خوف الله معاقل الأمن، والحكم له في العاقبة والمبتدإ، لا يرد عليه عجب، وكيف يعجب من شئ خالق العجائب ومبتدع الآزال! أيقن فما أستفهم، وهل يستفهم عالم أسرار الفهمين! ولا تعرض له الأماني؛ إنما تخطر لمن تضعف قدرته دون المراد. فليت جسدي خيفته مثل الشن وأدمعى لذلك شبيهة القطر. وطوبى للمترنمين بالتسبيح ترنم هزج النهار، حتى إذا النجم طلع ترنم بالذكر مع البعوض إعظامًا ما لوارث الوراث. غاية.
تفسير: الآزالٍ: جمع أزلٍ وهو الدهر. وهزج النهار: الذباب. والبعوض: البق.
رجع: أعدل بالحاكم على خلقه بالمنية! يحيدون من خطبٍ إلى سواه، والحمام ساقة جيوش الخطوب. ما ألطف صانع الظبية تنظر. يجنحى ليلٍ، وترفع هدال الشجر بقضبي ظلامٍ، وتلبس حلة الوبر وتطأ على مثل المحار، أعلقتها أمس الحبالة فخلصت بالجربض، وصادفتها في اليوم ضراء المكلب فكاد إهابها ينقد عن قلبٍ مروع، وسلمت بعد الشد المحيص، وفي الغد ينتظمها بعض سهام المرتميمن فلم يغنها الفرق من الأحداث. غاية.
تفسير: هدال الشجر: ما تهدل من الأغصان. والمحار: الصدف. والجريض: الغصص. والمحيص: العدو الشديد؛ يقال محص الظبى.
رجع: نعم الله كثيرة العدد لا يحصبها العباد، تجدد كنبات الأرض وقطر السماء؛ هذه في كل حينٍ، وذانك في كل عامٍ. هل تشعر أيها الساهر ما تنطق ذوات الشعرات، كأنهن قيان يشربن الدم بكاسات من الشعر كما يشرب غيرهن الرحيق، وليس ذلك عليهن بحرام، ويذكرن الله بغرائب ألحان، ماعرفهن معبد ولا الجرادتان، ولا استعن على تحسين الأصوات بمثالث ولا مثانٍ، ولا طارحهن الشدو عالم بالغناء، يشهدن أن الذي خلقهن خالق الغريض متى أمر نهض أهل الأجداث. غاية.
علم ربنا مالا نعلم، له الحمد ولنا الذم. ما أشبه معين الظالم به، ولله القدرة. فهل أثم قين فتق خشيبة مشرفي كأنما درجت عليه بنات الجثل والدعاع، وبه مثل الهبوة من الصقال، يخصر من المنية بإذن الله كما يخضر من السم الأفعوان، فلما تم وكساه الأديم ورداه بمثل ذؤابة الوليد، وذلك بعلم الله، قدم سبد أسبادٍ بمالٍ ما أكتسبه فاشتراه وفرع مناكب جبلٍ يرقب وراد الماء والله بمكانه عليم، فمرت رفقة من التجر في أعقابهم طالب رزقٍ يقوم الليل ويصوم النهار، فوثب الداعر فضرب عتق جارمة عيالٍ فما تطعم عيونهم من حثاثٍ. غاية.
تفسير: القين ها هنا: الصيقل. والخشيب: من الأضداد يكون الذي قد عمل عملًا غير محكمٍ ويكون الذي قد فرغ من عمله؛ وكأن الخشيبة هاهنا هي الحديدة. والحثل والدعاع: ضربان من النمل. والهبوة: الغبار الدقيق وهو مما توصف به السيوف؛ قال الشاعر أنشده الباهلي:
دلفت له بأبيض مشرفىٍ ... كأن على مواقعه غبارا
مواقعه: مواضع الميقعة منه وهي المطرقة. وقال ذو الرمة وليس في ديوانه:
وزرقٍ كستهن الأسنة هبوةً ... أرق من الماء الزلال كليلها
الأسنة ها هنا: جمع سنانٍ وهو المسن. وسبد أسبادٍ: كما يقال داهية دواهٍ والداعر: المفسد، مأخوذ من العود الدعر وهو الكثير الدخان. وجارمة عيالٍ: أي كاسبهم. والحثاث: القليل من النوم.
رجع: لله العلم والعظمة. إن كانت السماء جرباء، فالطلام طلاء، وإن كانت القور إبلًا، فالحندس قار، وإن كانت المجرة جدولًا، فالشهب نياق حيام، وكل ذلك بفضل الله ناطق مقر. وإذا كانت مكة حرم الله، فحضيض أبي قبيسٍ أشرف من قباب كنيه النعمان، ورمل بطحائها أولى بالمفرق من المسك، وطوق حمامتها أنفس من طوق الزباء، وسواد الركن أحسن من بياض الدرة العذراء، تثنى على الله بلاد ما ضرب بها الليل رواقًا، ولا نسج السحاب سترًا، ولا أوقدت الشعري نارًا، ولا نصب عموده فيها الفجر، فالخشوع لمنشيء المطر يسقي الشقائق ذوب العقيق، والعبهر ماء السام، واللجين وقضبه زبر جدى العصير، والبنفسج منحل الياقوت، ويسكن ريا الطيب ضروبًا من النبت كالحنوة والعرار والجثجاث. غاية.
تفسير: نياق: جمع ناقةٍ. وحيام: عطاش يحمن حول الماء. والعبهر: النرجس. والعصير ها هنا: ماء السحاب. والعرار: البهار الأصفر ويقال إنه البيبسون.
1 / 51