان إنسانا صغير الرأس متطاوله، كبير الفم فاغره، ظاهر الشدق قصير القامة، وكان على صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد النميمة.
أما الشخص السابع: فقد كان رجلا ذا أعين صغيرة التناسب، كروية الشكل، مضغوطة القزحية، متجاوزة حد البروز، وذا وجه متطاول مبطن ببشرة كثيفة مدلهمة، يعلوه أنف كالهرم المنبط ذو جناح منفرجة، وفمه كقطعة جلمود، على صدره لوح مكتوب فيه: هذا قائد الكذب والنفاق.
أما الرجل الثامن: فقد كان حامل بيرق الخيانة حسبما في لوحه مسطور.
وكل من هؤلاء الأشخاص كان مترديا بزي خاص؛ فهذا سابح في ثياب عريضة، وذا محشور في ضيق الملبوس، وذاك عارج على الركبتين؛ فلم أشاهد شبها بين الواحد والآخر. ثم بعد هجعة من الوقت رأيت القائد مقبلا وثمانية أشخاص يهرعون وراءه، ولم يزالوا حتى انتصبوا أمام العرشين وخروا ساجدين لدى العظمة الملوكية حيثما فصلوا بين المحفلين، وغب فترة ألقى الملك عينيه على القائد وقال له: أهؤلاء المعينون؟ - نعم (وحنا رأسه مع الجميع). - دع كلا منهم ينتصب أمام ضده لأجل الشروع في المحاكمة.
فأوعز القائد إلى المعينين بما أمر الملك فذهب ووقف حيث الإشارة. وإذ أثبت نظري على هذا السرب الجديد رأيت كلا مكللا بالغار واسمه مرسوما على جبهته بأحرف نارية؛ فكان الأول يسمى العلم، والثاني الاتضاع، والثالث الرضا والقناعة، والرابع الكرم، والخامس الصفح، والسادس الكتمان، والسابع الصدق والحق، والثامن الأمنية. وجميعهم كانوا متردين بزي واحد.
فما لبث السكوت فترة أن صرخت الملكة بصوت عال وقالت: تعال يا أيها الفيلسوف.
فوثب المذكور على قدميه وامتثل أمام الملكة وقال: مري العبد. - اصعد على قمة هذه الصخرة واشرع في الخطاب علنا، وليرن صوتك في جميع المرسح. أما أنت يا قائد جيش التمدن فتمنطق بسلاح العدل واذهب فقف على رأس ملك العبودية وتقو ولا تجزع.
الفصل السابع
المحاكمة
ففعل القائد حسب الأمر، وأسرع الفيلسوف وصعد على قمة الصخرة ووجه خطابه إلى ملك العبودية، وأنشأ يقول: أصغي أيتها العبودية لكلمات فمي، وأنصتوا يا جميع قواد الشر، هو ذا ملك التمدن قد انتصب على عرش جلاله، فلتنخفض دولة التوحش، وها ملكة الحكمة قد أبدت صوتها، فلتخرس أفواه الجهالة. أين شوكتكم يا مستعبدي البشر وأسنة الحرية لمعت في الآفاق؟ أين صولتكم يا عاملي الظلم وألوية العدل خفقت في الأعالي؟ زولوا فقد دهمتكم الغلبة، حولوا فقد أخذتكم الرعدة. ها قد هبت بكم عواصف القضاء المبرم إلى غاية الحق حيثما تصدح بلابل العدل وتتراقص أغصان الأمان تحت سماء التمدن العظيم؛ فلا عاد لسيوفكم مواقع ولا لنبالكم مرام.
ناپیژندل شوی مخ