الفتوحات المکيه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
خپرندوی
دار إحياء التراث العربي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
1418هـ- 1998م
د خپرونکي ځای
لبنان
فبها تحيا نفوسهمو . . . وبها إزالة النوب اعلم أيدك الله أنه لما كان شرع محمد صلى الله عليه وسلم تضمن جميع الشرائع المتقدمة وأنه ما بقي لها حكم في هذه الدينا إلا ما قررته الشريعة المحمدية فبتقريرها ثبتت فتعبدنا بها نفوسنا من حيث أن محمدا صلى الله عليه وسلم قررها لا من حيث أن النبي المخصوص بها في وقته قررها فلهذا أوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم فإذا عمل المحمدي وجميع العالم المكلف اليوم من الإنس والجن محمدي ليس في العالم اليوم شرع إلهي سوى هذا الشرع الممحمدي فلا يخلو هذا العامل من هذه المة أن يصادف في عمله فيما يفتح له منه في قلبه وطريقه ويتحقق به طريقة من طرق نبي من الأنبياء المتقدمين مما تتضمنه هذه الشريعة وقررت طريقته وصحبتها نتيجته فإذا فتح له في ذلك فإنه ينتسب إلى صاحب تلك الشريعة فيقال فيه عيسوي أو موسوي أو إبراهيمي وذلك لتحقيق ما تميز له من المعارف وظهر له من المقام من جملة ما هو تحت حيطة شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فيتميز بتلك النسبة أو بذلك النسب من غيره ليعرف أنه ما ورث من محمد صلى الله عليه وسلم إلا ما لو كان موسى أو غيره من الأنبياء حيا وتبعه ما ورث إلا ذلك منه ولما تقدمت شرائعهم قبل هذه الشريعة جعلنا هذا العارف وارثا إذ كان الورث للآخر من الأول فلو لم يكن لذلك الأول شرع مقر قبل تقرير محمد صلى الله عليه وسلم لساوينا الأنبياء والرسل إذ جمعنا زمان شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما يساوينا اليوم إلياس والخضر وعيسى إذا نزل فإن الوقت يحكم عليه إذ لا نبوة تشريع بعد محمد صلى الله عليه وسلم ولا يقال في أحد من أهل هذه الطريقة أنه محمدي إلا لشخصين أما شخص اختص بميراث علم من حكم لم يكن في شرع قبله فيقال فيه محمدي وأما شخص جمع المقامات ثم خرج عنها إلى لا مقام كأبي يزيد وأمثاله فهذا أيضا يقال فيه محمدي وما عدا هذين الشخصين فينسب إلى نبي من الأنبياء ولهذا ورد في الخبران العلماء ورثة نبي خاص والمخاطب بهذا علماء هذه الأمة وقد ورد أيضا بهذا اللفظ قوله صلى الله عليه وسلم علماء هذه الأمة أنبياء سائرالأمم وفي رواية كأنبياء بني إسرائيل فالعيسويون الأول هم الحواريون أتباع عيسى فمن أدرك منهم إلى الآن شرع محمد صلى الله عليه وسلم وآمن به واتبعه واتفق أن يكون قد حصل له من هذه الشريعة ما كان قبل هذا شرعا لعيسى عليه السلام فيرث من عيسى عليه السلام ما ورثه من غير حجاب ثم يرث من عيسى عليه السلام في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ميراث نابع من تابع لا من متبوع وبينهما في الذوق فرقان ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الشخص أن له الجر مرتين كذلك له ميراثان وفتحان وذوقان مختلفان ولا ينسب فيهما إلا إلى ذلك النبي عليه السلام فهؤلاء هم العيسويون الثواني وأصولهم توحيد التجريد من طريق المثال لأن وجود عيسى عليه السلام لم يكن عن ذكر بشرى وإنما كان عن تمثل روح في صورة بشر ولهذا غلب على أمة عيسى بن مريم دون سائر الأمم القول بالصورة فيصورون في كنائسهم مثلا ويتعبدون في أنفسهم بالتوجه إليها فإنأصل نبيهم عليه السلام كان عن تمثل فسرت تلك الحقيقة عيسى وانطوى شرعه في شرعه فشرع لنا صلى الله عليه وسلم لنا أن نعبد الله كأنا نراه فادخله لنا في الخيال وهذا هو معنى التصوير إلا أنه نهى عنه في الحس أن يظهر في هذه الأمة بصورة حسية ثم إن هذا الشرع الخاص الذي هو اعبد الله كأنك تراه ما قاله محمد صلى الله عليه وسلم لنا بلا واسطة بل قاله لجبريل عليه السلام وهو الذي تمثل لمريم بشرا سويا عند إيجاد عيسى عليه السلام فكان كما قيل في المثل السائر إياك أعني فاسمعي يا جارة فكنا نحن المرادين بذلك القول ولهذا جاء في آخر الحديث هذا جبريل أراد أن تعلموا إذا لم تسألوا وفي رواية جاء ليعلم الناس دينهم وفي رواية أتاكم يعلمكم دينكم فما خرجت الروايات عن كوننا المقصودين بالتعليم ثم لتعلم أن الذي لنا من غير شرع عيسى عليه السلام قوله فإن لم تكن تراه فإنه يراك فهذا من أصولهم وكان شيخنا أبو العباس العربي رحمه الله عيسويا في نهايئه وهي كانت بدايتنا أعني نهاية شيخنا في الطريق كانت عيسوية ثم نقلنا إلى الفتح الموسوي الشمسي ثم بعد ذلك نقلنا إلى هود عليه السلام ثم بعد ذلك نقلنا إلى جميع النبيين عليه السلام ثم بعد ذلك نقلنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم هكذا كان أمرنا في هذا الطريق ثبته الله علينا ولا حاد بنا عن سواء السبيل فأعطانا الله من أجل هذه النشأة التي أنشأنا الله عليها في هذا الطريق وجه الحق في كل شيء فليس في العالم عندنا في نظرنا شيء موجود إلا ولنا فيه شهود عين حق نعظمه منه فلا نرمي بشيء من العالم الوجودي وفي زماننا اليوم جماعة من أصحاب عيسى عليه السلام ويونس عليه السلام يحبون وهم منقطعون عن الناس فإما القوم الذين هم من قوم يونس فرأيت أثر قدم واحد منهم بالساحل كان صاحبه قد سبقني بقليل فشبرت قدمه في الأرض فوجدت طول قدمه ثلاثة أشبار ونصفا وربعا بشبري وأخبرني صاحبي أبو عبد الله بن خرز الطنجي أنه اجتمع به في حكاية وجاءني بكلام من عنده مما يتفق في الأندلس في سنة خمس وثمانين وخمسمائة وهي السنة التي كنا فيها وما يتفق في سنة ست وثمانين مع الأفرنج فكان كما قال ما غادر حرفا وأما الذي في الزمان من أصحاب عيسى فهو ما رويناه من حديث عربشاه بن محمد بن أبي المعالي العلوي النوقي الخبوشاني كتابة قال حدثنا محمد بن الحسن بن سهل العباسي الطوسي أنا أبو المحاسن تعلي بن أبي الفضل الفارمدي أنا أحمد بن الحسين بن علي قال حدثنا أبو عبد الله الحافظ ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر قال كتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص وهو بالقادسية أن وجه نضلة بن معاوية الأنصاري إلى حلوان العراق فليغز على ضواحيها قال تفوجه سعد فضله في ثلاثمائة فارس فخرجوا حتى أتوا حلوان العراق وأغاروا على ضواحيها وأصابوا غنيمة وسبيا فاقبلوا يسوقون الغنيمة والسبي حتى رهقت بهم العصر وكادت الشمس أن تغرب فالجأ نضلة السبي والغنيمة إلى سفح الجبل ثم قام فأذن فقال الله أكبر الله أكبر قال ومجيب من الجبل يجيبه كبرت كبيرا يا نضلة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال كلمة الإخلاص يا نضلة وقال أشهد أن محمدا رسول الله فقال هو الدين وهو الذي بشرنا به عيسى بن مريم عليهما السلام وعلى رأس أمته تقوم الساعة ثم قال حي على الصلاة قال طوبى لمن مشى إليها وواظب عليها ثم قال حي على الفلاح قال قد أفلح من أجاب محمد صلى الله عليه وسلم وهو البقاء لأمته قال الله أكبر الله أكبر قال كبرت كبير قال لا إله إلا الله قال أخلصت الإخلاص يا نضلة فحرم الله جسدك على النار قال فلما فرغ من أذانه قمنا فقلنا من أنت يرحمك الله أملك أنت أم ساكن من الجن أم من عباد الله أسمعتنا صوتك فأرنا شخصك فإنا وفد الله ووفد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووفد عمر بن الخطاب قال فانفلق الجبل عن هامة كالرحى أبيض الرأس واللحية عليه طمران من صوف فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فقلنا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت يرحمك الله قال أنا زريب بن برثملا وصى العبد الصالح عيسى بن مريم عليهما السلام أسكنني هذا الجبل ودعا لي بطول البقاء إلى نزوله من السماء فيقتل الخنزير ويكسر الصليب ويتبرأ مما نحلته النصارى ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم قلنا قبض فبكى بكاء طويلا حتى خضب لحيته بالدموع ثم قال فمن قام فيكم بعده قلنا أبو بكر قال ما فعل قلنا قبض قال فمن قام فيكم بعده قلنا عمر قال إذا فاتني لقاء محمد صلى الله عليه وسلم فاقرؤا عمر مني السلام وقولوا يا عمر سدد وقارب فقد دنا الأمر وأخبروه بهذه الخصال التي أخبركم بها يا عمر إذا ظهرت هذه الخصال في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فالهرب الهرب إذا استغنى الرجال بالرجال والنساء بالنساء وانتسبوا في غير مناسبهم وانتموا إلى غير مواليهم ولم يرحم كبيرهم صغيرهم ولم يوقر صغيرهم كبيرهم وترك الأمر بالمعروف فلم يؤمر به وترك النهي عن المنكر فلم ينه عنه وتعلم عالمهم العلم ليجلب به الدنانير والدراهم وكان المطر قيظا والولد غيظا وطولوا المنابر وفضضوا المصاحف وزخرفوا المساجد وأظهروا الرشى وشيدوا البناء واتبعوا الهوى وباعوا الدين بالدنيا واستخفوا الدماء وتقطعت الأرحام وبيع الحكم وأكل الربا وصار التسلط فخرا والغنى عزا وخرج الرجل من بيته فقام إليه من هو خير منه وركبت النساء السروج قال ثم غاب عنا فكتب بذلك نضلة إلى سعد وكتب سعد إلى عمر فكتب عمر ائت أنت ومن معك من المهاجرين والأنصار حتى تنزل هذا الجبل بناحية العراق فنزل سعد في أربعة آلاف من المهاجرين والأنصار حتى نزل الجبل أربعين يوما ينادي بالأذان في وقت كل صلاة فلم يجده لم يتابع الراسي على قوله عن مالك بن أنس والمعروف في هذا الحديث مالك بن الأزهر عن نافع وابن الأزهر مجهول قال أبو عبد الله الحاكم لم يسمع بذكر ابن الأزهر في غير هذا الحديث والسؤال عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أبي بكر هو من حديث ابن لهيعة عن نابن الأزهر قلنا هذا الحديث وإن تكلم في طريقه فهو صحيح عند أمثالنا نكشفا وقوله في زخرفه المساجد وتفضيض المصاحف ليسا على طريق الذم وإنما هما دلالة على إقتراب الساعة وفساد الزمان كدلالة نزول عيسى عليه السلام وخروج المهدي وطلوع الشمس من مغربها معلوم كل ذلك أنه ليس على طريق الذم وإنما الدلالات على الشيء قد تكون مذمومة ومحمودة هذا الوصي العيسوي بن برثملا لم يزل في ذلك الجبل يتعبد لا يعاشر أحدا وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أترى ذلك الراهب بقي على أحكام النصارى لا والله فإن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ناسخة يقول صلى الله عليه وسلم لو كان موسى حيا ما وسعه إلا أن يتبعني وهذا عيسى إذا نزل ما يؤمنا إلا منا أي بسنتنا ولا يحكم فينا إلا بشرعنا فهذا الراهب مممن هو علي بينة من ربه علمه ربه من عنده ما افترضه عليه من شرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على الطريق التي اعتادها من الله وهذا عندنا ذوق محقق فإنا أخذنا كثيرا من أحكام محمد صلى الله عليه وسلم المقررة في شرعه عند علماء الرسوم وما كان عندنا منها علم فاخذناها من هذا الطريق ووجدناها عند علماء الرسوم كما هي عندنا ومن تلك الطريق نصحح الأحاديث النبوية ونردها أيضا إذا أعلمنا أنها واهية الطرق غير صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن قرر الشارع حكم المجتهد وإن أخطأ ولكن أهل هذه الطريقة ما يأخذون إلا بما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا الوصي من الأفراد وطريقه في مأخذ العلوم طريق الخضر صاحب موسى عليه السلام فهو على شرعنا وغن اختلف الطريق الموصل إلى العلم الصحيح فإن ذلك لا يقدح في العلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن أعطى الولاية من غير مسئلة أن الله يعينه عليها وإن الله يبعث إليه ملكا يسدده يريد عصمته من الغلط فيما يحكم به قال الخضر وما فعلته عن أمري وقال عليه السلام إن يكن في أمتي محدثون فمنهم عمر ثم إنه قد ثبت عندنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل الرهبان الذين إعتزلوا الخلق وانفردوا بهم فقال ذروهم وما انقطعوا إليه فأتى بلفظ مجمل ولم يأمر نابان ندعوهم لعلمه صلى الله عليه وسلم أنهم على بينة من ربهم وقد أمر صلى الله عليه وسلم بالتبليغ وأمرنا أن يبلغ الشاهد الغائب فلولا ما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله يتولى تعليمهم مثل ما تولى تعليم الخضر وغيره ما كان كلامه هذا ولا قرره على شرع منسوخ عنده في هذه الملة وهو الصادق في دعواه صلى الله عليه وسلم أنه بعث إلى الناس كافة كما ذكر الله تعالى فيه فعمت رسالته جميع نالخلق وروح هذا التعريف أنه كل من أدركه زمانه وبلغت إليه دعوته لم يتعبده الله إلا بشرعه فإنا نعلم قطعا أنه صلى الله عليه وسلم ما شافه جميع الناس بالخطاب في زمانه فما هو إلا الوجه الذي ذكرنا وهذا الراهب من العييسويين الذين ورثوا عيس عليه السلام إلى زمان بعثة محمد صلى الله عليه وسلم فلما بعث محمد صلى الله عليه وسلم تعبد الله هذا الراهب بشرعه صلى الله عليه وسلم وعلمه من لدنه علما بالرحمة التي آتاه من عنده كان ورثه أيضا حالة عيسوية من محمد صلى الله عليه وسلم فل يزل عيسويا في الشريعتين ألا ترى هذا الراهب قد أخبر بنزول عيسى عليه السلام وأخبرانه إذا نزل يقتل الخنزير ويكسر الصليب أتراه بقي على تحليل لحم الخنزير فلم يزل هذا الراهب عيسويا في الشريعتين فله الأجر مرتين أجر اتباعه نبيه وأجر اتباعه محمدا صلى الله عليه وسلم وهو في انتظار عيسى إلى أن ينزل وهؤلاء الصحابة قد رأوه مع نضلة وما سألوه عن حاله في الإسلام والإيمان ولا يما يتعبد نفسه من الشرائع لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما أمرهم بسؤال مثله فعلمنا قطعا أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يقر أحدا على الشرك وعلم إن الله عبادا يتولى الحق تعليمهم من لدنه علم ما أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم رحمة منه وفضلا وكان فضل الله عظيما ولو كان ممن يؤدي الجزية لقلنا إن الشرع المحمدي قد قرر له دينه مادام يعطي الجزية وهذه مسئلة دقيقة في عموم رسالته وإنه بظهوره لم يبق شرع إلا ما شرعه ومما شرع تقريرهم على شرعهم ما داموا يعطون الجزية إذا كانوا من أهل الكتاب وكم لله تعالى من هؤلاء العباد في الأرض فاصل العيسويين كما قررناه تجريد التوحيد من الصور الظاهرة في الأمة العيسوية والمثل التي لهم في الكنائس من أجل أنهم على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم ولكن الروحانية الحالية التي هم عليها عيسوية في النصارى وموسوية في اليهود من مشكاة محمد صلى الله عليه وسلم من قوله صلى الله عليه وسلم اعبد الله كأنك تراه والله في قبلة المصلى وإن العبد إذا صلى استقبل ربه ومن كل ما ورد في الله من أمثال هذه النسب وليس للعيسوي من هذه الأمة من الكرامات المشي في الهواء ولكن لهم المشي على الماء والمحمدي يمشي في الهواء بحكم التبعية فإن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به وكان محمولا قال في عيسى عليه السلام لو ازداد يقينا لمشى في الهواء ولاشك إن عيسى عليه السلام أقوى في اليقين منا بما لا يتقارب فإنه من أولي العزم من الرسل ونحن نمشي في الهواء بلا شك وقد رأينا خلقا كثيرا ممن يمشي في الهواء في حال مشيهم في الهواء فعلمنا قطعا أن مشينا في الهواء إنما هو بحكم صدق التبعية لا بزياددة اليقين على يقين عيسى عليه السلام قد علم كل منا مشربه فمشينا بحكم التبعية لمحمد صلى الله عليه وسلم من الوجه الخاص الذي له هذا المقام لا من قوة اليقين كما قلنا الذي كنا نفضل به عيسى عليه السلام حاشى لله أن نقول بهذا كما أن أمة عيسى يمشون على الماء بحكم التبعية لا بمساواة يقينهم يقين عيسى عليه السلام فنحن مع الرسل في خرق العوائد الذين اختصوا بها من الله وظهر أمثالها علينا بحكم التبعية كما مثلناه في كتاب اليقين لنا أن لمماليك الخواص الذين يمسكون نعال أستاذيهم من الأمراء إذا دخلوا على السطان وبقي بعض الأمراء خارج الباب حين لم يؤذن لهم في الدخول أترى المماليك الداخلين مع أستاذيهم أرفع منصبا من الأمراء الذين ما أذن لهم فهل دخلوا إلا بحكم التبعية لأستاذ بهم بل كل شخص على رتبته فالأمراء متميزون على الأمراء والمماليك متميزون على المماليك في جنسهم كذلك نحن مع الأنبياء فيما يكون للاتباع من خرق العوائد ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم ما مشى في الهواء إلا محمولا على البراق كالراكب وعلى الرفرف كالمحمول في المحفة فاظهر البراق والرفرف صورة المقام الذي هو عليه في نفسه بأنه محمول في نفسه ونسبة أيضا إلهية من قوله تعالى ' الرحمن على العرش استوى ' ومن قوله ' ويحمل عرش ربك ' فالعرش محمول فهذا حمل كرامة بالحاملين وحال راحة ومجد وعز للمحمولين وقد قررنا لك في غير موضع إن المحمول أعلى من غير المحمول في هذا المقام وأمثاله وأنه لا حول ولا قوة إلا بالله مما اختص به الحملة وإن كان جميع الخلق محمولين ولكن لم يكشف ذلك الحمل لكل أحد وإن كان الحمل على مراتب حمل عن عجز وحمل عن حقيقة كحمل الأثقال وحمل عن شرف ومجد فالعناية بهذه الطائفة أن يكونوا محمولين ظاهرا كما هو الأمر في نفسه باطنا لتبريهم من الدعوى كما قررناه في بابه وللعيسويين همة فعالة ودعاء مقبول وكلمة مسموعة ومن علامة العيسويين إذا أردت أن تعرفهم فتنظر كل شخص فيه رحمة بالعالم وشفقة عليه كان من كان وعلى أي دين كان وبأية نحلة ظهر وتسليم لله فيهم لا ينطقون بما تضيق الصدور له في حق الخلق أجمعين عند خطابهم عباد الله ومن علامتهم أنهم ينظرون من كل شيء أحسنه ولا يجري على ألسنتهم إلا الخير واشتركت في ذلك الطبقة الأولى والثانية فالأولى مثل ما روى عن عيسى عليه السلام أنه رأى خنزيرا فقال له ' انج بسلام ' فقيل له في ذلك فقال أعود لساني قول الخير وأما الثانية فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الميتة حين مر عليها ' ما أحسن بياض أسنانها ' وقال من كان معه ما أنتن ريحها وأن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان قد أمر بقتل الحيات على وجه خاص وأخبر أن الله يحب الشجاعة ولو على قتل حية ومع هذا فإنه كان بالغار في منى وقد نزلت عليه سورة والمرسلات وبالمرسلات يعرف الغار إلى الآن دخلته تبركا فخرجت حية وابتدر الصحابة إلى قتلها فأعجزهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ' إن الله وقاها شركم كما وقاكم شرها ' فسماه شرا مع كونه مأمورا به مثل قوله تعالى في القصاص ' وجزاء سيئة سيئة مثلها ' فسمى القصاص سيئة وندب إلى العفو فما وقعت عينه صلى الله عليه وسلم إلا على أحسن ما كان في الميتة فهكذا أولياء الله لا ينظرون من كل منظور إلا أحسن ما فيه وهم العمي عن مساوي الخلق لا عن المساوي لأنهم مأمورون باجتنابها كما هم صم عن سماع الفحشاء كما هم البكم عن التلفظ بالسوء من القول وإن كان مباحا في بعض المواطن هكذا عرفناهم فسبحان من اصطفاهم واجتباهم وهداهم إلى صراط مستقيم أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده فهذا مقام عيسى عليه السلام في محمد صلى الله عليه وسلم لأنه تقدمه بالزمان ونقلت عنه هذه الأحوال قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم حين ذكر في القرآن من ذكر من النبيين وعيسى في جملة من ذكر عليهم السلام أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وإن كان مقام الرسالة يقتضي تبيين الحسن من القبيح ليعلم كما قال تعالى ' لتبين للناس ما نزل إليه ' فإن بين السوء في حق شخص فبوحي من الله كما قال في شخص بئس أين العشيرة والخضر قتل الغلام وقال فيه طبع كافرا وأخبر لو تركه بما يكون منه من السوء في حق أبويه وقال ما فعلت ذلك عن أمري فالذي للرجال من ذواتهم القول الحسن والنظر إلى الحسن والإصغاء بالسمع إلى الحسن فإن ظهر منهم وقتا ما خلاف هذا من نبي أو ولي مرجوم فذلك عن أمر إلهي ما هلو لسانهم فهذا قد ذكرنا من أحوال العيسويين ما يسره الله على لساني والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
الباب السابع والثلاثون في معرفة الأقطاب العيسويين وأسرارهم
فاعلم أيدك الله بروح القدس أن :
القطب من ثبتت في الأمر أقدامه . . . والعيسوي الذي يبديه قدامه
والعيسوي الذي يوما له رفعت . . . بين النبيين في الأشهاد أعلامه
وجاءه من أبيه كل رائحة . . . كالمسك في شمها بالوحي أعلامه
له الحياة فيحي من يشاء بها . . . فلا يموت ولا تفنيه أيامه
فلو تراه وقد جاءته آيته . . . تسعى لتظهر في الأكوان أحكامه
مواجها بلسان أنت قلت لهم . . . بأنك الله وهو الله علامه
جوابه قيل ما قد قيل فاعف ولا . . . تنظر لجرم الذي أرداه أجرامه
مخ ۲۹۱