يتفق الرواة على أنه وقع نفور بين بهاء الدين وبين خاله ملك خوارزم محمد قطب الدين (596-617)، وهو الملك الذي أثار التتار على البلاد الإسلامية من بعد، فذهبوا بملكه وترك لابنه جلال الدين منكبرتي ملكا في أيدي التتار جالدهم عليه اثنتي عشرة سنة في المشرق والمغرب إلى أن قتل تاركا على الخطوب سيرة لا تمحى.
ويعزى النفور الذي وقع بين سلطان العلماء وملك خوارزم إلى غيرة الملك من مكانة الشيخ، ويقال: إن فخر الدين الرازي نفر السلطان منه، وكان فخر الدين يكره الصوفية، ويروى أن خوارزمشاه أرسل إلى بهاء الدين يقول: «يرى السلطان أن يترك ملكه لك ويذهب إلى بلاد أخرى.» فأجاب بهاء الدين: «إن الملك يستهزئ بنا ويأخذنا بكلام الحاسدين، ولسنا في حاجة إلى ملكه الذي يعرضه علينا، فليطمئن الملك، فسنذهب نحن.» ثم أمر بالإعداد للسفر، ولم يثنه عن السفر ندم السلطان ولا حزن العامة والمريدين، ثم رحل ومعه ثلاثمائة من تلاميذه، وحمل معه أحمالا كثيرة من الكتب، وتوجه تلقاء بغداد سنة 607، وابنه محمد جلال الدين في الرابعة من عمره، فلما مر بنيسابور لقيه جماعة من العلماء منهم الصوفي الشاعر الكبير فريد الدين العطار، ويقال: إن العطار بشر بهاء الدين بمستقبل عظيم لابنه، وبارك على الطفل وأعطاه كتابه «إلاهي نامه» (وهي منظومة صوفية طويلة فيها زهاء ستة آلاف وخمسمائة بيت، وقد طبعت في استانبول منذ سنتين، نشرها الأستاذ ريتر).
واصل بهاء الدين ورفاقه السفر حتى بلغوا بغداد، فاستقبله جماعة من كبرائها وعلمائها فيهم الشيخ شهاب الدين السهروردي، وأنزلوه في المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة المستنصر بالله العباسي، ولا يزال كثير من أبنيتها قائما مشرفا على دجلة، (والسهروردي الذي استقبل بهاء الدين ينبغي أن يكون أبا حفص عمر المتوفى سنة 632، وأما السهروردي الكبير أبو النجيب فقد توفي سنة 563).
ولبث في بغداد حينا يعظ ويعلم، ثم سار إلى الحجاز للحج ثم دمشق وحلب.
وكانت له بعد رحلات في بلاد الروم (الأناضول) وأرمينية، فأقام في أرزنجان بأرمينية وفي ملطية مددا مختلفة، ثم انتقل إلى لارندة (قرمان)، فأقام سبع سنوات يدرس في المدرسة التي بناها الأمير موسى.
ثم دعاه السلطان علاء الدين السلجوقي (616-634) إلى مدينة قونية حاضرة ملكه، فرحل إليها سنة 623، واستقر بها بعد رحلات استمرت زهاء ستة عشر عاما، وأقام في مدرسة ألتونيا وعلم بها حتى توفي ضحى يوم الجمعة لثماني عشرة خلون من ربيع الثاني سنة 628.
3
جلال الدين
ولد جلال الدين في بلخ سادس ربيع الأول سنة 604ه، ورحل به أبوه وهو طفل في سن الرابعة، وصحبه في حله وترحاله، وتزوج في مدينة لارندة، وسنه إحدى وعشرون، تزوج جوهر خاتون بنت لالا شرف الدين السمرقندي، ومن هذه الزيجة ولد له ابناه علاء الدين وسلطان ولد، ويظهر أن جوهر خاتون لم تعش معه طويلا، فتزوج بعد وفاتها أخرى عاشت بعده.
توفي سلطان العلماء بهاء الدين وعمر جلال أربع وعشرون سنة، فخلف أباه على درسه، فكيف درس جلال حتى تأهل لأن يخلف سلطان العلماء في هذه السن؟
ناپیژندل شوی مخ