كالهر يحكي انتفاخا صورة الأسد
أو كما قال ابن حزم: فضيحة لم يقع في الدهر مثلها: أربعة رجال في مسافة ثلاثة أيام في مثلها يسمى كل واحد منهم بأمير المؤمنين، ويخطب لهم في زمن واحد؛ أحدهم في إشبيلية، والثاني بالجزيرة الخضراء، والثالث بمالقة، والرابع بسبتة ، وأصبح العرب والبربر في خصام مستديم، والجميع في خلاف مع أهل المغرب الأقصى من الجنوب، وفي حروب مع بقايا الأمم الإسبانية والبرتغالية من الشمال والغرب.
سقطت الأندلس؛ لتشتت أهواء أمرائها، وأصبح بعضهم «ولا هم له سوى كأس يشربها، وقينة تسمعه، ولهو يقطع به أيامه» واسترسلوا إلى اللذات، وركنوا إلى الراحات، وأغفلوا الأجناد، واحتجبوا عن الناس، ولم يعودوا ينظرون في الملك، ومنهم من قتل كبار قواده، ووسد الأمر إلى الضعاف، فكثرت المظالم والمغارم، وكثر الثوار مرات بشرق الأندلس وغربها من القضاة وغيرهم، وهكذا تبدد شمل الجماعة «فضبط أشراف العمالات أزمة أمورهم، وركبوا ظهور غرورهم، فأتوا من ذلك بكل شنيعة.»
وقال ابن حزم: كانت طرطوش وسرقسطة وأفراغة ولاردة وقلعة أيوب في يد بني هود، وبلنسية في يد عبد الملك بن عبد العزيز، والثغراي ما فوق طليطلة من جهة الشمال في يد بني رزين، وطليطلة في يد بني ذي النون، وقرطبة في أيدي أبناء جهور، وإشبيلية في يد بني عباد، ومالقة والجزيرة في يد بني برزال من البربر، وألمرية في يد زهير العامي ثم ابن صمادح، ودانية وأعمالها والجزائر الشرقية (الباليار) في يد مجاهد العامري، وبطليوس ويابرة وشنتين ولشبونة في يد بني الأفطس، وأصبح كل امرئ وما اختار من الألقاب والأسماء حتى إن المستعين لما جلس على عرش الخلافة قال للناس أجمعين: ارتعوا كيف شئتم، وارتسموا بما أحببتم من الخطط، فتسمى بالوزارة في أيامه منفردة ومثناة (أي الوزير وذو الوزارتين) أراذل الدائرة، وأخابث النظار، فضلا عن زعانف الكتاب والخدمة.
قسمت الأندلس بعد سقوط الأمويين، إلى تسع عشرة مملكة منها قرطبة وإشبيلية وجيان وقرمونة والغرب والجزيرة الخضراء ومرسية وبلنسية ودانية وطرطوشة ولاردة وسرقسطة وطليطلة وباجة ولشبونة ... وغيرها، ولقد كان يخشى بعد هذا التفرق وتراجع أمر الدولة الأموية أن تسقط الأندلس دفعة واحدة، ولكن قدر الله أن يكون ملوك الجلالقة وقشتالة وغيرهم مشتتة كلمتهم متفرقة أهواؤهم، وقيض للبلاد دولة أخرى جديدة قوية جاءتها من الجنوب أي من المغرب الأقصى، وهي دولة المرابطين، فأفرج بها عن العرب بعض الفرج، فجاء يوسف بن تاشفين وقاتل الأدفنش سنة 480، وانتصر عليه، وكانت البلاد إلى البوار بسبب استيلاء النصارى عليها وأخذهم الإتاوة من ملوكها قاطبة.
ثم عادت أحوال الأندلس فاختلت اختلالا مفرطا آخر دولة أمير المسلمين علي بن يوسف أوجب ذلك «تخاذل المرابطين وتواكلهم، وميلهم إلى الدعة، وإيثارهم الراحة، وطاعتهم النساء، فهانوا على أهل الجزيرة، وقلوا في أعينهم، واجترأ عليهم العدو، فاستولى على كثير من الثغور المجاورة لبلادهم.» حتى جاء الموحدون كما كان المرابطون من قبل بدعوة عقلاء الأندلس وأمرائها، وقد كانوا يدعونهم إلى نصرتهم بضروب الفصاحة من الشعر والنثر، ويستنفرون الناس من العدوة.
لما اشتد الحصار على أهل إشبيلية سنة 645 صنع إبراهيم بن سهل الإسرائيلي قصيدة يستنفر بها الغزاة من العدوة، ويستنصر بأمراء العرب، وذلك إذ كان العدو عليها، قال فيها:
يا معشر العرب الذين توارثوا
شيم الحمية كابرا عن كابر
إن الإله قد اشترى أرواحكم
ناپیژندل شوی مخ