الفتوحات المکيه
الفتوحات المكية في معرفة الاسرار الملكية
خپرندوی
دار إحياء التراث العربي
د ایډیشن شمېره
الأولى
د چاپ کال
1418هـ- 1998م
د خپرونکي ځای
لبنان
وإن جهلت الذي قلناه جئت إلى . . . دار السؤال بصدر غير مشروح اعلم أيدك الله بروح القدس إن هذا الشخص المحقق في منزل الأنفاس أي شخص كان فإن حاله بعد موته يخالف سائر أحوال الموتى فلنذكر أولا حصر مآخذ أهل الله العلوم من الله كما قررناه في الباب قبل هذا ولنذكر ما لهم وآثار تلك المآخذ في ذواتهم فلنقل اعلم يا أخي أن علم أهل الله المأخوذ من الكشف أنه على صورة الإيمان سواء فكل ما يقبله الإيمان عليه يكون كشف أهل الله فإنه حق كله والمخبر به وهو النبي صلى الله عليه وسلم مخبر به عن كشف صحيح وذوات العلماء بالله تعالى تكون على صفة الشيء الذي تأخذ منه العلم بالله أي شيء كان واعلم أن الصفات على نوعين صفات نفسية وصفات معنوية فالصفات المعنوية في الموصوف هي التي إذا رفعتها عن الذات الموصوفة بها لم ترتفع الذات التي كانت موصوفة بها والصفات النفسية هي التي إذا رفعتها عن الموصوف بها ارتفع الموصوف بها ولم يبق له عين في الوجود العيني ولا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها ثم إنه ما من صفة نفسية للموصوف التي هي ليست بشيء زائد على ذاته إلا ولها صفة نفسية بها يمتاز بعضها عن بعض فإنه قد تكون ذات الموصوف مركبة من صفتين نفسيتين إلى ما فوق ذلك وهي الحدود الذاتية وهنا باب مغلق لو فتحناه لظهر ما يذهب بالعقول ويزيل الثقة بالمعلوم وربما كان يؤول الأمر في ذلك إلى أن يكون السبب الأول من صفات نفس الممكنات كما أنك إذا جعلت السبب شرطا في وجود المشروط ورفعت الشرط ارتفع المشروط بلا شك ولا يلزم العكس فهذا يطرد ولا ينعكس فتركناه مقفلا لمن يجد مفتاحه فيفتحه وإذا كان الأمر عندنا وعند كل عاقل بهذه المثابة فقد علمت أن الصفات معان لا تقوم بأنفسها وما لها ظهور إلا في عين الموصوف والصفات النفسية معان وهي عين الموصوف والمعاني لا تقوم بأنفسها فكيف تكون هي عين الموصوف لا غيره فيوصف الشيء بنفسه وصار قائما بنفسه من حقيقته ألا يقوم بنفسه فإن كل موصوف هو مجموع صفاته النفسية والصفات لا تقوم بأنفسها وما ثم ذات غيرها تجمعها وتظهر وقد نبهتك على أمر عظيم لتعرف لماذا يرجع علم العقلاء من حيث أفكارهم ويتبين لك أن العلم الصحيح لا يعطيه الفكر ولا ما قررته العقلاء من حيث أفكارهم وأن العلم الصحيح إنما هو ما يقذفه الله في قلب العالم وهو نور إلهي يختص به من يشاء من عباده من ملك ورسول ونبي وولي ومؤمن ومن لا كشف له لا علم له ولهذا جاءت الرسل والتعريف الإلهي بما تحيله العقول فتضطر إلى التأويل في بعضها لتقبله وتضطر إلى التسليم والعجز في أمور لا تقبل التأويل أصلا وغايته أن يقول له وجه لا يعلمه إلا الله لا تبلغه عقولنا وهذا كله تأنيس للنفس لا علم حتى لا ترد شيأ مما جاءت به النبوة هذا حال المؤمن العاقل وأما غير المؤمن فلا يقبل شيأ من ذلك وقد رودت أخبار كثيرة مما تحيلها العقول منها في الجناب العالي ومنها في الحقائق وانقلاب الأعيان فأما التي في الجناب العالي فما وصف الحق به نفسه في كتابه وعلى لسان رسله مما يجب الإيمان به ولا يقبله العقل بدليله على الحق في ذلك الخبر فوصف نفسه سبحانه بالظرفية الزمانية والمكانية ووصفه بذلك رسوله صلى الله عليه وسلم وجميع الرسل وكلهم على لسان واحد في ذلك لأنهم يتكلمون عن الواحد والعقلاء أصحاب الأفكار اختلفت مقالاتهم في الله تعالى على قدر نظرهم فالإله الذي يعبد بالعقل مجردا عن الإيمان كأنه بل هو إله موضوع بحسب ما أعطاه نظر ذلك العقل فاختلفت حقيقته بالنظر إلى كل عقل وتقابلت العقول وكل طائفة من أهل العقول تجهل الأخرى بالله وإن كانوا من النظار الإسلاميين المتأولين فكل طائفة تكفر الأخرى والرسل صلوات الله عليهم من آدم عليه السلام إلى محمد صلى الله عليه وسلم ما نقل عنهم اختلاف فيما ينسبونه إلى الله من النعوت بل كلهم على لسان واحد في ذلك والكتب التي جاؤوا بها كلها تنطق في حق الله بلسان واحد ما اختلف منهم اثنان يصدق بعضهم بعضا مع طول الأزمان وعدم الاجتماع وما بينهم من الفرق المنازعين لهم من العقلاء ما اختل نظامهم وكذلك المؤمنون بهم على بصيرة المسلمون المسلمون الذين لم يدخلوا نفوسهم في تأويل فهم أحد رجلين إما رجل آمن وسلم وجعل علم ذلك إليه أن مات وهو المقلد وإما رجل عمل بما علم من فروع الأحكام واعتقد الإيمان بما جاءت به الرسل والكتب فكشف الله عن بصيرته وصيره ذا بصيرة في شأنه كما فعل بنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم وأهل عنايته فكاشف وأبصر ودعا إلى الله عز وجل على بصيرة كما قال الله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم مخبرا له أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وهؤلاء هم العلماء بالله العارفون وإن لم يكونوا رسلا ولا أنبياء فهم على بينة من ربهم في علمهم به وبما جاء من عنده وكذلك وصف نفسه بكثير من صفات المخلوقين من المجيء والإتيان والتجلي للأشياء والحدود والحجب والوجه والعين والأعين واليدين والرضى والكراهة والغضب والفرح والتبشبش وكل خبر صحيح ورد في كتاب وسنة والأخبار أكثر من أن تحصى مما لا يقبلها إلا مؤمن بها من غير تأويل أو بعض أرباب النظر من المؤمنين بتأويل اضطره إليه إيمانه فانظر مرتبة المؤمن ما أعزها ومرتبة أهل الكشف ما أعظمها حيث ألحقت أصحابها بالرسل والأنبياء عليهم السلام فيما خصوا به من العلم الإلهي لأن العلماء ورثة الأنبياء وما ورثوا دينارا و لا درهما بل ورثوا العلم يقول صلى الله عليه وسلم إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة فمن كان عنده شيء من هذه الدنيا فليوقفه صدقة على من يراه من الأقربين إلى الله فهو النسب الحقيقي أو يزهد فيه ولا يترك شيئا يورث عنه إن أراد أن يلحق بهم ولا يرث أحدا فالحمد لله الذي أعطانا من هذا المقام الحظ الوافر فهذا بعض ما ورد علينا من الله عز وجل في الله تعالى من الأوصاف وأما في قلب الحقائق فلا خلاف بين العقلاء في إنه لا يكون ودل دليل العقل القاصر من جهة فكره ونظره ولا من جهة إيمانه وقبوله إذ لا أعقل من الرسل وأهل الله أن الأعيان لا تنقلب حقيقة في نفسها وإن الصفات والأعراض في مذهب من يقول أنها أعيان موجودة لا تقوم بأنفسها ولا بد لها من محل قائم بنفسه لكنه في قائم بنفسه وهذه مسئلة خلاف بين النظار هل يقوم المعنى بالمعنى فمن قائل به ومانع من ذلك وقد ثبت أن جميع الأعمال كلها أعراض وأنها تفنى ولا بقاء لها وأنه ليس لها عين موجودة بعد ذهابها ولا توصف بالإنتقال وأن الموت أما عرض موجودة في الميت في مذهب بعض النظار وأما نسبة افتراق بعد إجتماع وكذا جميع إلا كوان في مذهب بعضهم وهو الصحيح الذي يقتضيه الدليل وعلى كل حال فإنه لا يقوم بنفسه ووردت الأخبار النبوية بما يناقض هذا كله مع كوننا مجمعين على أن الأعمال إعراض أو نسب فقال الشارع وهو الصادق صاحب العلم الصحيح والكشف الصريح أن الموت يجاء به يوم القيامة في صورة كبش أملح يعرفه الناس ولا ينكره أحد فيذبح بين الجنة والنار روى أن يحيى عليه السلام هو الذي يضجعه ويذبحه بشفرة تكون في يده والناس ينظرون إليه وورد أيضا في الخبران عمل الإنسان يدخل معه في قبره في صورة حسنة أو قبيحة فيسأله صاحبه فيقول أنا عملك وإن مانع الزكاة يأتيه ماله شجاعا أقرع له زبيبتان وأمثال هذا في الشرع لا تحصى كثرة فأما المؤمنون فيؤمنون بهذا كله من غيره تأويل وأما أهل النظر من أهل الإيمان وغيرهم فيقولون حمل هذا على ظاهره محال عقلا وله تأويل فيتأولونه بحسب ما يعطيهم نظرهم فيه ثم يقولون أهل الإيمان منهم عقيب تأويلهم والله أعلم يعني في ذلك التأويل الخاص الذي ذهب ليه هل هو المراد لله أم لا وأما حمله على ظاهره فمحال عندهم جملة واحدة والإيمان إنما يتعلق بلفظ الشارع به خاصة هذا هو إعتقاد أهل الأفكار وبعد أن بينا لك هذه الأمور ومراتب الناس فيها فإنها من هذا الباب الذي نحن بصدده فاعلم أنه ما ثم الأذوات أوجدها الله تعالى فضلا منه عليها قائمة بأنفسها وكل ما وصفت به فنسب وإضافات بينها وبين الحق من حيث ما وصفت فإذا أوجد الموجد قيل فيه أنه قادر على الإيجاد ولو ذاك ما أوجد وإذا خصص الممكن بأمر دون غيره مما يجوز أن يقوم به قيل مريد ولو ذلك ما خصصه بهذا دون غيره وسبب هذا كله إنما تعطيه حقيقة الممكن فالممكنات أعطت هذه النسب فافهم إن كنت ذا لب ونظر إلهي وكشف رحماني وقد قررنا في الباب الذي قبل هذا إن مآخذ العلوم من طرق مختلفة وهي السمع والبصر والشم واللمس والطعم والعقل من حيث ضرورياته وهو يدركه بنفسه من غير قوة أخرى ومن حيث فكره الصحيح أيضا مما يرجع إلى طرق الحواس أو الضروريات والبديهيات لا غير فذلك يسمى علما والأمور العارضة الحاصل عنها العلوم أيضا ترجع إلى هذه الأصول لا تنفك عنها وإنما سميت عوارض من أجل أن العادة في إدراك الألوان أن اللمس لا يدركها وإنما يدركها البصر فإذا أدركها الأكمه باللمس وقد رأينا ذلك فقد عرض لحاسة اللمس ما ليس من حقيقتها في العادة أن تدركه وكذلك سائر الطرق إذا عرض لها درك ماليس من شأنها في العادة أن يدرك بها يقال فيه عرض لها وإنما فعل الله هذا تنبيها لنا إنه ما ثم حقيقة كماا يزعم أهل النظر لا ينفذ فيها الأقتدارر الإلهي بل تلك الحقيقة إنما هي يجعل الله لها على تلك الصورة وإنها ما أدركت الأشياء المربوط إدراكها بها من كونها بصرا ولا غير ذلك يقول الله بل يجعلنا فيدرك جميع العلوم كلها بحقيقة واحدة من هذه الحقائق إذا شاء الحق فلهذا قلنا عرض لها إدراك مالم تجر العادة بإدراكها إياه فتعلم قطعا أنه عز وجل قد يكون مما يعرض لها أن تعلم وترى من ليس كمثله شيء وإن كانت الإدراكات لم تدرك شيئا قط إلا ومثله أشياء كثيرة من جميع المدركات ولم ينف سبحانه عن إدراكه قوة من القوى التي خلقها إلا البصر فقال لا تدركه الأبصار فمنع ذلك شرعا وما قال لا يدركه السمع ولا العقل ولا غيرهما من القوى الموصوف بها الإنسان كما لم يقل أيضا أن غير البصر يدركه بل ترك الأمر مبهما وأظهر العوارض التي تعرض لهذه القوى في معرض التنبيه أنه ربما وضع ذلك في رؤيتنا من ليس كمثله شيء كما رأينا أول مرئي وسمعنا أول مسموع وشممنا أول مشموم وطعمنا أول مطعوم ولمسنا أول ملموس وعقلنا أول معقول مما لم يكن له مثل عندنا وإن كان له أمثال في نفس الأمر ولكن في أولية الإدراك سر عجيب في نفي المماثلة له فقد أدرك المدرك من لا مثل له عنده فيقيسه عليه وكون ذلك المدرك يقبل لذاته المثل أو لا يقبله حكم آخر زائد على كونه مدركا لا يحتاج إليه في الإدراك إن كنتت ذا فطنة بل نقول إن التوسع الإلهي يقتضي أن لا مثل في الأعيان الموجودة وإن المثلية أمر معقول متوهم فإنه لو كانت المثلية صحيحة ما امتاز شيء عن شيء مما يقال هو مثله فذلك الذي امتاز به الشيء عن الشيء هو عين ذلك الشيء هو عين ذلك الشيء وما لم يمتز به عن غيره فما هو الأعين واحدة فإن قلت رأيناه مفترقا مفارقا ينفصل هذا عن هذا مع كونه يماثله في الحدود الحقيقة يقال له أنت الغالط فإن الذي وقع به الأنفصال هو المعبر عنه بأنه تلك العين ومالم يقع به الأنفصال هو الذي توهمت أنه مثل وهذا من أغمض مسائل هذا الباب فما ثم مثل أصلا ولا يقدر على إنكار المثال ولكن بالحدود ولا غير ولهذا انطلق المثلية من حيث الحقيقة الجامعة المعقولة إلا الموجودة فالأمثال معقولة لا موجودة فنقول في الإنسان أنه حيوان ناطق بلا شك وأن زيدا ليس هو عين عمر ومن حيث صورته وهو عين عمر ومن حيث إنسانيته بل هو هو وليس زيد مثل عمرو في صورته فإن الفرقان بينهما ظاهر ولولا الفارق لالتبس زيد بعمرو ولم تكن معرفة بالأشياء فما أدرك المدرك أي شيء أدرك الأمن ليس كمثله شيء وذلك لأن الأصل الذي نرجع إليه في وجودنا وهو الله تعالى ليس كمثله شيء فلا يكون ما يوجد عنه إلا على حقيقة أنه لا مثل له فإنه كيف يخلق مما لا تعطيه صفته وحقيقته لا تقبل الممثل فلو كان قبول المثل موجودا في العالم لإستند في وجوده من ذلك الوجه إلى غير حقيقة إلهية وما ثم موجد إلا الله ولا مثل له فما في الوجود شيء له مثل بل كل موجود متميز عن غيره بحقيقة هو عليها في ذاته وهذا هو الذي يعطيه الكشف والعلم الإلهي الحق فإذا أطلقت المثل على الأشياء كما تقر فاعلم أني أطلق ذلك عرفا قال تعالى أمم أمثالكم أي كما انطلق عليكم اسم الأمة كذلك ينطلق اسم أمة على كل دابة وطائر يطير بجناحيه وكما أن كل أمة وكل عين في الوجود ما سوى الحق تفتقر في إيجادها إلى موجد نقول بتلك النسبة في كل واحد أنه مثل للآخر في الأفتقار إلى الله وبهذا يصح قطعا أن الله ليس كمثله شيء بزيادة الكاف أو بفرض المثل فإنك إذا عرفت أن كل محدث لا يقبل المثلية كما قررناه لك فالحق أولى بهذه الصفة فلم تبق المثلية الواردة في القرآن وغيره إلا في الأفتقار إلى الله الموجد أعيان الأشياء ثم ارجع وأقول أن كل واحد من أهل الله لا يخلو أن يكون قد جعل الله علم هذا الشخص بالأشياء في جميع القوى أو في قوة بعينها كما قررنا إما في الشم وهو صاحب علم الأنفاس وأما في النظر فيقال هو صاحب نظر وأما في الضرب وهو من باب اللمس بطريق خاص ولذلك كنى عن ذلك بوجود برد النامل فينسب صاحب تلك الصفة التي بها تحصل العلوم إليها فيقال هو صاحب كذا كما قررنا إن الصفة هي عين الموصوف في هذا الباب أعني الصفة النفسية فكما رجع المعنى الذي يقال فيه أنه لا يقوم بنفسه صورة قائمة بنفسها رجعت الصورة التي هي هذا العالم معنى لتحققه بذلك المعنى وتألفه به كما تألفت هذه المعاني فصار من تأليفها ذات قائمة بنفسها يقال فيها جسم وإنسان وفرس ونبات فافهم فيصير صاحب علم الذوق ذوقا صاحب شم فقد التحق في الحكم بمعناه وصار هو في نفسه معنى يدرك به المدرك الأشياء كما يدرك الرائي بالنظر في المرآة الأشياء التي لا يدركها في تلك الحالة إلا بالمرآة كان للشيخ أبي مدين ولد صغير من سوداء وكان أبو مدين صاحب نظر فكان هذا الصبي وهو ابن سبع سنين ينظر ويقول أرى في البحر في موضع صفته كذا وكذا سفنا وقد جرى فيها كذا وكذا فإذا كان بعد أيام وتجيء تلك السفن إلى بجاية مدينة هذا الصبي التي كان فيها يوجد الأمر على ماقاله الصبي فيقال للصبي بماذا ترى فيقول بعيني ثم يقول لا إنما أره بقلبي ثم يقول لا إنما أراه بوالدي إذا كان حاضر أو نظرت إليه رأيت هذا الذي أخبركم به وإذا غاب عني لا أرى شيئا من ذلك ورد في الخبر الصحيح عن الله تعالى في العبد الذي يتقرب إلى الله بالنوافل حتى يحبه يقول فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به الحديث فبه يسمع ويبصر ويتكلم ويبطش ويسعى فهذا معنى قولنا يرجع المحقق بمثل صورة معنى ما تحققق به فكان ينظر بأبيه كما ينظر الإنسان بعينه في المرآة فافهم وهكذا كل صاحب طريق من طرق هذه القوى وقد يجمع الكل واحد فيرى بكل قوة ويسمع بكل قوة ويشم بكل قوة وهو أتم الجماعة وأما أحوالهم بعد موتهم فعلى قدر ما كانوا عليه في الدينا فمن كان في الدنيا عبدا محضا كان في الآخرة ملكا محضا ومن كان في الدنيا يتصف بالملك ولو في جوارحه أنها ملك له نقص من ملكه في الآخرة بقدر ما استوفاه في الدنيا ولو أقام العدل في ذلك وصرفه فيما أوجب الله عليه أن يصرفه فيه شرعا وهو يرى أنه مالك لذلك لغفلة طرأت منه فإن وبال ذلك يعود عليه ويؤثر فيه فلا أعز في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية الذلك في جناب الحق والحقيقة ولا أذل في الآخرة ممن بلغ في الدنيا غاية العزة في نفسه ولو كان مصفوعا في الدنيا ولا أريد بعز الدينا أن يكون فيها ملكا إلا أن يكون صفته في نفسه العزة وكذلك الذة وأما أن يكون في ظاهر الأمر ملكا أو غير ذلك فما نبالي في أي مقام وفي أي حال أقام الحق عبده في ظاهره وإنما المعتبر في ذلك حاله في نفسه ذكر عبد الكريم بن هوازن القشيري في بعض كتبه وغيره عن رجل من الناس أنه دفن رجلا من الصالحين فلما جعله في قبره نزع الكفن عن خده ووضع خده على التراب ففتح الميت عينيه وقال له يا هذا أتذللني بين يدي من أعزني فتعجب من ذلك وخرج من القبر ورأيت أنا مثل هذا لعبد الله صاحبي الحبشي في قبره ورآه غاسله وقد هاب أن يغسله في حديث طويل ففتح عينيه في المغتسل وقال له اغسل فمن أحوالهم بعد الموت أنهم أحياء بالحياة النفسية التي بها يسبح كل شيء ومن كانت له همة بمعبده في حال عبادته في حياته بحيث أن يكون يحفظها من الداخل فيها حتى لا يتغير عليه الحال أن صاحب نفس فإذا مات ودخل أحد بعده معبده ففعل فيه ما لا يليق بصاحبه الذي كان يعمره ظهرت فيه آية وهذا قد رويناه في حكاية عن أبي يزيد البسطامي كان له بيت يتعبد فيه يسمى بيت الأبرار فلما مات أبو يزيد بقي البيت محفوظا محترما لا يفعل فيه إلا ما يليق بالمساجد فاتفق أنه جاء رجل فبات فيه قيل وكان جنبا فاحترقت عليه ثيابه من غير نار معهودة ففر من البيت فما كان يدخله أحد فيفعل فيه ما لا يليق إلا رأى آية فيبقى أثر مثل هذا الشخص بعد موته يفعل مثل ما كان يفعله في حياته سواء وقد قال بعضهم وكان محبا في الصلاة يارب إن كنت أذنت لأحد أن يصلي في قبره فاجعلني ذلك فرؤى وهو يصلي ففي قبره وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة إسرائه بقبر موسى عليه السلام فرآه وهو يصلي في قبره ثم عرج به إلى السماء وذكر الإسراء وما جرى له فيه مع الأنبياء ورأى موسى في السماء السادسة وقد رآه وهو يصلي في قبره فمن أحوال هذا الشخص بعد موته مثل هذه الأشياء لا فرق في حقه بين حياته وموته فإنه كان في زمان حياته في الدنيا في صورة الميت حاله الموت فجعله الله في حال موته كمن حاله الحياة جزاء وفاقا ومن صفات صاحب هذا المقام في موته إذا نظر الناظر إلى وجهه وهو ميت يقول فيه حي وإذا نظر إلى مجس عروقه يقول فيه ميت فيحار الناظر فيه فإن الله جمع له بين الحياة والموت في حال حياته وموته وقد رأيت ذلك لوالدي رحمه الله يكاد أناما دفناه الأعلى شك مما كان عليه في وجهه من صورة الحياء ومما كان من سكون عروقه وأنقطاع نفسه من صورة الأموات وكان قبل أن يموت بخمسة عشر يوما أخبرني بموته وأنه يموت يوم الأربعاء وكذلك كان فلما كان يوم موته وكان مريضا شديد المرض استوى قاعدا غير مستند وقال لي يا ولدي اليوم يكون الرحيل واللقاء فقلت له كتب الله سلامتك في سفرك هذا وبارك لك في لقاءك ففرح بذلك وقال لي جزاك الله يا ولدي عني خيرا كل ما كنت أسمعه منك تقوله ولا أعرفه وربما كنت أنكر بعضه هو ذا أنا أشهده ثم ظهرت على جنبيه لمعة بيضاء تخالف لون جسده من غير سوء له نور يتلألأ فشعر بها الوالد ثم إن تلك اللمعة انتشرت علىوجهه إلى أن عمت بدنه فقبلته ووادعته وخرجت من عنده وقلت له أنا أسير إلى المسجد الجامع إلى أن يأتيني نعيك فقال لي رح ولا تترك أحدا يدخل علي وجمع أهله وبناته فلما جاء الظهر جاءني نعيه فجئت إليه فوجدته نعلى حالة يشك الناظر فيه بين الحياة والموت وعلى تلك الحالة دفناه وكان له مشهد عظيم فسبحان من يختص برحمته ممن يشاء فصاحب هذا المقام حياته وموته سواء وكل ما قدمناه في هذا الباب من العلم هو علم صاحب هذا المقامم فإنه من علم الأنفاس ولهذا ذكرنا ما ذكرنا من ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
$ الباب السادس والثلاثون
في معرفة العيسويين وأقطابهم وأصولهم
كل من أحيا حقيقته . . . وشفى من علة الحجب
فهو عيسى لا يناط به . . . عندنا شيء من الريب
فلقد أعطت سجيته . . . رتبة تسمو على الرتب
بنعوت القدس تعرفه . . . في صريح الوحي والكتب
لم ينهلها غير وارثه . . . صفة في سالف الحقب
فسرت في الكون همته . . . في أعاجم وفي عرب
مخ ۲۸۶