مقدمة
سيرة جلال الدين
فصول من المثنوي
قصة التاجر والببغاء
قصة الأسد والوحوش والأرنب
مقدمة الجزء الثالث من المثنوي
مقدمة
سيرة جلال الدين
فصول من المثنوي
قصة التاجر والببغاء
قصة الأسد والوحوش والأرنب
مقدمة الجزء الثالث من المثنوي
فصول من المثنوي
فصول من المثنوي
تأليف
جلال الدين الرومي
ترجمة
عبد الوهاب عزام
سينه خواهم شرحه شرحه أز فراق
تا بكويم شرح درد اشتياق
جلال الدين
الترجمة:
أين صدر من فراق مزقا
كي أبث الوجد فيه حرقا ***
حاصل عمرم سه سخن بيش نيست
خام بدم پخته شدم سوختم
جلال الدين
الترجمة:
حاصل العمر حوته أحرف:
كنت نيئا قبل، أنضجت، احترقت
مولانا جلال الدين الرومي (صورة في تكية يكي قپو باستانبول منقولة من كتاب «جلال الدين الرومي» للأستاذ بديع الزمان الأستاذ بجامعة تهران).
مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتيب عرضت فيه صورا من كتاب المثنوي لجلال الدين الرومي. وهو الكتاب الذي سماه الشيخ عبد الرحمن الجامي، فشاعت تسميته: «القرآن في اللغة الفارسية».
ترجمت فصلين من الجزء الأول من الكتاب، وفاتحة الجزء الثالث، وأثبت مقدمة عربية قصيرة كتبها الناظم للجزء الثالث، وقدمت قبل الترجمة سيرة الشاعر مجملة.
وقصدت بهذا الكتيب إلى التعريف بالصوفي العظيم جلال الدين، وبالأدب الصوفي الذي زخرت به اللغة الفارسية.
والله أسأل أن ينفع بما ترجمت، ويجعله فاتحة ترجمات وأبحاث في الأدب الصوفي أوسع وأجدى. وهو حسبنا ونعم الوكيل.
القاهرة في (27 شعبان 1365ه/26 تموز 1946م)
سيرة جلال الدين
1
تكايا المولوية لا تزال قائمة في مصر والشام، وكانت إلى عهد قريب كثيرة في أرجاء تركيا، وكان لها عند القوم مكانة عظيمة، وكانت مشيخة الطريقة في قونية حيث عاش ومات صاحب الطريقة. وكان للشيخ - ويسمى چلبي قونية - منزلة عند السلاطين العثمانيين، وجرت سنتهم أن يقلد الشيخ سيف عثمان من يتولى الملك من أبنائه، ونشأت تكايا المولوية كثيرا من كبار الصوفية، وأخرجت أدباء كبارا، وكان لها آثار شتى في العالم الإسلامي.
المولويون ينتسبون إلى «مولانا» وهو جلال الدين الرومي الصوفي الشاعر العظيم صاحب «الكتاب المثنوي» الذائع الصيت، والعظيم الأثر في العالم الإسلامي الشرقي.
وقد روي عن الشاعر الصوفي الكبير عبد الرحمن الجامي بيتان معناهما: «إن كنت عالما بأسرار المعرفة فدع اللفظ واقصد المعنى: إن المثنوي المعنوي المولوي هو القرآن في اللسان الفارسي. ماذا أقول في وصف هذا العظيم؟ لم يكن نبيا ولكنه أوتي الكتاب.»
وقد شرح المثنوي كثيرا بالتركية والفارسية والعربية، وطبع شرحه العربي في المطبعة الوهبية سنة 1289، كما طبع في بولاق الكتاب نفسه وترجمته التركية التي نظمها الشاعر نحيفي، ولا تزال هذه الطبعة أجمل طبعات المثنوي حتى يومنا، وفي آخر هذه الطبعة أبيات عربية لرئيس المصححين آخرها:
وإن بدا كالبدر في كماله
وقد زها بالحسن طبعا وضعه
فصح وقل يا صاح في تاريخه: «المثنوي قد أتم طبعه»
وحساب الشطر الأخير بالجمل 1268، وهو تاريخ الطبع. فقد أخرجت مطبعة بولاق أجمل طبعات المثنوي قبل سبع وتسعين سنة.
ولكن معرفة هذه البلاد بالمثنوي وصاحبه لم تزد في هذا القرن الذي مضى بعد طبع الكتاب، إلا حين شرعت كلية الآداب تعلم الأدب الفارسي منذ عشرين عاما، وقد زادت عنايتها بالآداب الفارسية وما فيها من التصوف، وبالآداب الشرقية الأخرى، فأنشئ منذ سنتين معهد اللغات الشرقية بكلية الآداب، والمثنوي يدرس اليوم لطلاب هذا المعهد.
وقد سبقنا المستشرقون إلى العناية بجلال الدين وشعره، فترجم الكتاب إلى لغات أوربية عدة، وكان أكثر الغربيين عناية به مستشرقو الإنكليز، وقد بلغت هذه العناية غايتها بأعمال الأستاذ نكلسون الذي أتم أبحاثه الكثيرة في التصوف الإسلامي بترجمة المثنوي كله إلى الإنكليزية، وطبع الأصل الفارسي والترجمة.
2
موضوع بحثي التعريف بجلال الدين الرومي، والتعريف بأثريه الخالدين: المثنوي والديوان. وتبيين مكانته في التصوف والشعر والآداب الإسلامية كلها.
والكلام قسمان: الأول: تاريخ جلال الدين وأسرته. والثاني: كتبه وآراؤه.
ذكر جلال الدين نفسه في المقدمة العربية التي صدر بها المثنوي فقال: «يقول العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة الله تعالى محمد بن محمد بن الحسين البلخي» لم يزد على هذا في تسمية نفسه وتسمية أبيه وجده، ويكاد الذين ترجموا لجلال الدين يجمعون على أنه بكري من ولد أبي بكر الصديق، ومنهم من يذكر سلسلة نسبه إلى أبي بكر، فيجعله محمد بن محمد بن الحسين بن أحمد بن محمود بن مودود بن ثابت بن المسيب بن المطهر بن حماد بن عبد الرحمن بن أبي بكر، ويروى عن شمس الأئمة الحلواني نسبة أخرى تصل جلال الدين بإبراهيم بن أدهم.
ولا أود أن أطيل الوقوف على هذا النسب، فليس يتسع المقام له، ولا أريد أن أشارك المتنازعين في نسبه من الفرس والترك كما تنازعوا في ابن سينا وغيره؛ فإن هذه العصبيات أبغض شيء إلى هؤلاء الكبراء الذين نؤرخ لهم، وخير ما يقال في جلال الدين وأمثاله ممن نشأتهم الحضارة الإسلامية وغذتهم بمعارفها أن ينشد قول الشاعر:
أبي الإسلام لا أب لي سواه
إذا افتخروا بقيس أو تميم
وبعض المؤلفين يذكر جد جلال الدين باسم الحسين الخطيبي بن أحمد الخطيبي.
والذي لا يرتاب فيه الباحث أن مولانا من أسرة بلخية نابهة، وليس لدينا ما يدعو إلى الارتياب في اتصالها بالمصاهرة بملوك خوارزم، تزوج حسين جد جلال الدين ملكه جهان بنت علاء الدين تكش خوارزمشاه (568-596ه)، ويقول المغالون في تعظيم هذا البيت: إن هذا الزواج كان بأمر الرسول
صلى الله عليه وسلم ، ولد من هذه الزيجة محمد بهاء الدين ولد، وهو والد جلال الدين، ويروى أن الحسين أبا بهاء الدين توفي وابنه في الثانية من عمره، فلما كبر بهاء الدين وتصدى للتعليم والوعظ ذاع صيته وأقبل عليه الطلاب من كل صوب، حتى لقب سلطان العلماء، ويروى أن رسول الله لقبه بهذا اللقب.
يتفق الرواة على أنه وقع نفور بين بهاء الدين وبين خاله ملك خوارزم محمد قطب الدين (596-617)، وهو الملك الذي أثار التتار على البلاد الإسلامية من بعد، فذهبوا بملكه وترك لابنه جلال الدين منكبرتي ملكا في أيدي التتار جالدهم عليه اثنتي عشرة سنة في المشرق والمغرب إلى أن قتل تاركا على الخطوب سيرة لا تمحى.
ويعزى النفور الذي وقع بين سلطان العلماء وملك خوارزم إلى غيرة الملك من مكانة الشيخ، ويقال: إن فخر الدين الرازي نفر السلطان منه، وكان فخر الدين يكره الصوفية، ويروى أن خوارزمشاه أرسل إلى بهاء الدين يقول: «يرى السلطان أن يترك ملكه لك ويذهب إلى بلاد أخرى.» فأجاب بهاء الدين: «إن الملك يستهزئ بنا ويأخذنا بكلام الحاسدين، ولسنا في حاجة إلى ملكه الذي يعرضه علينا، فليطمئن الملك، فسنذهب نحن.» ثم أمر بالإعداد للسفر، ولم يثنه عن السفر ندم السلطان ولا حزن العامة والمريدين، ثم رحل ومعه ثلاثمائة من تلاميذه، وحمل معه أحمالا كثيرة من الكتب، وتوجه تلقاء بغداد سنة 607، وابنه محمد جلال الدين في الرابعة من عمره، فلما مر بنيسابور لقيه جماعة من العلماء منهم الصوفي الشاعر الكبير فريد الدين العطار، ويقال: إن العطار بشر بهاء الدين بمستقبل عظيم لابنه، وبارك على الطفل وأعطاه كتابه «إلاهي نامه» (وهي منظومة صوفية طويلة فيها زهاء ستة آلاف وخمسمائة بيت، وقد طبعت في استانبول منذ سنتين، نشرها الأستاذ ريتر).
واصل بهاء الدين ورفاقه السفر حتى بلغوا بغداد، فاستقبله جماعة من كبرائها وعلمائها فيهم الشيخ شهاب الدين السهروردي، وأنزلوه في المدرسة المستنصرية التي بناها الخليفة المستنصر بالله العباسي، ولا يزال كثير من أبنيتها قائما مشرفا على دجلة، (والسهروردي الذي استقبل بهاء الدين ينبغي أن يكون أبا حفص عمر المتوفى سنة 632، وأما السهروردي الكبير أبو النجيب فقد توفي سنة 563).
ولبث في بغداد حينا يعظ ويعلم، ثم سار إلى الحجاز للحج ثم دمشق وحلب.
وكانت له بعد رحلات في بلاد الروم (الأناضول) وأرمينية، فأقام في أرزنجان بأرمينية وفي ملطية مددا مختلفة، ثم انتقل إلى لارندة (قرمان)، فأقام سبع سنوات يدرس في المدرسة التي بناها الأمير موسى.
ثم دعاه السلطان علاء الدين السلجوقي (616-634) إلى مدينة قونية حاضرة ملكه، فرحل إليها سنة 623، واستقر بها بعد رحلات استمرت زهاء ستة عشر عاما، وأقام في مدرسة ألتونيا وعلم بها حتى توفي ضحى يوم الجمعة لثماني عشرة خلون من ربيع الثاني سنة 628.
3
جلال الدين
ولد جلال الدين في بلخ سادس ربيع الأول سنة 604ه، ورحل به أبوه وهو طفل في سن الرابعة، وصحبه في حله وترحاله، وتزوج في مدينة لارندة، وسنه إحدى وعشرون، تزوج جوهر خاتون بنت لالا شرف الدين السمرقندي، ومن هذه الزيجة ولد له ابناه علاء الدين وسلطان ولد، ويظهر أن جوهر خاتون لم تعش معه طويلا، فتزوج بعد وفاتها أخرى عاشت بعده.
توفي سلطان العلماء بهاء الدين وعمر جلال أربع وعشرون سنة، فخلف أباه على درسه، فكيف درس جلال حتى تأهل لأن يخلف سلطان العلماء في هذه السن؟
لا ريب أن جلال الدين كان ذا مواهب نادرة، وأن مخايل الذكاء وأمارات التصوف بدت عليه في صباه، ويروى أنه كان مجدا في تحصيل العلم لا يفتر في السفر والإقامة.
وأما شيوخه فأولهم أبوه، فلا ريب أن جلال الدين حضر درسه منذ أعدته السن للتلقي عنه، ويروى كذلك أنه تلقى العلم عن شيوخ في دمشق وحلب، وأنه أخذ التصوف عن برهان الدين الترمذي أحد أصحاب أبيه، وعن صلاح الدين زركوب وحسام الدين چلبي، ولا أعرف عن درسه وشيوخه أكثر من هذا.
تولى جلال الدرس في أربع مدارس في قونية وكثر طلابه، واستمر على نهج أبيه في درس العلوم الدينية بضع عشرة سنة، ثم كان حدث غير وجهة جلال وأثر في نفسه أثرا بليغا، ولست أستطيع تأريخ هذا الحدث، ولكني أرجح أنه وقع وجلال الدين بين الخامسة والثلاثين والأربعين من عمره، وإن أرخه بعض الرواة تأريخا دقيقا: 26 جمادى الثانية سنة 642.
ذلكم الحادث العجيب هو لقاء هذا الدرويش العجيب شمس الدين التبريزي، فلا بد من وقفة في هذه المرحلة من تاريخ مولانا، فعندها كان منعرج الطريق.
4
شمس الدين التبريزي
هو محمد بن علي بن ملك التبريزي، قيل: إن نسبه ينتهي إلى كيابزرك أميد خليفة حسن الصباح شيخ الإسماعيلية، وكان أبو شمس الدين من الإسماعيلية فخالفهم وأحرق كتبهم ودعا إلى الإسلام في قلاعهم، وأرسل ابنه شمس الدين إلى تبريز لتلقي العلم.
ويقال أيضا: إنه ولد في تبريز، وكان أبوه بزازا بها.
وأخذ التصوف عن شيوخ في تبريز، وله سند في الطريقة يذكره بعض المؤرخين: منهم دولتشاه السمرقندي صاحب تذكرة الشعراء.
يقول دولتشاه: إن شمس الدين كان في صباه جميلا رائعا حتى ربي بين النساء غيرة عليه، ثم كثرت سياحاته حتى لقب «پروانه» أي الفراشة.
وكان قوي النفس، جريئا مؤثرا في سامعيه شديدا عليهم، يلقب من يعظهم أحيانا بالثيران والحمير، وكان قليل الدرس فيما يظهر، ولكن ثورة نفسه واعتقاده أنه ملهم كانا يسحران من يلقاه.
وقد وصفه الأستاذ نكلسون المستشرق الإنكليزي في مقدمة كتابه الذي سماه «قصائد مختارة» من ديوان شمس تبريز، وبين مشابهته سقراط في ثورته وقوته، وأن كلا منهما وجد من يعبر عن آرائه الخشنة بكلام بليغ رقيق.
ذلكم إجمال ما يروى عن هذا الصوفي العجيب الذي نقل جلال الدين من مدرس يعلم العلوم الدينية إلى صوفي منقطع للرياضة الصوفية، ونظم الشعر وسماع الموسيقى.
جاء شمس الدين إلى قونية ونزل في خان شكرريز، ويقال: إن شيخه ركن الدين أرسله إلى جلال الدين ليدخله في الطريق الصوفي.
وتروى قصص عن اللقاء الأول بين جلال وشمس، يراد بها تمثيل ما بين علماء الظاهر والصوفية من خلاف، وتبيين سرعة تحول جلال الدين من هؤلاء إلى هؤلاء. وتأثير شمس في جلال ونفوذه إلى سرائره وتمكنه في قلبه لا يحتاج إلى بيان؛ فأشعار جلال الدين في المثنوي وفي ديوانه الذي سماه ديوان شمس تبريز، فياضة بالحب والإجلال والمبالغة في إعظام شمس والإعجاب به، ولكن لا أحسب جلالا تحول طفرة واحدة من العلماء إلى الصوفية؛ فقد نشأ في بيت تصوف، وأخذ عن شيوخ الصوفية، ودل شعره على استعداد لها وميل إليها؛ فلم يكن لقاء شمس إياه إلا إثارة للشوق الذي في نفسه، وتأجيجا للنار التي في فؤاده.
أخذ جلال الدين يهجر درسه ويأنس إلى التبريزي، ويخلو به ويسايره في المتنزهات، ورأى تلاميذ جلال الدين أن هذا الضيف العجيب أخذ يستبد بأستاذهم، ويصرفه عن سبيله، ويحيد به عن سنن العلماء؛ فثاروا بهذا الدرويش، واضطروه إلى أن يهرب من قونية إلى تبريز، ولكن جلال الدين لم يصبر عنه، فذهب إليه وأرجعه إلى قونية، ويقال: إنه خرج إلى دمشق أيضا، فأرسل جلال الدين ولده فرجع به إلى قونية.
ثم تقع ثورة يختفي بعدها التبريزي وتنقطع أخباره، وتختلف الأحاديث في أمره، فيقال: إن شرطة السلطان قتلته، ويقال: قتله بعض تلاميذ جلال الدين، وشارك في قتله علاء الدين بن جلال الدين. ويقال: إن سلطان ولد الابن الثاني لجلال تقصى أخباره حتى أخرج جثته من بئر ودفنها.
وفي قونية اليوم مزار لشمس الدين مشيد عليه قبة عالية، وكانت وفاة التبريزي فيما يظهر سنة 645.
5
شغل جلال بالرياضة وشغف باستماع الموسيقى والغناء ونظم الأشعار وإنشادها، وردد اسم شمس الدين في كثير منها، ونظم الكتاب المثنوي، واجتمع إليه المريدون فراضهم على طريقته التي عرفت من بعد باسم المولوية.
واستمر على هذا إلى أن توفي مغرب يوم الأحد خامس جمادى الثانية سنة 672، ودفن بجانب أبيه في القبة التي شادها له علاء الدين السلجوقي، ولا تزال قائمة في قونية، وقد زاد عليها سلاطين العثمانيين أبنية اتخذت تكية للمولوية على الشكل الذي يرى اليوم في قونية.
وكان جلال الدين رحمه الله معتدل القامة، ليس بالبادن ولا النحيف، وجهه مشرب بحمرة، ثم نحف ومال لونه إلى الصفرة بطول المجاهدة.
وترك ابنه سلطان ولد صاحب الأثر المحمود في الأدب التركي العثماني.
وخلف مولانا في مشيخة الطريقة إنفاذا لوصيته خدينه ونجيه حسام الدين چلبي، حتى توفي سنة 683، فخلفه سلطان ولد إلى أن توفي سنة 712، وتداول حفدة الشيخ المشيخة، وكل منهم يسمى چلبي قونية، إلى أن فعل الكماليون ما فعلوا بالطرق والتكايا، وتكية قونية اليوم متحف فيه بعض مخلفات جلال الدين وحفدته وبعض الكتب، وقد زرتها سنة 1355ه ووصفتها في كتاب الرحلات.
6
المثنوي والديوان
ترك جلال الدين أثريه الخالدين على الدهر: المثنوي والديوان، وتنسب إليه رسالة منثورة اسمها «فيه ما فيه»، ومنها نسخ في مكتبات استانبول.
فأما المثنوي فمنظومة صوفية فلسفية عظيمة، تحوي خمسة وعشرين ألفا وسبعمائة بيت، في ستة أجزاء، والجزء السابع الذي تشتمل عليه بعض نسخ الكتاب منحول لا يشبه كلام جلال الدين، والمؤلف نفسه يقول في مقدمة الجزء السادس مخاطبا حسام الدين چلبي:
بيشكش مي آرمت اي معنوي
قسم سادس در تمام مثنوي
شش جهت رانورده زين شش صحف
كي يطوف حوله من لم يطف
1
وقد خلت من الجزء السابع النسخ القديمة. وكتب سلطان ولد ابن جلال الدين خاتمة الكتاب عقب الجزء السادس.
وقد سمى الرومي كتابه «المثنوي»، وهو اسم هذا الضرب من القافية التي تسمى في العربية المزدوج، سماه هذه التسمية اللفظية كما سمى أبو العلاء كتابه اللزوميات باسم لفظي محض.
وأما تاريخ نظم المثنوي، فيحدثنا الناظم في مقدمة الجزء الثاني أن نظم المثنوي تأخر مدة لغياب حسام الدين، وأنه يستأنف النظم سنة 662، وقد استمر ينظم الأجزاء الخمسة حتى توفي سنة 672؛ فيكون لكل جزء سنتان، فإذا قدرنا أن الفترة بين الجزأين الأول والثاني كانت سنتين كما يروى، وأن الجزء الأول نظم في سنتين، فقد بدأ الشاعر الصوفي ينظم منظومته الخالدة سنة 658 من الهجرة وسنه 54 سنة.
7
حسام الدين والمثنوي
يقول جلال الدين في المقدمة العربية التي صدر بها الجزء الأول: إنه نظم الكتاب بدعوة من صديقه حسام الدين چلبي، ويكرر هذا في أول كل جزء، معلنا أن حسام الدين يوحي إليه نظم الكتاب، وأنه يسير فيه ببركة هذا الرجل وهمته وتشويقه، ويكفي أن نعرف أنه ترك النظم حين غاب حسام الدين في الفترة بين الجزأين الأول والثاني، وأنه سمى الكتاب في فاتحة الجزء السادس «حسامي نامه».
2
كان جلال يملي وحسام يكتب، وكانا أحيانا يقطعان الليل كله إنشاء وكتابة. تدل على هذا الروايات وفصول من المثنوي نفسه.
فمكانة حسام الدين من المثنوي تشبه بعض الشبه مكانة شمس الدين التبريزي في الديوان.
وانظر ماذا يقول في مقدمة الجزء الأول في صفة حسام الدين ومكانته عنده.
المثنوي
قسم جلال الدين كتابه الذي سماه المثنوي ستة أقسام، وصدر كل قسم بمقدمة منثورة قصيرة، من هذه المقدمات الست ثلاث عربية هي مقدمات الأجزاء الأول والثالث والرابع، والأخريات فارسية.
فأما مقدمة الجزء الأول، وهي مقدمة الكتاب كله، فقد وصف فيها كتابه وبالغ في الإشادة به، ثم بين دعوة صديقه حسام الدين إياه إلى نظم الكتاب، وأشاد بحسام الدين وبيته.
ونثبت هنا شذرات من قوله في كتابه، ليتبين اعتداده به ومغالاته فيه، بدأ الكتاب بقوله: «هذا كتاب المثنوي، وهو أصول أصول أصول الدين في كشف أسرار الوصول واليقين، وهو فقه الله الأكبر، وشرع الله الأزهر، وبرهان الله الأظهر، مثل نوره كمشكاة فيها مصباح، يشرق إشراقا أنور من الإصباح، وهو جنان الجنان، ذوات العيون والأغصان، منها عين تسمى عند أبناء هذا السبيل سلسبيلا، وعند أصحاب المقامات والكرامات خير مقاما وأحسن مقيلا. الأبرار فيه يأكلون ويشربون، والأحرار منه يفرحون ويطربون، وهو كنيل مصر شراب للصابرين، وحسرة على آل فرعون والكافرين، كما قال الله تعالى:
يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين . وإنه شفاء الصدور، وجلاء الأحزان، وكشاف القرآن، وسعة الأرزاق، وتطييب الأخلاق بأيدي سفرة كرام بررة، يمنعون بألا يمسه إلا المطهرون، تنزيل من رب العالمين
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، والله يرصده ويرقبه، وهو خير حافظا وهو أرحم الراحمين، وله ألقاب أخر لقبه الله تعالى بها، واقتصرنا على هذا القليل، والقليل يدل على الكثير، والجرعة تدل على الغدير، والحفنة تدل على البيدر الكبير.»
وأما المقدمات الأخر فبعضها وصف للكتاب، ونصيحة للطلاب. وقد بين في مقدمة الجزء الثاني الحكمة في تأخير نظمه بعد الفراغ من الجزء الأول، وفي مقدمة الجزء الخامس بين الفرق بين الشريعة والطريقة والحقيقة.
8
والذي يلقي نظرة على فهرس الكتاب يرى ألوانا مختلفة من الآيات والأحاديث والحكم والقصص، وإليكم هذا المثال من فهرس الجزء الأول: تفسير رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، مجيء رسول الروم إلى عمر، إضافة آدم عليه السلام الذلة إلى نفسه، سؤال سبب ابتلاء الروح، قصة الببغاء والتاجر، تفسير بيت العطار ... إلخ، تعظيم السحرة موسى حين رمى العصا، بيان حديث إن سعدا لغيور ... إلخ، مضرة تعظيم الخلق والشهرة، تفسير ما شاء الله كان، قصة الزامر الهرم الذي ذهب يزمر حسبة في المقابر، حديث إن لربكم في أيام دهركم نفحات.
وفصول الكتاب لا يستقل بعضها عن بعض، بل يؤدي الاستطراد من واحد إلى الآخر. وربما يبدأ القصة ثم يستطرد إلى قصة أخرى ثم يرجع ليكمل الأولى، وهو يأخذ القصة القصيرة يجعلها وسيلة إلى بيان مقاصده ويطول به البيان حتى يدع حوادث القصة ضئيلة خفية بجانب البيان أو الحوار الذي يبتغيه، ومن أجل هذا يتبين القارئ ضعفا في القصص أحيانا أو اختلالا، وأنى يبالي جلال الدين في استغراقه ووجده وهيامه بإحكام القصص والعناية بصوره؟
وهو قوي البيان فياض الخيال بارع التصوير، يوضح المعنى الواحد في صور مختلفة، ويسوق المثل إثر المثل، والمعاني تأتيه أرسالا، والألفاظ تواتيه انثيالا، وبحر الرمل يطاوعه رهوا مسترسلا، حتى ينظم حول القصة الصغيرة القصيرة مئات الأبيات، فيستخرج منها، ويصل بها ما يشاء من الآراء والنصائح والعظات والعبر؛ فقصة الأسد والوحوش والأرنب التي أهلكته من قصص كليلة ودمنة، نظم فيها زهاء خمسمائة بيت، وهي مترجمة في هذه الفصول، وقصة الببغاء والتاجر نظم فيها نحو ثلاثمائة بيت، وهي قصة قصيرة ترجمتها منظومة في هذه الفصول أيضا ... إلخ.
وقلبه مفعم بالعشق الإلهي، ومستغرق فيه، فكل شيء يذكر به وكل فكر يؤدي إليه؛ فتراه يبتدئ القصة التي تحسبها بعيدة كل البعد عن العشق والاستغراق والفناء، فإذا هو ينتهي إلى هذه المعاني ويغوص فيها، ذلكم مراده مهما يقل، وتلكم قبلته أنى توجه، وغاية تصريحه وكنايته، وهو في عبوسه يكن السرور به، وفي صمته يكثر القول فيه، وإذا نفى فإنها يثبته. يقول:
أنا غريق العشق الذي غرق فيه عشق الأولين والآخرين. إذا ذكرت الشفة فهي شفة البحر (حافة البحر)،
3
وإذا قلت لا فإنما مرادي إلا.
من السرور جلست عبوسا، ومن كثرة المقال قعدت صموتا.
بل إذا فكر في القافية وهو مستغرق في النظم نقله هذا الشاغل اللفظي إلى الحبيب المقصود، فبينا نراه في قصة التاجر والببغاء ماضيا في بيانه إذا هو يقول:
أفكر في القافية وحبيبي يقول: لا تفكر إلا في رؤيتي. اطمئن أيها المفكر في القافية فأنت قافية السعادة أمامي. ما الحرف فتفكر فيه؟ إنه الشوق في جدار البستان! إني أمحق القول والحرف والصوت لأناجيك بغير هذه الثلاث، أفشي إليك السر الذي أخفيته عن آدم يا سر العالم ... إلخ.
وكل هذا البيان، وكل هذا الفيض، وهذه الحرقة، وهذا الوجد، يقصر عن تبيين ما في نفسه، فيشكو هذا القصور بين الحين والحين، ويقف حائرا صائحا: إن الذي أحسه وراء الصوت والحرف بل وراء الأسماع والأفهام.
مجملش كفتم نه كردم من بيان
ورنه هم أفهام سوزد هم بهان
قد أجملت وإلا احترقت الأفهام واحترق البيان.
9
ولصاحب المثنوي مهارة وبراعة في تضمين الآيات والأحاديث والملاءمة بينها وبين الوزن بتغيير يسير، مثل قوله:
وز ملك هم بايدم جستن زجو «كل شيء هالك إلا وجهه»
بس عدم كردم عدم چون ارغنون
گويدم: «إنا إليه راجعون»
وقوله في حديث الشيطان في غزوة بدر:
كه أخاف الله ما لي منه عون
اذهبوا إني أرى ما لا ترون
وقوله في فاتحة المثنوي:
عشق جان طور آمد عاشقا
طورمست «وخر موسى صعقا»
ومن تضمين الأحاديث:
كوش من «لا يلدغ المؤمن» شنيد
قول بيغمبر بجان ودل كزيد
رمز «الكاسب حبيب الله» شنو
أز توكل در سبب كاهل مشو
10
ويتخلل بعض فصول المثنوي أحيانا أشطار وأبيات عربية خالصة، ولا يخلو فصل من هذا الضرب، ويندر أن يتوالى بيتان أو ثلاثة.
ومن أمثلة الأبيات المفردة والشطور:
جملة كفتند أي حكيم باخبر
الحذر دع؛ ليس يغني من قدر
تاتواني دم مزن اندر فراق
أبغض الأشياء عندي الطلاق
وادخلوا الأبيات من أبوابها
واطلبوا الأغراض في أسبابها
ومن الأمثلة القليلة ما جاء في الجزء الثالث أثناء قصة وكيل صدر بخارى:
غن لي يا منيتي لحن النشور
ابركي يا ناقتي تم السرور
ابلعي يا أرض دمعي قد كفى
اشربي يا نفس وردا قد صفا
عدت يا عيدي إلينا مرحبا
نعم ما روحت يا ريح الصبا
11
وقد افتتح الكتاب بحديث الناي ووصفه مبينا عن أثره في نفسه، فجعل للناي بين المولوية مكانة وحرمة، وقد ترجمت هذه الفاتحة إلى الإنكليزية باسم «أغنية الناي».
وترجمتها إلى العربية منذ سنين، وهي خمسة وثلاثون بيتا وهي:
استمع للناي غنى وحكى
شفه البين طويلا فشكا
مذ نأى الغلب وكان الوطنا
ملأ الناس أنيني شجنا
أين صدر من فراق مزقا
كي أبث الوجد فيه حرقا
من تشرده النوى عن أصله
يبتغي الرجعى لمغنى وصله
كل ناد قد رآني نادبا
كل قوم تخذوني صاحبا
ظن كل أنني نعم السمير
ليس يدرى أي سر في الضمير
إن سري في أنيني قد ظهر
غير أن الأذن كلت والبصر
ليس بين الروح والجسم حجب
غير أن الروح عنا تحتجب
إن صوت الناي نار لا هواء
كل من لم يصلها فهو هباء
هي نار العشق في الناي تثور
وهي نار العشق في الخمر تفور
آنست هجراتنا أصواته
مزقت أستارنا نغماته
من رأى كالناي سما ودواء؟
من رأى كالناي غما وعزاء
حدث الناي بأهوال الطريق
وعن المجنون صبا لا يفيق
أهل هذا الحس من لا حس له
أرهف السمع لهذي المعضلة
حارت الأيام في آلامنا
ليس إلا النار في أيامنا
فدع الأيام يذهبن فدى
وابق يا من أنت للقلب هدى
كل ظمآن سوى الحوت ارتوى
من يفته الزاد أعياه المدى
ما درى الخالي بحال المستهام
فلأقصر من بياني والسلام
اقطع القيد، تحرر يا فتى!
يا أسيرا للهوى! حتى متى؟
إن تصب البحر في كوز فهل
فيه إلا شرب يوم أو أقل
إن عين الحرص ليست تملأ
ويحها مطروفة لا ترقأ
صدف البحر، تأمل واسمع
لا يحوز الدر ما لم يقنع
من يمزق ثوبه العشق صفا
وزكا كالدر خلى الصدفا
مرحبا يا عشق يا خير أمل
يا طبيب النفس من كل العلل
يا دواء منه تسمو روحنا
أنت جالينوس أو أفلاطنا
4
ومن العشق، وأنى يحمل
رقص الطود وخف الجبل
عشق الطور أجل قد عشقا
فهوى إذ «خر موسى صعقا»
لو تسنى من صديق لي فم
قلت كالناي حديثا أكتم
من يفارقه نجي يفهم
فهو - مع ألف لسان - أبكم
صمت البلبل عن ألحانه
حين غاب الورد عن بستانه
ميت العاشق والمعشوق حي
كل المعشوق والعاشق في
5
هو إن لم يقدر العشق له
طائر حص جناحا ويله
كيف أدري ما ورائي وأمام
دون نور من حبيبي في الظلام
كم بصدري من معان غاليه
لكن المرآة ليست حاكيه
إن مرآتك غامت دنسا
صدأ الطبع عليها طمسا
12
الديوان
وأما الديوان الذي سماه ديوان شمس تبريز وعرف باسم ديوان شمس الدين التبريزي ففن آخر من النظام، هو قصائد متفرقة، كل واحدة مستقلة عن الأخريات، أعني أنها نظمت للإبانة عما جال في ضمير الشاعر حين نظمها، واختير لها وزن خاص وقافية، ولم يرد أن تكون مقدمة لمنظومة أخرى أو مكملة لها، وإن كانت المعاني متشابهة متقاربة أو متماثلة، وهي فيض في العشق والفناء وغيرها من المطالب العالية في نحو ستة وأربعين ألف بيت.
الفرق بين المثنوي والديوان أن الأول منظومة واحدة في وزن واحد وضرب واحد من التقفية، وفيها تعليم بين تفسير آية وشرح قصة وضرب مثل، وإن كان هذا كله متصلا بمقصده الأخير: حب الله والفناء فيه، فجلال الدين في المثنوي أستاذ معلم مختلف الأساليب، يخاطب وينصح ويعظ، وينتقل بتلاميذه من فن إلى آخر، ويغلبه الوجد بين الحين والحين فيرتمي في البحر الذي لا يعرف سابحه أو غريقه ساحلا.
وأما الديوان فهو كما أسلفنا قصائد قصيرة يغلب فيها فورة الشعر وخياله، فهو من هذه الناحية أعلى من المثنوي وأدق، وأدخل في الشعر.
ويكثر فيه الرمز، ويجود فيه التصوير، ويعنى كذلك بالصناعة اللفظية أحيانا، ويردف القافية ويلتزم ما لا يلزم.
على حين يظهر في المثنوي كثيرا أثر الإملاء المرتجل والثورة التي لا تتريث للترتيب والإحكام.
13
وهذا مثال من الديوان يبين ما يكثر فيه من الرموز والإشارات من القصيدة التي مطلعها:
إين خانه كه بيوسته درو بانك جغانست
أز خواجه بپرسيد كه اين خانه چه خانست؟ ... إلخ.
هذه الدار التي لا تفتر فيها الألحان سل ربها أي دار هذه! إن كانت الكعبة فما صورة الصنم هذه؟ وإن كانت دير المجوس فما هذا النور الإلهي؟ في هذه الدار كنز يضيق به العالم، وإنما هذه الدار وهذا السيد (رب الدار) فعل وذريعة. لا تضع على الدار يدا فما هي إلا طلسم، ولا تكلم السيد فقد أفنى الليل سكرا. تراب هذه الدار وقمامتها مسك وعنبر وعطر. كل سطحها وبابها شعر وألحان. فمن وجد سبيلا فيها فهو سلطان الأرض وسليمان الزمان.
أيها السيد أطل علينا من الشرفة مرة فان في خدك الجميل أمارة من الإقبال.
أقسم بروحك أن ما عدا رؤية وجهك - ولو كان ملك العالم - خيال وخرافة. تحير البستان أي ورق وأي زهر! وولهت الطير أي شبك وأي حب!
هذا سيد الفلك كالزهرة والقمر، وهذي دار العشق لا حد لها ولا نهاية.
حينما أخذت مرآة الروح صورتك في القلب تدلت في القلب طرتك كالمشط.
إن سكارى الله واحد وإن كانوا ألوفا، وإن يكن من سكارى الهوى واحد فهو اثنان. اقتحم غاب الأسد ولا تخش الجراح؛ فإن الخشية والخوف ليسا من الرجولة.
ليس هناك جراح. كل ما هناك رحمة ومحبة، ولكن وهمك حجاب خلف الباب.
لا تضرم النار في الغابة واصمت أيها القلب، أمسك لسانك فإنه لسان النار.
14
آراء جلال الدين
شرح جلال الدين آراءه في المسائل الفلسفية والصوفية والدينية والأخلاقية في أكثر من اثنين وسبعين ألف بيت، في المثنوي والديوان. ويتعذر على الباحث أن يجمل آراءه ولو في المسائل الكبرى؛ فإن مسألة واحدة منها تحتاج إلى فصل أو أكثر، فقصارى المتكلم في مثل هذا المقام أن يعرض أمثلة من قوله في بعض المسائل، وأنا أعرض بعض أقواله في الروح وصلتها بالله، وحنينها الدائم إلى موطنها الأول، وفي تطور الموجودات وفنائها في الله، ثم أعرض ناحية من فلسفته العملية فأبين رأيه في القضاء والقدر، والعمل في هذه الحياة. وأنا في هذا أعرض صورة واحدة من صور شتى لمسائل قليلة من مسائل كثيرة جدا:
الروح من عالم آخر امتحنت بهذا السجن الأرضي، وهي تسمع النداء من تلك الديار كل حين.
يقول في الديوان:
كل حين نسمع صوت العشق من يمين وشمال. ها نحن أولاء ذاهبين إلى الفلك، فمن يريد تسريح النظر؟
كنا من قبل في الفلك، كنا أصدقاء الملك، وهنالك نعود فتلك ديارنا.
والحق أننا أعلى من الفلك، وأننا أكبر من الملك، فلماذا لا نجتاز هذين؟ ألا إن منزلنا الكبرياء.
أين عالم التراب؟ وأين الجوهر الطاهر؟ قد هبطنا وسنرجع فما هذا لنا بمقام.
الخد الناضر رفيقنا، وبذل الروح عملنا، ودليل قافلتنا فخر العالم المصطفى.
عرف هذا النسيم من ثنايا طرته، ولألاء هذا الخيال من ضحى غرته.
قد انشق القمر من وجهه، فلم يستطع رؤيته؛ سعد القمر بهذا الجد وهو السائل الصغير، فانظر في قلوبنا كل لحظة شق القمر ...
جاء موج «ألست»
6
فحطم سفينة القالب (البدن) وإذا حطمت السفينة فهذه نوبة اللقاء.
الخلق كطير الماء، خلقوا من بحر الروح، وكيف يسكن إلى المقام هنا طائر ارتفع من ذلك اليم؟
بل نحن در من ذلك البحر، كلنا حاضر فيه، وإلا فما هذا الموج المتتابع من أرواحنا؟ إنه وصل اللقاء، إنه حس البقاء، إنه اللطف والعطاء، بحر صفاء في صفاء.
ارتفع موج العطاء، وسمع زخير البحر. تنفس صبح السعادة. لا، إنه نور الله.
الفناء في الله
وهو يتحدث كثيرا كما يتحدث كبار الصوفية عن فناء الإنسان، ويتكلم عن زوال الاثنينية، وامحاء أنا وأنت، وهي فكرة شائعة في شعر ابن الفارض وغيره، ولكن جلال الدين يذكر فناء العالم في الله سبحانه في صورة أخرى: يرى أن العالم يرقى إلى الله، حائلا من جماد إلى نبات إلى حيوان فإنسان فملك، ثم يفنى في الله، وقد ذكر بعض الصوفية كعبد الكريم الجيلي صاحب «الإنسان الكامل» ما يؤخذ منه أن الإنسان صلة العالم كله بالله، وهي فكرة جلال الدين في شكل آخر.
كرر هذا القول جلال الدين في المثنوي والديوان، يقول في قصة وكيل صدر بخارى في الجزء الثالث من المثنوي على لسان العاشق الذي لا يبالي بالموت:
أز جمادي مردم ونامي شدم ... إلخ.
صرت، إذ مت جمادا ناميا
مت نبتا صرت حيا ساعيا
مت حيوان إذا بي بشر
كيف أخشى الموت ماذا أحذر
ثم أغدو مائتا بين البشر
طائرا في ملك لا أستقر
ليس لي إلا مسير نحوه
كل شيء هالك إلا وجهه
ثم أسمو طائرا فوق الملك
ذاك فوق الوهم لا يخطر لك
ثم أفنى والفنا كالأرغنون
منشدي: إنا إليه راجعون
وقد كرر هذا في الديوان في القصيدة التي أولها:
هرنقش راكه ديدي جنسش زلامكانست
كرنقش رفت غم نيست أصلش چو جاودانست
قال:
قد وضع أمامك منذ جئت عالم الوجود سلم للخلاص، كنت جمادا فصرت نباتا، ثم صرت حيوانا، كيف خفي هذا عليك؟
ثم صرت إنسانا ذا عقل وعلم وإيمان، فانظر أي زهرة صار هذا الجسم الترابي؟
وإذا جاوزت الإنسان تصير - ولا ريب - ملكا، فتترك هذه الأرض إلى السماء.
جاوز الملكية أيضا، وادخل ذلك اليم لتصير قطرتك بحرا هو مائة بحر.
القضاء والقدر
وأما القضاء والقدر فجلال الدين يذهب فيه إلى الاختيار ويشتد على الجبرية:
اين چنين وآن چنان فردا كنم
أين دليل اختيار ست أي صنم
قولك افعل هذا وذاك غدا دليل الاختيار أيها الصنم.
وقد حكى في الجزء الأول قصة الوحوش والأسد التي في كليلة ودمنة، فبدأها بمحاورة بين الأسد والوحوش في الجبر والاختيار وانتهى بالمحاورة إلى ترجيح الاختيار. وهذه القصة مترجمة في الفصول الآتية.
تتجلى عظمة جلال الدين في المناداة بالاختيار، وحفز الناس إلى العمل والمسير قدما، بل هو يرى أن الحياة جهاد مستمر لا ينبغي أن يسكن المجاهد فيها ساعة.
يقول في المثنوي في قصة التاجر والببغاء:
الغريق يجهد نفسه ويضرب يده على كل عشبة لعلها تنقذه من الخطر.
والحبيب (الله) يحب هذا الاضطراب، وإن الجهد الذاهب سدى خير من النوم.
إن الملك نفسه ليس فارغا من العمل، ولهذا قال الرحمن:
كل يوم هو في شأن . اكدح في هذا الطريق واجهد ، ولا تفرغ ساعة، حتى الساعة الأخيرة.
والألم عنده وسيلة اللذة، والبكاء سبب الضحك: «كيف يضحك المرج إذا لم يبك الربيع؟ وكيف ينال الطفل اللبن بغير بكاء» والعناء أحرى، والكد أنفع. ورجل الطريق أو رجل الله يلقى الخير والشر واللذة والألم راضيا مقدما موقنا أنه بالألم يكمل ويرقى حتى يبلغ غايته. يقول في المثنوي:
إن مكروهه محبوب في نفسي. فدى روحي للحبيب المعذب قلبي، أنا عاشق نصبه وألمه. إنني أكحل عيني بتراب الغم ليمتلئ بحر العينين بالجواهر. إن الدموع التي تمطرها العين في سبيله جوهر يحسبه الناس دمعا.
ويقول:
ذاك المكروه الذي يصيبني به غاضبا أكثر إطرابا من الرباب، يا من جفاؤه أحسن من السعادة، وانتقامه أحب من الروح، هذه نارك فكيف نورك؟ وهذا مأتمك فكيف العرس؟ أنوح وأخشى أن يستمع لنواحي فيخفف عني هذه الشدة كرما، إنني عاشق قهره ولطفه، فاعجب لعاشق الضدين. والله لئن جاوزن هذا الشوك إلى البستان لأنوحن نواح البلبل. اعجب لبلبل يفتح فاه ليأكل الشوك والورد! أي بلبل هذا؟ إنه تنين ناري يحبب إليه العشق كل مكروه، هو عاشق الكل وهو الكل نفسه، هو عاشق نفسه وطالب عشق نفسه.
بل يرى أن هذا النواح من الأرواح المجاهدة مناجاة دائمة ورقي مستمر يقول:
حين ينوح بغير شكوى ولا شكر، تضج له السموات السبع. له كل حين مائة نوحة، ومن الله مائة رسالة. منه يا رب مرة، ومن الله سبعون لبيك. وله كل لحظة معراج خاص، ولرأسه مائة تاج خاص. صورته على الأرض، وروحه في لا مكان، لا مكان لا يدركه وهم السالكين.
تلكم قطرة من بحر جلال الدين، وشرارة من ناره، وبصيص من نوره. ومثل هذا الفيلسوف ينبغي أن تذاع فلسفته، لقد أثرت هذه الفلسفة الإسلامية في رجل من رجال عصرنا فجعلته شاعر القوة والحياة في الهند، وحسبه الناس سائرا على أثر فلاسفة أوربا ولكنه قال عن نفسه: إنه أثر من جلال الدين، فما أجدر جلالا أن يخرج للمسلمين في كل جيل مثل شاعر الهند محمد إقبال .
هوامش
فصول من المثنوي
ترجمت قصة الببغاء والتاجر وقصة الأسد والأرنب من الجزء الأول من المثنوي، ومقدمة الجزء الثالث من الكتاب عينه، ترجمت الأولى منظومة والأخريين منثورتين.
وقد ترجمت هذه الفصول كما هي دون حذف أو تغيير، أردت أن أنقل إلى قارئ العربية صورا صادقة من هذا الكتاب، فلم أثبت أبياتا وأدع أخرى، مختارا الأبيات البليغة والصور الجميلة، ولكن ترجمت الفصل كله جيده ووسطه ورديئه، واضحه وغامضه، مؤثرا أن يطلع قاري العربية على ما يطلع عليه قارئ الفارسية في فصول هذه المنظومة العجيبة.
ولعلي أترجم من بعد مختارات من هذا الكتاب تكون أقرب إلى فهم القارئ واستحسانه، إن شاء الله.
وقد لقيت عناء في الترجمة المنظومة؛ لأن المترجم ناظما مقيد بحدود المعنى في الأصل، وقيود النظم في الترجمة، ولأن بعض المفردات والجمل جاءت في الأصل عربية فلم أستحسن تغييرها، وربما لاءم اللفظ العربي ألفاظا فارسية يتم بها النظم في الأصل ولم يلائم ألفاظا عربية تؤدي معنى هذه الألفاظ الفارسية. فكان علي أن أحتال لإدخال الألفاظ العربية في النظم ثم التزام ترجمة بيت ببيت، على ما في ألفاظ اللغتين وقواعدهما من اختلاف بين زاد الترجمة صعوبة، ولم أترجم بيتا ببيتين إلا مرتين أو ثلاثا في هذا الفصل المنظوم.
وقد حاولت جهد الطاقة أن أحافظ على معاني الأصل جملته وتفصيله في الترجمة كلها منثورها ومنظومها إلا ما تضطر إليه أساليب البيان العربي أو يستعصي على النظم.
قصة التاجر والببغاء
خلاصة هذه القصة أن تاجرا كان لديه ببغاء جميلة فصيحة وأزمع السفر إلى الهند للتجارة، فقال لأولاده وخدمه: ليقترح كل من يشاء من هدايا الهند. فاقترح كل واحد ما أحب، وسأل الببغاء: ما تريدين؟ فقالت: إذا بلغت الهند ورأيت أسراب الببغاء فأبلغهن عني ما ألاقي من عناء في الحبس، وأبلغهن عتبي بما نسينني ونعمن بالعيش في الغابات على غصون الأشجار.
فلما أبلغ التاجر هذه الرسالة إلى ببغاوات الهند ارتعدت إحداهن وخرت ميتة.
فلام التاجر نفسه على إبلاغ رسالة لم يعرف عواقبها.
ولما رجع إلى بلده أدى الهدايا التي وعد بها، وسألته الببغاء عن رسالتها، فأبان عن أسفه وندمه وقص عليها ما رأى، فإذا هي تنتفض وتخر ميتة كتلك.
فحزن التاجر على الببغاء الجميلة، ورجع يلوم نفسه على التكلم بما لا يدرك عاقبته، ويندب ببغاءه التي كانت أنسه ومتعته.
ثم أخذها من القفص ورمى بها، فإذا هي تطير وتقف على غصن شجرة.
فدهش الرجل وسألها عن هذه الأعجوبة. فقالت له: هذه هي الرسالة التي رجعت بها من الهند، فقد أشارت الببغاء التي خرت أمامك هامدة هناك بأن أفعل فعلها وأموت موتها، لأخلص من الأسر الذي أعانيه ... إلخ.
وبين أن جلال الدين جعل الببغاء مثلا للروح الإنسانية وبلاد الهند مثلا لعالم الأرواح، وجعل الموت كناية عن الرياضة الصوفية التي يخلص بها الإنسان من أهوائه وشهواته؛ فينال الطمأنينة وينجو من العناء والقلق.
وسيرى القارئ الاستطراد الطويل في أثناء القصة، سنة جلال الدين في كتابه، يتخذ القصة ذريعة إلى مقاصده غير مبال بسياق القصص كما قلت من قبل.
قصة التاجر الذي حملته ببغاؤه رسالة إلى ببغاوات الهند وهو ذاهب إليها للتجارة
تاجر كان لديه ببغاء
قد حواها قفص، ذات رواء
أزمع التاجر هجران الحضر
ولأرض الهند قد رام السفر
قال للأسرة ماذا يرغب
من هدايا الهند؟ إني ذاهب
قال كل عن هواه معربا
فسخا بالوعد سمحا طيبا
سأل الببغاء ماذا تبتغين؟
من ديار الهند ماذا تشتهين؟
فأجابته: إذا نلت مناك
ذكرن بي ببغاوات هناك:
أنني، والشوق في قلبي استعر
في بلاء الحبس ألقاني القدر
قصه بازرگان كه طوطئ محبوس أو أورا پيغام داد بطوطيان هندوستان هنگام رفتن بازرگان بتجارت
بود بازرگان وأورا طوطئ
در قفص محبوس زيبا طوطئ
چونكه بازرگان سفررا سازكرد
سوى هندستان شدن آغازكرد
هر غلام وهر كنيزك رازجود
گفت بهر تو چه آرم؟ گوي زود
هر يكي از وي مرادي خواست كرد
جمله را وعده بداد آن نيك مرد
گفت طوطى را چه خواهي أرمغان؟
كآرمت أز خطه هندوستان
گفتش آن طوطي كه آنجا طوطيان
چون ببيني كن زحال من بيان
كان فلان طوطي كه مشتاق شماست
أز قضاي آسمان در حبس ماست ***
قل حملت العتب منها والسلام
وهي تستهدي سبيلا للسلام
كيف يرضيكن أني في اشتياق
أسلم الروح وأودي بالفراق
أمن الإنصاف أني في سقر؟
ولكن العيش في خضر الشجر
أكذا يلفى وفاء الأصدقاء؟
ذاك في سجن وهذا في رخاء
إيه يا سادة! فاذكرن الجريح
في ظلال المرج إبان الصبوح
ذكر الأحباب يمن للمحب
سيما ليلى ومجنون سلب
يا ندامى دمية في مرح
إنني أسقى دمي في القدح
اشربن كأسا على ذكرى الكسير
إن ترد إنصاف ذا المضني الأسير
1
برشما كرد او سلام وداد خواست
وز شما چاره وره إرشاد خواست
گفت مي شايد كه من در اشتياق
جان دهم اينجا بميرم در فراق
اين روا باشد كه من در بند سخت
كه شما بر سبزه گاهي بردرخت
اينچنين باشد وفاي دوستان
من درين حبس وشما دركلستان
ياد آريد اي مهان زين مرغ زار
يك صبوحي درميان مرغزار
ياد ياران يار را ميمون بود
خاصه كان ليلى واين مجنون بود
إي حريفان بت موزون خود
من قدحها ميخورم پرخون خود
يك قدح مي نوش كن بريادمن
گر همي خواهي كه بدهي داد من ***
أو بذكرى مدنف حلف عذاب
فاسكبن لي جرعة فوق التراب
أين هذا العهد أين القسم؟
ووعود من شفاه تبسم
إن يكن عبدك بالبعد أساء
فهل الفضل قصاص وجزاء؟
2
إن ما ينزل منك الغضب
هو من رجع المثاني أعذب
إن خيرا من رخاء شدتك
ومن الأرواح أحلى نقمتك
إن في جورك ما لا يعرف
من لذاذات وما لا يوصف
هذه نارك، أنى نوركا؟
وكذا المأتم أنى عرسكا؟
نائح غما وأخشى كرمه
أن يقل اللطف عني ألمه
يا بياد اين فتاده خاك بيز
چونكه خوردي جرعه برخاء ريز
أي عجب آن عهد وآن سوكند كو
وعدهاي آن لب چون قند كو
گر فراق بنده از بد بندگيست
چون تو بابد، بد كنى پس فرق چيست؟
آن بدى كه توكني درخشم وجنگ
با طرب تر أز سماع وبانگ چنگ
اي جفاي تو زدولت خو بتر
وانتقام توزجان محبوبتر
أز حلاوتها كه دارد جور تو
وز لطافت كس نيا بد غور تو
نار تو إنيست نورت چون بود؟
ماتم اين تاخود كه سورت چون بود؟
نالم وترسم كه أو باور كند
وز كرم آن جور را كمتر كند ***
لطفه والقهر عندي مطرب
أعشق الضدين هذا عجب
إن أجزت الشوك نحو الجنة
نحت كالبلبل أبدي حسرتي
عجبا من بلبل قد جشعا
يأكل البستان والشوك معا
بلبل؟ لا! ذاك تنين اللهب
في جواه كل مكروه يحب
عاشق الكل وعين الكل هو
عاشق النفس ويبغي عشقه
عاشقم بر قهر وبر لطفش بجد
بو العجب من عاشق اين هر دو ضد
والله أر زين خار دربستان شوم
همچو بلبل زين سبب نالان شوم
اين عجب بلبل كه بكشايد دهان
تاخورد او خار را با گلستان
اين چه بلبل اين نهنك آتشست
جملة نا خوشها زعشق اورا خوشست
عاشق كلست وخود كلست او
عاشق خويشست وعشق خويش جو
صفة أجنحة طيور العقول الإلهية
ببغاء الروح هذا المثل
من لسر الطير فينا يعقل؟
طائر طهر يرى غير شديد
كامن فيه سليمان الجنود
إن ينح في غير شكر أو بكاء
هزت الآهات أطباق السماء
صفت أجنحه طيور عقول إلهي
قصه طوطئ جان زينسان بود
كوكسي كومحرم مرغان بود
كويكي مرغ ضعيف بي گناه
واندرون او سليمان با سپا
چون بنالد زار بي شكر وكله
افتد اندر هفت كردون غلغله ***
كل حين عنده منه كتاب
منه يا ربي، ولبيك الجواب
ذنبه خير من البر يرى
كفره يعدل إيمان الورى
3
كل آن يرتقي معراجه
كل آن يتلقى تاجه
روحه في لا مكان وهو طين
لا مكان فوق وهم السالكين
لا مكان ليس مما تفهم
لك منه كل حين وهم
بل لديه لا مكان ومكان
مثل أنهار لدى أهل الجنان
4
عد عن هذا وأقصر في الخطاب
لا تقل. والله أعلم بالصواب
5
نرجع الآن حديث التاجر
تاجر الهند وهذا الطائر
هر دمش صد نامه، صد بيك از خدا
يا ربي زو، شصت لبيك از خدا
ذلت أو به زطاعت نزد حق
پيش كفرش جمله ايما نهاي خلق
هر دمي اورا يكي معراج خاص
بر سر تاجش نهد صد تاج خاص
صورتش برخاك وجان برلا مكان
لا مكاني فوق وهم سالكان
لا مكاني ني كه در فهم آيدت
هر دمي از وي خيالي زايدت
بل مكان ولا مكان در حكم او
همچو در حكم بهشتي چاز جو
شرح اين كوته كن ورخ زين بتاب
دم مزن والله أعلم بالصواب
باز مي كر ديم ما اي دوستان
سوى مرغ وتاجر هندوستان
رؤية التاجر ببغاوات الهند وإبلاغ رسالة تلك الببغاء
ورأى التاجر من بعد العناء
في بلاد الهند سرب الببغاء
وقف الركب ونادى عجلا
وأتاها مبلغا ما حملا
فإذا واحدة تنتفض
ثم تهوي ميتة لا تنبض
ندم التاجر مما وصفا
قال: قد أهلكت نفسا، أسفا
علها أخت لتلك الفاردة
رب جسمين لروح واحدة
لم أرسلت كلاما ذا ضرر؟
أحرق الطائر من هذا الخبر
ولسان المرء زند وحجر
يستطير اللفظ منه كالشرر
ديدن خواجه طوطيان هندستانرا دردشت وپيغام رسانيدن ازان طوطي
چونكه تا اقصاي هندستان رسيد
در بيابان طوطئ چندي بديد
مركب استانيد پس آواز داد
آن سلام وآن أمانت باز داد
طوطئ زان طوطيان لرزيد بس
اوفتاد ومرد وبكستش نفس
شد پشيمان خواجه از گفت خبر
گفت رفتم در هلال جانور
اين مگر خويش است با آن طوطيك
اين مگر دو جسم بود وروح يك
اين چرا كردم چرا دادم پيام
سوختم بيچاره را زين گفت خام
اين زبان چون سنك وهم آهن وشست
وانچه بجهد از زبان چون آتشست ***
احذر القدح جزافا كل حين
فاخرا أو ناقلا، لا تستبين
ظلمات وحواليك هشيم
فاحذر النيران في الليل البهيم
أحرق العالم قوم نطقوا
مغمضين العين، بئس المنطق
رب لفظ عالما قد هدما
صير الثعلب ميتا، ضيغما
6
هذه الأرواح جرح أو إسى
وهي في الأصل كعيسى نفسا
كل روح مثل عيسى خلقا
إن يزل عنها حجاب أطبقا
إن ترد قولا مثيل السكر
فدع الحرص وذي الحلوى اهجر
يأسر الأطفال للحلوى اشتهاء
وإلى الصبر طماح العقلاء
آكل الحلواء يخطو للوراء
وحليف الصبر يجتاز السماء
سنك وآهنرا مزن برهم گراف
كه ز روي نقل وكه از روي لاف
زانكه تاريك است وهرسو پنبه زار
درميان پنبه چون باشد شرار
ظالم آن قومي كه چشمان دوختند
زان سخنها عالمي را سوختند
عالمي رايك سخن ويران كند
روبهان مرده را شيران كند
جانها درا صل خود عيسى دمند
يكزمان زخمند وگاهي مرهند
گر حجاب ازجانها برخاستي
گفت هر جاني مسيح آسا ستي
گر سخن خواهي كه گويي چون شكر
صبر كن از حرص وين حلوا مخور
صبر باشد مشتهاي زيركان
هست حلوا آرزوي كود كان
هر كه صبر آورد كردون بر ردو
هر كه حلوا خورد واپس تررود
تقرير قول فريد الدين العطار رضي الله عنه (أسير النفس مت غما فمثلك بالهوى يردى
ورب القلب إن يأكل سموما تنقلب شهدا)
صاحب القلب عجيب في البشر
يأكل السم عيانا لا يضر
جاوز الحمية إذ صح البدن
إذ ترى الطالب للحمى سكن
قال للطالب خير الأنبياء: «احذرن في كل ما تبغي المراء»
7
فيك نمرودية لا تخدعن
لا تخض نارا أو ابراهيم كن
لست سباحا ولا جبت البحور
لا يطوح بك في اليم الغرور
تقرير شيخ فريد الدين عطار قدس الله روحه العزيز «تو صاحب نفسي أي غافل ميان خاك خون ميخور
كه صاحب دل اگر زهري خورد آن انكبين باشد»
صاحب دلراندارد آن زيان
گر خورد او زهر قاتل را عيان
زانكه صحت يافت وز پرهيز رست
طالب مسكين ميان تب درست
گفت بيغمبر كه اي طالب جرى
هان مكن باهيج مطلوبي مرى
در تو نمروديست در آتش مرو
رفت خواهي أول إبراهيم شو
چون نه سباح وني دريائيي
در ميفكن خويش از خود رائيي
أو ز آتش ورد أحمر آورد
أو ز قعر بحر گوهر آورد ***
يمسك الكامل في الترب النضار
ويرد الناقص التبر الغبار؟
يقبل الله عليه ينجده
فيد الرحمن في الأمر يده
ويد الناقص للشيطان يد
في حبال المكر والغدر يشد
يقلب الكامل جهلا معرفه
ويرد الناقص العلم سفه
علة يصبح ما مس العليل
ويصير الكفر دينا للكميل
تتحدى فارسا يا راجل
فتلبث للردى يا جاهل
كاملي كرخاك گيرد زر شود
ناقص ار زر برد خا كستر شود
چون قبول حق بود آن مرد راست
دست او در كارها دست خد است
دست ناقص دست شيطانست وديو
زانكه اندر دام تكليفست وريو
جهل آيد بيش او دانش شود
جهل شد علمي كه در ناقص رود
هر چه گيرد علتي علت شود
كفر گيرد كاملي ملت شود
اي مري كرده پياده باسوار
سر نخواهي برد اكنون پاي دار
تعظيم السحرة موسى وقولهم: «إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين.» وقول موسى: «بل ألقوا.»
8
ساحرو فرعون في ماضي العصور
جادلوا موسى بحقد في الصدور
غير أن القوم أعلوا قدره
قدموه وأطاعوا أمره
حين قالوا ما تراه نفعل
ألق إن شئت فأنت الأول
قال موسى: فابدءوا يا ساحرون
وأروا من سحركم ما تمكرون
فاشترى التعظيم دين الساحرين
ومحا عنهم مراء الجاحدين
إذ رأوا برهان موسى قد علا
أخطروا أيديهم والأرجلا
لقمة الكامل والنكتة حل
فاتركن هذين إن لم تكتمل
تعظيم ساحران مر موسى عليه السلام كه چه فرمائي، أول تو أندازي عصا يا ما؟ موسى عليه السلام گفت ني أول شما
ساحران در عهد فرعون لعين
چون مري كردند با موسى بكين
ليك موسى را مقدم داشتند
ساحران اورا مكرم داشتند
زانكه گفتندش كه فرمان آن تست
گرهمي خواهي عصا بفكن نخست
گفت ني أول شما اي ساحران
افكنيد آن مكرها را در ميان
اين قدر تعظيم دينشانرا خريد
كزمري آن دست وپاهاشان بريد
ساحران چون حق او بشناختند
دست وپا در جرم آن در باختند
لقمه ونكته ست كاملرا حلال
تونه كامل مخورمي باش لال ***
ذا لسان، أتت أذن تنصت
قال للآذان ربي: أنصتوا
9
انظر الطفل رضيعا لم يبن
كله في ذلك الحين أذن
ثم يبقى مدة لا ينطق
منصتا كيما يواتي المنطق
وإذا لم يرع سمعا تمتما
وثوى في الناس دهرا أبكما
والذي قد صم في خلقته
كيف يلفى النطق من حيلته
ليس إلا السمع للنطق دليل
فاطلب المنطق من هذا السبيل
وادخلوا الأبيات من أبوابها
واطلبوا الأغراض في أسبابها
10
ليس يغنى نطقه عن مسمع
غير رب العالمين المبدع
چون توكوشي او زبان ني جنس تو
كوشهارا حق بفرمود انصتوا
كودك أول چون بزايد شيرنوش
مدتي خامش بود او جمله كوش
مدتي مي بايدش لب دوختن
از سخن تا او سخن آموختن
ور ندارد كوش تي تي ميكند
خويشتن را كنك كيتي ميكند
كر أصلي نبود از آغاز كوش
لال باشد كي كند در نطق جوش
زانكه أول سمع بايد نطق را
سوى منطق ازره سمع اندرآ
وادخلوا الأبيات من أبوابها
واطلبوا الأغراض في أسبابها
نطق كان موقوف راه سمع نيست
جز كه نطق خالق بي طمع نيست ***
مبدع الخلق ولا أستاد له
مسند الكل ولا إسناد
11
له
من عداه في فعال ومقال
تابع الأستاذ محتاج المثال
إن تكن أهلا لهذا الكلم
فالزم الدلق ودمع الندم
آدم نجاه دمع نادم
نفس الثواب دمع ساجم
هجر الفردوس والسبع العوال
يطلب العفو، إلى صف النعال
آدميا إن تكن، من صلبه
فالزم السعي وكن من حزبه
لك نار القلب والدمع غذاء
نضر البستان من شمس وماء
عاشق الخبز وخدن الغافلين!
كيف تدري لذة الدمع المعين؟
مبدعست او تابع أستاد نيست
مسند جمله ورا إسناد نيست
باقيان هم در حرف هم در مقال
تابع أستاد ومحتاج مثال
زين سخن گر نيستي بيگانه
دلق واشكي گير در ويرانه
زانكه آدم زان عتاب از اشك رست
اشگ تربا شد دم توبه پرست
آدم از فردس واز بالاي هفت
پاي ما چان از براي عذر رفت
گر ز پشت آدمي وز صلب او
در طلب مي باش هم در طلب او
ز آتش دل وآب ديده نقل ساز
بوستان از ابروخورشيد ست باز
توچه داني ذوق آب ديدكان
عاشق ناني توچون ناديدكان ***
خل مخلاتك من هذا الطعام
تمتلئ درا من الدر العظام
وافطمن روحك من در الرجيم
تشرك الأملاك في قرب الرحيم
أنت للشيطان خدن فاعلما
إن تكن فظا غليظا مظلما
إنما اللقمة نور وكمال
حينما يأتي بها الكسب الحلال
إنما الزيت الذي يذكي الضياء
وهو إن يطفأ به المصباح ماء
يلد الحكمة حل اللقمة
يكسب الرقة حل اللقمة
12
وإذا يولد حقد وخصام
وهوى من لقمة فهي حرام
13
گر تواين انبان زنان خالي كني
پر ز گوهر هاي إجلالي كني
طفل جان از شير شيطان بازكن
بعد از آنش با ملك انباز كن
تاتو تاريگ وملول وتيره
دانكه باديو لعين همشيره
لقمه كونور افزود وكمال
آن بود آورده از كسب حلال
روغني كايد چراغ ما كشد
آب خوانش چون چراغي را كشد
علم وحكمت زايد از لقمه حلال
عشق ورقت زايد از لقمه حلال
چون ز لقمه تو حسد بيني ودام
جهل وغفلت زايد انرادان حرام ***
أمن البر نما حب الشعير؟
أم من الخيل ترى نسل الحمير؟
بذر اللقمة والفكر ثمر
وهي بحر ولآليه الفكر
تلد اللقمة حلا طاهرة
طاعة الله وحب الآخرة
ذا حديث ما له من آخر
فأبن لي ما حديث التاجر
هيج كندم كاري وجو بردهد
ديده اسبي كه گره خردهد
لقمه تخمست وبرش انديشها
لقمه بحر وگوهرش انديشها
زايد از لقمه حلال اندر دهان
ميل خدمت، عزم رفتن آن جهان
اين سخنرانيست پايان كن همان
بحث بازرگان وطوطي را بيان
قصص التاجر على الببغاء ما رآه من ببغاوات الهند
فرغ التاجر مما دبرا
وانثنى يحمد هذا السفرا
منح الغلمان ما قد وعدا
والجواري بالهدايا رفدا
قالت الببغاء أين الوعد أين؟
قص لي ما قد وعت أذن وعين
قال لا، لا إن حسبي ألما
عض كفي وبناني ندما
لم حملت بجهلي مألكة
فجة فيها لغيري تهلكة؟
فأجابت سيدي! فيم الندم
ما الذي آدك من سخط وغم؟
قال قد بلغت شكواك إلى
سرب أطيارك في ذاك الفلا
آدت القصة منها واحدة
أرعدت حزنا وخرت هامدة
باز گفتن بازر گان باطوطي آنچه ديد آز طوطيان هندوستان
كرد بازرگان تجارت را تمام
باز آمد سوى منزل دوست كام
هر غلامي رابياورد أر مغان
هر كنيزك را ببخشيد او نشان
گفت طوطي ار مغان بنده كو
آنچه ديدي وانجه گفتي باز كو
گفت ني من خود پشيمانم ازان
دست خود خايان وانكشتان كزان
من چرا پيغام خامي از گزاف
بردم از بي دانشي واز نشاف؟
گفت اي خواجه بشيماني زچيست
چيست آن كين خشم وعم را مقتضيست
گفت گفتم آن شكايتهاي تو
با گروه طوطيان همتاي تو
آن يكي طوطي زدردت بوى برد
زهره اش بدريد ولر زيد وبمرد ***
فدهاني أسف من ذا وهم
كيف يجدي، بعد أن قلت، الندم؟
رب لفظ من لسان قد طفر
مثل ما ينبض بالسهم الوتر
لا يرد السهم نحو الأقوس
أو يصد السيل بعد المحبس
إن يجاوز سده السيل طمى
ودها الناس بلاء عمما
تبعات الفعل غيبا تولد
ليس للناس عليهن يد
14
ذي المواليد إلينا تنسب
وهي خلق الله طرا فاعجبوا
إن غدا زيد لعمرو راميا
فأصاب السهم عمرا داميا
وإن الجرح إلى الحول استمر
يخلق الأوجاع ربي لا البشر
من پشيمان كشتم اين گفتن چه بود
ليك چون گفتم پشيماني چه سود؟
نكته كان جست ناكه از زبان
همچو تيري دانكه جست او از كمان
وانكردد ازره آن تير اي پسر
بند بايد كرد سيلي را زسر
چون كذشت از سر جهاني را كرفت
گرجهان ويران كند نبود شكفت
فعل را در غيب اثرها زاد نيست
وان مواليد ش بحكم خلق نيست
بي شريكي جمله مخلوق خداست
آن مواليد ار چه نسبتشان بماست
زيد پرانيد تيري سوى عمرو
عمرو را بگرفت تيرش همچو نمر
مدتي سالي همي زاييد درد
درد هارا آفريند حق نه مرد ***
زيد الرامي إذا أردى الوجل
وبقي عمرو جريحا للأجل
مات عمرو من مواليد الوصب
سم زيدا قاتلا فهو سبب
وجع السهم إليه نسبته
وهو صنع الله جلت قدرته
وكذا صيد وزرع وولد
ذي المواليد إلى الحق ترد
أولياء الله من قدرته
يرجعون السهم عن وجهته
وقفوا دون المواليد السبب
منة الله عليهم لا عجب
هو بالعلم ولطف الحيل
يجعل القول كأن لم يقل
15
سالبا من سامع ما سمعا
ماحيا من كل قلب ما وعى
إن ترد من حجة تدلي بها
فاقرأن «من آية أو ننسها»
16
زيد رامي آن دم ار مرد از وجل
درد هامي زايد انجا تا اجل
زان مواليد وجع چون مرد او
زيد را ز اول سبب قتال گو
آن وجعها را بد ومنسوب دار
گرچه هست آن جمله صنع كرد كار
همنچين كشث ودم ودام وجماع
آن مواليد ست حقرا مستطاع
اوليا را هست قدرت از إله
تير جسته باز كرداند ز راه
بسته در هاي مواليد از سبب
چون بشيمان شد ولي زان دست رب
گفته نا گفته كند از فتح باب
كه ازان ني سيخ سوزد ني كباب
از همه دلها كه آن نكته شنيد
آن سخن را كرد محو ونا پديد
گرت برهان بايد وحجت مهاء
باز خوان: من آية أو ننسها ***
واقرأن «أنسوكم ذكري» وقل
قدرة الإنساء فيهم. لا تحل
17
قدرة النسيان والذكرى لهم
فقلوب الناس تقفو أمرهم
وإذا النسيان عاق النظرا
عجز الفاعل مهما مهرا (خلتمو سخرية أهل السمو)
فاقرءوا في الذكر قد «أنسوكمو»
18
صاحب القلب على القلب ملك
صاحب الأرض جسوما يمتلك
عمل الإنسان فرع للنظر
إنما الإنسان إنسان البصر
حسبي القول، بهذا أجتزي
قد حماني القول أهل المركز
آيت انسوكم ذكري بخوان
قدرت نسيان نهادن شان بدان
چون بتذكير وبه نسيان قادر ند
برهمه دلهاي خلفان قاهر ند
چون بنسيان بست أو راه نظر
كارنتوان كرد ور باشد هنر
خلتمو سخرية أهل السمو
از نبي خوانيد تا أنسوكم
صاحب ده پاد شاه جسمهاست
صاحب دل شاه دلهاي شماست
فرع ديذ آمد عمل بي هيج شك
پس نباشد مردم الا مردمك
من تمام اين نيارم گفت ازان
منع مي آيد زصاحب مركزان ***
إن يكن نسيانهم أو ذكرهم
في يديه وهو معوان لهم
19
فهو يمحو الكثر من خير وشر
كل يوم من قلوب للبشر
يملأ الألباب منها بالنهار
يملأ الأصداف من در البحار
20
تدرك الأرواح من أفكارها
ما وعت من قبل من أسرارها
تفتح الأسباب أبوابا عليك
حين يأوي العلم والصنع إليك
ليس يعطى القين صنع الصائغ
وبليد الطبع طبع النابغ
وصفات المرء من دون ارتياب
عدة تأتي له يوم الحساب
چون فرامو شيء خلق ويادشان
باويست واو رسد فرياد شان
صد هزاران نيك وبدرا آن بهي
مي كند هرشب زد لها شان تهي
روز دلهارا ازان پر ميكند
آن صدفها را پر از در ميكند
آن همه انديشه پيشا نها
مي شناسد از هدايت جانها
پيشه وفرهنك تو آيد بتو
تادر أسباب بكشايد بتو
پيشه زركر بآهنكر نشد
خوي اين خوشخو بآن منكرنشد
پيشها وخلقها همچون جهيز
سوى خصم آيند روز رستخيز ***
وكذا ترجع من بعد المنام
نحو أصحاب حووها، في نظام
وهي طير عود حين الصباح
حيث كانت من حسان أو قباح
مسرعات كحمام الزاجل
تبتغي المثوى بشوق عاجل
پيشها وانديشها از بعد خواب
واپس آيدهم بخصم خود شتاب
پيشها وانديشها در وقت صبح
هم بدانجا شدكه بود آن حسن وقبح
چون كبوتر هاي پيك از شهرها
سوي شهر خويش آرد بهرها
سماع هذه الببغاء بما فعلت تلك الببغاوات وموتها في القفص ونوح سيدها عليها
سمع الطائر هذا فارتعد
وهوى للأرض حزنا وبرد
21
مزق الجيب هلوعا فزعا
إذ رأى التاجر ما قد وقعا
قال يا خدني الجميل المطربا
ما أرى؟ ماذا دهى؟ وا كربا!
حسرتاه للنجي المؤنس
طائري الغريد زين المجلس
طائري يا مبدع الألحان لي
راح روحي روضة الريحان لي
22
لو سليمان حواه ظافرا
لم يقرب غير هذا طائرا
شنيدن آن طوطي حركت آن طوطيان ومردن آن طوطي در قفص ونوحه خواجه بروي
چون شنيد آن مرغ كان طوطي چه كرد
هم بلرزيد وفتاد وگشت سرد
چون بدين رنگ وبدين حالت بديد
خواجه برجست وگريبانش دريد
گفت اي طوطئ خوب وخوش حنين
اين چه بودت اين چراكشتي چنين
اي دريغا مرغ خوش آواز من
اي دريغا همدم وهمراز من
اي دريغا مرغ خوش الحان من
راح روح وروضه ريحان من
گر سليمانرا چنين مرغى بدي
كي خوداو مشغول آن مرغان شدي ***
طائرا أحرزت في غير عناء
غاب عن وجهي سريعا، للشقاء
يا لساني أنت ضري العاجل
كيف أنهاك وأنت القائل؟
يا لساني أنت نار وجرين
كم تشب النار في الجرن الثمين
23
منك روحي في خفاء تعول
وهي ما قلت لها تمتثل
يا لساني أنت كنز لا يعد
يا لساني أنت غم لا يحد
أنت للطير خداع وصفير
24
أنت في الهجر أنيس وسمير
قلما تؤمنني يا غادرا
يوتر القوس لرميي جائرا
قد أطرت اليوم هذا الطائرا
كم بمرعى الجور ترعى سادرا
اي دريغا مرغ كارزان يافتم
زود روي از روي او برتافتم
اي زبان توبس زياني مر مرا
چون توئي كو ياچه گويم من ترا
اي زبان هم آتش وهم خرمني
چند اين آتش در اين خرمن زني
در نهان جان أز تو أفغان ميكند
گرچه هرچه كوئيش آن ميكند
اي زبان هم كنج بي پايان توئي
اي زبان هم رنج بي درمان توئي
هم صفير وخدعه مرغان توئي
هم أنيس وحشت هجران توئي
چند أمانم مي دهي إي بي أمان
إي توزه كرده بكين من كمان
نگ بپرانيده مرغ مرا
در چرا كاه ستم كم كن چرا ***
أنصفني أو أجبني يا غرور
أو فذكرني بأسباب السرور
حسرتا للصبح يمحو ظلمتي
حسرتا للنور يجلو غمتي
طائري الطيار، حتى مبدئي
طار من عند القديم المبدئ
يعشق الكدح جهول للأبد
أتل «لا أقسم» حتى في كبد
25
كنت من وجهك خلوا من كبد
صرت في نهرك صفوا من زبد
26
هذه الآهات شوق النظر
وانقطاع من وجود مدبر
27
يا جواب من بگو يا داد ده
يا مرا زاسباب شادي ياد ده
اي دريغا صبح ظلمت سوز من
اي دريغا نور روز افروز من
اي دريغا مرغ خوش پرواز من
زانتها پر يده تا آغاز من
عاشق رنجست نادان تا ابد
خيز لا أقسم بخوان تا في كبد
از كبد فارغ بدم باروي تو
واز زبد صافي شدم در جوي تو
اين دريغاها خيال ديدنست
وز وجود نقد خود ببريدنست ***
غيرة الحق فماذا أصنع؟
حكمه في كل قلب يصدع
28
هو غير الكل، هذي غيرته
فوق كل الوصف تعلو صفته
ليت دمعي كان بحرا زاخرا
ونثارا لحبيبي طاهرا
ببغائي طائري هذا الذكي
ترجمان الفكر والسر لدي
كل ما قد جاء من نفع وضر
قال لي من قبل كيما أدكر
طائر بالوحي كانت صيحته
قبل هذا الخلق كانت بدأته
ببغاء فيك تخفي نفسها
وترى في ذا وهذا عكسها
غيرت حق بود با حق چاره نيست
كودلي كز حكم حق صد پاره نيست
غيرت آن باشدكه او غيز همست
انكه افزون از بيان ودمدمه ست
اي دريغا أشك من دريا بدي
تا نثار دلبر زيبا بدي
طوطئ من مرغ زيرك سار من
ترجمان فكرت وأسرار من
هرچه روزي داد وناداد آيدم
او ز أول كفته تا ياد آيدم
طوطئ كآيد ز وحي آواز او
پيش از آغاز وجود آغاز أو
اندرون توست ان طوطى نهان
عكس اورا ديده توبرأين وآن ***
فرح منها ومنها غمكا
وتراءى جورها عدلا لكا
29
محرق الروح لأجل الجسم! من
يحرق الروح لتنوير البدن؟
احترقت اليوم هيا فاقبسوا
حين يبغى لهشيم قبس
30
فخذوا للوقد ما يحترق
يجذب النار إليه المحرق
كربتي، وا كربتي ، وا كربي
غم هذا البدر تحت السحب
كيف لي القول وقلبي مستعر
وهزبر الهجر عات في سعر
من يرى سكران فظا إن صحا
كيف إن نالت يداه القدحا؟
مى برد شاديت را توشاد ازو
مى پذيري ظلم را چون داد ازو
اي كه جان از بهرتن مي سوختي
سوختي جان را وتن افروختي
سوختم من سوخته خواهد كسي
تا زمن آتش زند اندر خسي
سوخته چون قابل آتش بود
سوخته بستان كه آتش كش بود
اي دريغا اي دريغا اي دريغ
كان چنان ماهي نهان شد زير ميغ
چون زنم دم كآتش دل تيز شد
شير هجر آشفته وخونريز شد
آنكه او هوشيار خود تندست ومست
چون بود او چون قدح گيرد بدست ***
أسد غضبان أعيت صفته
بفسيح المرج ضاقت همته •••
قال حبي والقوافي شغل:
بسوى وجهي أنى تشغل؟
31
اتركنها واقعدن في عافيه
أنت للسعد أمامي قافيه
تبتغي الحرف! أفي الحرف أرب
إنه الشوك لبستان العنب
32
أمحق الحرف وأقوال الفم
وأناجيك بغير الكلم
نفس عن آدم أخفيته
لك يا سر الورى أبديته
ذاك قول لم أقله للخليل
ذاك غم لم يذقه جبرئيل
شير مستي كز صفت بيرون بود
از بسيط مر غزار افزون بود •••
قافيه انديشم وذلدار من
كويدم منديش جزديدار من
خوش نشين اي قافيه انديش من
قافيه دولت توئي در پيش من
حرف چه بود تاتوا انديشي ازان
حرف چه بود خار ديوار رزان
حرف وصوت وگفت رابرهم زنم
تاكه بي اين هرسه باتودم زنم
آن دمي كز آدمش كردم نهان
باتو گويم اي تو أسرار جهان
ان دمي راكه نگفتم با خليل
وان غمي راكه نداند جبرئيل ***
نفس ذا ما لعيسى بينا
غيرة الحق حمته غيرنا «ما» لإثبات ونفي في الكلم
لست إثباتا أنا نفي العدم
33
قد أصبت الذات في اللاذات لي
فأضعت الذات في النفي الجلي
34
كل ملك هو عبد للعبيد
كل إنسان فقيد للفقيد
35
يصبح الصياد صيدا للطيور
لتصير الطير صيدا بالغرور
اندمي كزوي مسيحا دم نزد
حق ز غيرت نيز بي ما هم نزد
ما چه باشد در لغت اثبات ونفي
من نه اثباتم منم بي ذات ونفي
من كسي در نا كسي در يافتم
پس كسي در نا كسي در باختم
جمله شاهان بنده بنده خودند
جمله خلقان مرده مرده خودند
مي شود صياد مرغانرا شكار
تاكند ناگاه ايشانرا شكار ***
كل حب طالب للوامق
وكذا المعشوق صيد العاشق
كل ذي عشق ترى فهو يحب
فهو بالنسبة محبوب محب
يبتغي الماء الذي قد عطشا
وكذاك الماء يبغى العطشا
إنه العاشق لا تنطق إذن
وكن الأذن إذا يبغى الأذن
احبس السيل إذا ما هدرا
أو تجده طاغيا قد دمرا
36
لا أبالي فعله إن يخرب
فكنوز الملك تحت الخرب
وغريق الحق يشتاق المزيد
مثل بحر الروح في موج شديد
37
بي دلان را دلبران جسته بجان
جمله معشوقان شكار عاشقان
هر كه عاشق ديد يش معشوق دان
كو بنسبت هست هم اين وهم آن
تشنگان گر آب جويند از جهان
آب جويد هم بعالم تشنكان
چونكه عاشق أوست توخاموش باش
أو چو گوشت مي كشدتو گوش باش
بند كن چون سيل سيلا بي كند
ورنه رسوايي وويراني كند
من چه غم دارم كه ويراني بود
زير ويران كنج سلطاني بود
غرق حق خواهد كه باشد غرق تر
همچو موج بحرجان زيرو زبر ***
قعره أو موجه لي أطيب؟
سهمه أو ترسه لي أعذب؟
أنت بالوسواس يا قلبي كسير
إن تفرق بين غم وسرور
كوكب منه يدي ألف هلال
ودم العالم إن يسفك حلال
38
قد أصبنا دية والثمنا
فعجلنا نبذل الروح هنا
إن في الموت حياة للمحب
لا تصيب القلب إلا إن سلب
قلبه أبغى، وفي ألف دلال
هو يوليني تعلات الملال
39
قلت: فيك الروح والعقل غرق
قال: فاذهب ذاك إفك تختلق
لست أدري كيف أبصرت الصديق
رائي الاثنين جاوزت الطريق
زير دريا خوشتر آيد يا زبر
تير او دلكش تر آيد يا سپر
پاره كرده وسوسه باشي دلا
گر طربرا باز داني از بلا
هر ستارش خو بنهاي صد هلال
خون عالم ريختن أورا حلال
ما بها وخونبهارا يا فتيم
جانب جان باختن بشتا فتيم
إي حيات عاشقان درمر دگي
دل نيابي جز كه در دل برد گي
من دلش جستم بصد ناز ودلال
او بهانه كرده بامن أز ملال
گفتم آخر غرق تست اين عقل وجان
كفت رو رو برمن اين افسون مخوان
من ندانم انچه انديشيده
أي دوديده دوست راچون ديده ***
يا ثقيل الروح هينا خلته
حينما بالرخص قد أحرزته
من يحز بالرخص ينفق بالغرر
يشتري الطفل رغيفا بالدرر
غصت في عشق وعشق الأولين
غارق فيه وعشق الآخرين
مجملا قلت، وجانبت البيان
تحرق الأفهام فيه واللسان
أنا من كثرة قولي أخرس
أنا من حلو كلامي أعبس
كي نواري حلونا عن كل عين
في عبوس الوجه بين العالمين
لا يسوغ القول في كل أذن
ذرة أشرح من سر لدن
40
إي گران جان خوار ديدستي ورا
زانكه بس أرزان خريدستي ورا
هر كه أو أرزان خرد ارزان دهد
گوهري طفلي بقرصي نان دهد
غرق عشقي ام كه غرقست اندرين
عشقهاي أولين وآخرين
مجملش گفتم نكردم زان بيان
ورنه هم افهام سوزد هم بيان
من ز شيريني نشستم روي ترش
من ز بسيارئ گفتارم خمش
تاكه شيرينئ ما أز دو جهان
در حجاب رو ترش باشد نهان
ناكه در هر گوش نايد إين سخن
يك همي گويم ز صد سر لدن
تفسير قول الحكيم سنائي رحمة الله عليه
فما يثنيك عن سير سواء؛ كفر ام إيمان
وما يقصي عن الحب سواء حسن ام قبح
41 •••
غيرة في الكون عمت لا تحد
ولها من غيرة الحق مدد
هو كالروح وذا الكون جسد
منه بالخير وبالشر يمد
كل من محرابه للنسك عين
انتحاه وجهة الإيمان شين
كل من صار نديما للملك
خاسر في بعده مهما ملك
من يجالس ملكه في قربه
فجلوس الباب إزراء به
تفسير قول حكيم سنائي رحمة الله عليه
بهر چه از راه واماني
چه كفر آن حرف چه إيمان
بهر چه از دوست دور افتي
چه زست آن نقش وچه زيبا •••
جمله عالم زان غيور آمد كه حق
برد در غيرت برين عالم سبق
أو چو جانست وجهان چون كالبد
كالبد أزجان پذيرد نيك وبد
هر كه محراب نمازش گشت عين
سوى ايمان رفتنش ميدان تو شين
هر كه شد مر شاهرا أو جامه دار
هست خسران بهر شاهش اتجار
هر كه با سلطان بود أو همنشين
بر درش شستن بود حيف وغبين ***
من بتقبيل يد الملك نعم
ضل إن آثر تقبيل القدم
من رأى الوجه ويختار القدم
غيرة الملك عليه تحتدم
42
غيرة الحق كبر البيدر
غيرة الناس هشيم قد ذري
أصل ذي الغيرة من عند الإله
فرعها في الناس من دون اشتباه
أدع الشرح وأبدي أنتي
من حبيب ذي قلوب عشرة
أنة لي؛ إنه يرضى الأنين
والجوى والغم بين العالمين
43
لا أراني في سكارى حلقته
كيف لا أبكي دما من قصته؟
دست بوسش چون رسدا زياد شاه
گر كزيند بوس پا باشد گناه
شاهرا غيرت بود بر هر كه او
پا گز بيد بعد ازان كه ديد رو
غيرت حق بر مثل كندم بود
كاه خرمن غيرت مردم بود
أصل غيرتها بدانيدا أز إله
آن خلقان فرع حق بي اشتباه
شرح اين بگذا رم وگيرم گله
از جفاي آن نكار ده دله
نا لم إيرا نالها خوش آيدش
در دو عالم نا له وغم بايدش
چون ننا لم تلخ أز دستان أو
چون نيم در حلقه مستان أو ***
أنا كالليل بلا صبح ينير
وجهه عندي هو الصبح المنير
لذة في الروح عندي ألمي
وفدى من آلم القلب دمي
أبتغي غمي وأهوى نصبي
في رضا ملكي الفريد المنصبي
أكحل العينين من ترب الكدر
مالئا بحريهما حر الدرر
إن دمعا في جواه ينهمر
يرتئيه الناس دمعا وهو در
خلتني من روح روحي شاكيا
شاكيا لست ولكن حاكيا
قال قلبي أنا منه في عناء
وأنا أضحك من هذا الرياء
اصدقني أنت فخر الصادقين
أنت صدر وأنا ترب مهين
لا ترى صدرا هنا أو ترب باب
لا أنا أو نحن في ذاك الجناب
چون نبا شم همچو شب بي روز أو
بي وصال روي روز افروز أو
نا خوش او خوش بود برجان من
جان فداي يار دل رنجان من
عاشقم بر ربخ خويش ودرد خويش
بهر خشنودئ شاه فرد خويش
خاك غمرا سر مه سازم بهر چشم
تاز گوهر پر شود دو بحر چشم
اشك كان از بهر أو بارند خلق
گوهر ست واشك پندار ند خلق
من زجان جان شكايت ميكنم
من نيم شاكي روايت مي كنم
دل همي گويد أز ورنجيده ام
وز نفاق سست مي خنديده ام
راستي كن اي تو فخر را ستان
اي تو صدر ومن درت را آستان
آستان صدر در معنى كجاست
ما ومن كو آن طرف كان يار ماست ***
أنت في الزوجين روح لطفا
44
من أنا أو نحن روح قد صفا
أنت، إن يتحدا، ذا الواحد
حينما الآحاد تمحى توجد •••
كان هذا، اقبلن يا أمر «كن»
يا عليا عن هيا أو أقبلن
قد يراك الجسم جسما في الوهم
خائلا أنك في ضحك وغم
إن قلبا قيده ضحك وهم
ليس للرؤية أهلا لو علم
من يحزه ذا وذا في ناحية
عاش في هذين عيش العارية
إنما العشق كبستان نضر
فيه، غير الغم والضحك، ثمر
فوق هذين سما العشق الرفيع
ناضرا دون خريف وربيع
اي رهيده جان تو ازما ومن
اي لطيفه روح اندر مرد وزن
مرد وزن چون يك شودآن يك تويي
چونكه يكها محو شد آنك تويي •••
اين همه هست وببا اي امركن
اي منزه از بيا واز سخن
چشم جسمانه تواند ديدنت
در خيال آرد غم وخنديد نت
دل كه او بسته غم وخنديد نست
تو مگو گو لايق آن ديدنست
آن كه أو بسته غم وخنده بود
أو بدين دو عاريت زنده بود
باغ سبز عشق كوبي منتهاست
جز غم وشادي دروبس ميوها ست
عاشقي زين هر دوحالت برترست
بي بهار وبي خزان سبزو ترست ***
يا صبيحا زك وجها صبحا
وأعد شرح فؤاد شرحا
كل حين في فؤادي ميسم
من دلال في عيون يكلم
فدمي أحللته إما نظر
كلما أحللته، مني نفر
لم تصب الغم في القلب المذاب
إن كرهت النوح من أهل التراب
قد رآك الصبح حين الفلق
فائض النور كعين المشرق
أنت في كون البلى روح جديد
فاسمعن أنات ذا الجسم الفقيد
دع حديث الورد بالله احك لي
كيف بعد الورد حال البلبل؟
وجدنا ليس لغم وسرور
صحونا ليس لوهم أو غرور
حالة أخرى لدينا نادرة
قدرة الحق لدينا ظاهرة
ده زكات روي خوب أي خوب رو
شرج جان شرحه شرحه باز گو
كز كرشمه غمزه غمازه
بر دلم بنهاد داغ تازه
من حلالش كردم أرخونم بريخت
من همي گفتم حلال؟ أو مي گريخت
چون گريزاني زناله خاكيان
غم چه ريزي بردل غمناكيان
اي كه هر صبحي كه أز مشرق بتافت
هم چو چشمه مشرقت درجوش يافت
اي جهان كهنه را تو جان نو
أز تن بي جان ودل أفغان شنو
شرح گل بكذا ر ازبهر خدا
شرح بلبل گوكه شد از گل جدا
أز غم وشادي نباشد جوش ما
با خيال ووهم نبود هوش ما
حالتي ديكر بود كان نادر ست
تومشو منكر كه حق بس قادر ست ***
ما بحال الناس تدري غورها
لا تصف إحسانها أو جورها
كل ذي الأوصاف أمر حادث
مائتات والإله الوارث
موئل الصبح! لقد لاح الصباح
فحسام الدين بشر بالفلاح
45
نحن، والصبح بدا، من نوركا
في صبوح نحتسي من خمركا
نلت من فيضك هذي الرتبا
ما تكون الخمر حتى تطربا؟
فورة الصهباء جدوى وجدنا
دورة الأفلاك جدوى صحونا
46
نسكر الخمرة لا تسكرنا
نوجد القالب لا يوجدنا
تو قياس از حالت إنسان مكن
منزل اندر جور ودر إحسان مكن
جور وإحسان رنج وشادي حادثست
حادثان ميرند وحق شان وارثست
صبح شد اي صبح رابشت ونپاه
عذر مخدومي حسام الدين بخواه
تافت نور صبح وما أز نور تو
در صبوحي بامي منصور تو
داده تو چون چنين دارد مرا
باد كه بود كوطرب آرد مرا
باده درجوشش كداي جوش ماست
چرخ در كردش كداي هوش ماست
باده از ما مست شد ني ما ز أو
قالب أز ما هست شدني ما ز أو ***
نحن كالنحل وكالموم الجسوم
قد تخذنا الدور فيها لنقيم
ما چو زنبوريم وقالبها چو موم
خانه خانه كرده قالب راچو موم
رجوع إلى حكاية التاجر
ذا حديث ما له من آخر
عد إلى قصة ذاك التاجر:
ظل هذا في زفير وحنين
يرسل القول شتيتا كل حين
بين هتر ودلال وضرع
بين حق ومجاز وولع
وكذا الغارق يضني جهده
منشبا في كل شيء يده
جاهدا أعضاءه لا تستقر
يطلب النجدة من هذا الخطر
ويحب الحق هاتيك الجهود
جهدك الخائب خير من رقود
رجوع بحكايت خواجه تاجر
بس درازست إين حديث خواجه گو
تا چه شد احوال آن مرد نگو
خواجه اندر آتش ودرد وحنين
صد پرا كنده همي گفت اينچنين
گه تناقض گاه ناز وگه نياز
گاه سوداي حقيقت گه مجاز
مرد غرقه كشته جاني مي كند
دست را بر هر كياهي مي زند
تا كدامش دست گيرد در خطر
دست وپايي مي زند أز بيم سر
دوست دارد يار اين آشفتگي
كوشش بيهوده به أز خفتگي ***
لا يخلي العمل الملك العظيم
يا صحيحا نوحه نوح السقيم
47
سورة الرحمن فيها يا فتى «كل يوم هو في شأن» أتى
فانصبن في ذا الطريق واجهدا
لا تضيع نفسا حتى الردى
لا تضيع فعسى في لمحة
تغتدي في لطفه والرحمة
كل مسعاة لأنثى أو ذكر
أذن الملك إليها والنظر
آنكه او شاهست او بيكارنيست
ناله أزوي طرفه كوبيمار نيست
بهر اين فرمود وحمان اي پسر
كل يوم هو في شان اي پسر
اندرين ره مي تراش ومي خراش
تا دم آخر دمي فارغ مباش
تا دم آخر دمي آخر بود
كه عنايت باتو صاحب سربود
هرچه كوشد جان كه در مردوزنست
گوش وچشم شاه جان برروزنست
إلقاء التاجر الببغاء الميتة من القفص وطيران الببغاء
ورمى من بعد هذي الببغاء
فعلت غصنا رفيعا في الفضاء
طارت الببغاء في آفاقها
كشعاع الشمس في إشراقها
حير السيد جدا أمرها
كان مخفيا عليه سرها
فانتحاها صائحا يا عندليب
بيني لي ذلك الحال العجيب
ما الذي أوحته تلك الببغاء؟
لك مكر نال مني ودهاء
فأجابت: فعلها أوحى إلي:
أن دعي الحسن وذا الصوت الرضي
أنت في سجن بهذا المنطق
موتها أوحى بنصح المشفق
برون انداختن مرد تاجر طوطى را أز قفس وپريدن طوطئ مرده
بعد از انش از قفص بيرون فكند
طوطيك پريد تا شاخ بلند
طوطئ مرده چنان پرواز كرد
كافتاب از شرق ترك وتاز كرد
خواجه حيران گشت اندر كار مرغ
بي خبر تاكه بديد أسرار مرغ
روي بالاكرد وگفت اي عندليب
از بيان حال خود مان ده نصيب
او چه كرد انچه كه تو آموختي
ساختي مكري ومارا سوختي
گفت طوطى كو بفعلم پند داد
كه رهاكن لفظ وآواز وكشاد
زانكه آوازت ترا در بند كرد
خويش را مرده پي ان پند كرد ***
مطرب الأقوام من عم
48
وخاص
إن تمت مثلي تظفر بالخلاص
إن تكن وردا بطفل تقتطف
أو تكن حبا بفرخ تختطف
استر الحب وكن كالشبك
واستر الورد وكن كالحسك
من يصير حسنه رهن المزاد
يسرع الشر له من كل واد
49
ينزل السخط عليه والغضب
من أولي الحقد كأفواه القرب
يقطع الخل عليه وقته
ويروي الخصم منه مقته
أيها الغافل عن غرس الربيع
كيف تدري قيمة الوقت السريع
يعني اي مطرب شده با عام وخاص
مرده شو چون من كه تا يا بي خلاص
دا نه باشي مرغكانت برچنند
غنچه باشي كودكانت بر كنند
دا نه پنهان كن بكلي دام شو
غنچه پنهان كن كياه بام شو
هركه داد او حسن خود را در مزاد
صد قضاي بد سوى او رو نهاد
چشمها وخشمها ورشكها
بر سرش ريزد چو آب از مشكها
دشمنان اورا ز غيرت مي درند
دوستان هم روزكارش مي برند
اوكه غافل بود از كشت بهار
او چه داند قيمت اين روز گار ***
فإلى لطف الإله الملتحد
وهب الأرواح لطفا لا يحد
إن تجد في لطفه ملتحدا
صار منك الماء والنار فدى
ما ترى الماء لنوح نصرا؟
ولموسى، ولقوم دمرا
حمت ابراهيم نار حاميه
زلزلت نمرود ذاك الطاغيه
ودعا يحيى إليه الجبل
فرمى الأعداء منه جندل
قال: يا يحيى اتخذني حاميا
لأرد السيف عنك الماضيا
پس پناه لطف حق بايد گريخت
كو هزاران لطف برا رواح ريخت
نا پناهي يابي انگه چون پناه
آب وآتش مرترا كردد سپاه
نوح وموسى را نه دريا يارشد
ني بر اعدا شان بكين قها رشد
آتش إبراهيم را نه قلعه بود
تا بر آورد از دل نمرود دود
كوه يحيى رانه سوى خويش خواند
قاصد انش را بزخم سنك راند
كفت اي يحيى بيادرمن كريز
نا پناهت باشم از شمشير تيز
توديع السيد الببغاء وطيرانها
نصحته الببغا ذات الهيام
ثم نادت بفراق وسلام
في أمان الله، قال السيد
بان لي مما نصحت الرشد
إن هذا النصح نصح صائب
نهجها أقفو فهذا لاحب
ليس روحي دون هذا الطائر
إنما الروح دليل الحائر
وداع كردن طوطى خواجه راو پريدن او
بك دويندش داد طوطى پر مذاق
بعد ازان گفتش سلام والفراق
خواجه گفتش في أمان الله برو
مرمرا اكنون نمودي راه نو
خواجه باخود گفت كين پندمنست
راه او گيرم كه راه روشنست
جان من كمتر ز طوطى كي بود
جان چنين بايد كه نيكوپى بود
مضرة اشتهار الإنسان وتعظيم الخلق إياه
قفص للروح هذا البدن
يبن غش ظاهر أو يبطن
من مناد: أنا خل أصطفيك
ومناد: بل أنا نعم الشريك
ومناد: أنت فرد في الوجود
بين إفضال وإحسان وجود
مضرت تعظيم خلق وانكشت نماي شدن
تن قفص شكلست تن شد خارجان
در فريب داخلان وخارجان
انيش گويد من شوم همراز تو
وانش گويد ني منم انباز تو
اينش گويدنيست چون تودر وجود
در جمال وفضل ودر إحسان وجود ***
ومناد: لك ما في العالمين
أعبد أرواحنا من غير مين
ذاك يدعوه لأوقات السرور
ذاك يدعوه لعيش وحبور •••
يركب الرأس هوى من عجبه
حين يلقى الخلق مفتونا به
ما درى كم قبله ممن بطر
قد رمى الشيطان في ماء النهر؟
لقمة لذت نفاق البشر
فاحذرن ما تحتوي من شرر
لذة تبدو، ونار كامنة
آخر الأمر تراها داخنة
لا تقل: «أنى بمدح أفتن
هو يبغي الرفد، إني فطن»
فمتى يهجك هذا المادح؟
دام في قلبك غيظ جارح
انش گويد هر دو عالم آن تست
جمله جانهامان طفيل جان تست
إينش خواند گاه نوش وخر مي
آنش خواند گاه عيش وهمد مي •••
اوچو بيند خلق را سرمست خويش
از تكبر ميرود از دست خويش
او نداند كه هزار انرا چو او
ديوا فكندست اندر آب جو
لطف سالوس جهان خوش لقمه ايست
كمترش خور كان پر آتش لقمه ايست
آنشش پنهان وذوقش آشكار
دود او ظاهر شود پايان كار
تومگو كان مدح را من كي خورم
أز طمع مي گويد او پى مي برم
مادحت گز هجو گويد در ملا
روزها سوزد دلت زان سوزها ***
يكتوي القلب بهذا الأثر
فقس المدح عليه تبصر
فكذاك المدح يبقى أثره
أصل كبر وخداع تضمره
فلأن المدح حلو يستر
ولأن القدح مر يظهر
مثل ما تجرع من مر الدواء
فترى الباطن منه في عناء
لكن الحلوى لها ذوق وحي
مستساغ لمحة وهو شهي
ليس يبقى ظاهرا بل يستتر
فاعرف الضد بضد واعتبر
50
أثر السكر يبقى خافيا
فترمي الدمل منه باديا
آن أثر مي ماندت در اندرون
در مديح اين حالتت هست آزمون
ان اثرهم روزها باقي بود
مايه كبر وخداع جان شود
ليك ننمايد چو شيرينست مدح
بد نما يد زانكه تلخ افتاد قدح
همچو مطبوخست وحب كانراخوري
تا بديري شورش ورنج اندري
در خوري حروا برد ذوقش دمي
اين اثر چون او نمي يا بد همي
چون نمي پا يد همي پا يد نهان
هر ضدي را تو بضد آن بدان
چون شكر پايد نهان تأثيراو
بعد حيني دمل آردنيش جو ***
نفسنا بالمدح فرعون ترد «كن ذليل النفس هونا لا تسد»
لا تكن ملكا وكن عبدا صبر
لا تك المضراب، واصبر كالأكر
أو فأبصر حين لا يبقى الجمال
كيف تلقى من نداماك الملال
فترى من كان يسميك العظيم
حين يلقاك، يسميك الرجيم
من تجئ منهم ترجي نصره
قال: ميت شق عنه قبره
يقصد الشيطان إنسانا لشر
صرت شرا منه إن يبصرك فر
كان يقفوك وأنت الآدمي
ساقيا إياك كأس الآثم
حينما شاركته الطبع الذميم
صار يعدو منك إذ أنت الأثيم
نفس از بس مدحها فرعون شد (كن ذليل النفس هونا لا تسد)
تا تواني بنده شو سلطان مباش
زخم كش چون كوي چون چوكان مباش
ورنه چون لطفت نماندوين جمال
از تو آيد آن حريفان را ملال
آن جماعت كت همي دادند ريو
چون به بينندت بگويندت كه ديو
جمله گويندت چو بينندت بدر
مرده از كور خود بر كرد سر
دير سوى آدمي شد بهر شر
سوى تو نايد كه از ديوي بتر
تاتو بودي آدمي ديو از پيت
مي دويد ومي چشانيد او ميت
چون شدي در خوي ديوي استوار
مي گريزد از تو ديو اي نا بكار ***
من يداه أمس جرت ذيلكا
إن رآك اليوم يهرب، ويلكا!
آنكه اندر دا منت آويختند
چون چنين گشتي زتو بكر يختند
تفسير ما شاء الله كان
كل هذا قولنا لكننا
عدم إن لم يعنا ربنا
دون عون الحق يلفى من سلك
أسود الصحف ولو كان الملك
يسر الحاجات طرا يسركا
ومحا الأسماء طرا ذكركا
يا إلهي ذا الهدى أعطيتنا
وبهذا الفضل تخفي عيبنا
قطرة العلم التي من أنعمك
رب، صلها بطوامي أبحرك
تفسير ما شاء الله كان
اين همه گفتيم ليك اندر بسيچ
بي عنايات خدا هيچيم هيچ
بي عنايات حق وخاصان حق
كر ملك باشد سياهستش ورق
اي خدا از فضل تو حاجت روا
باتو ياد هيچكس نبود روا
اين قدر إرشاد تو بخشيده
تا بدين بس عيب ما پو شيده
قطره دانش كه بخشيدى زپيش
متصل كردان بدر ياهاي خويش
قطره علمست اندر جان من
وا رهانش از هوا وزخاك تن ***
لا تدعها في تراب تخسف
أو تدعها في هواء تنشف
وإذا تنشف كنت القادرا
أن يرى ما أخفياه ظاهرا
51
قطره في الترب تخفى والهواء
ما بها عن حول باريها خفاء
إن ينلها عدم، ألف عدم
حين تدعوها تجلى في الظلم
كم من الأضداد يمحو ضده
وبحكم تتولى رده
كل حين سائرات من عدم
لوجود، أمم إثر أمم
سيما ألبابنا والفكر
كل ليل في بحار تغمر
ثم حين الصبح يبدو ما استسر
مثل حوت من خضم قد ظهر
پيش ازان كين خا كها خسفش كنند
پيش ازان كين باد هانشفش كنند
گرچه چون نشفش كنند تو قادري
كش از ايشان واستاني واخري
قطره كو در هوا شد يا كه ريخت
از خزينه قدرت تو كي گريخت
كردر آيد در عدم يا صد عدم
چون بخوانيش او كند از سر قدم
صد هزاران ضد ضد رامي كشد
باز شان حكم تو بيرون مي كشد
از عدمها سوي هستي هر زمان
هست يا رب كاروان در كاروان
خاصة هر شب جمله أفكار وعقول
غرق ميگردند در بحر نغول
باز وقت صبح آن اللهيان
برزنند از بحر سر چون ماهيان ***
هذه الأوراق إبان الخريف
تختفي في لجة الموت المطيف
تندب الغربان فيها صائحه
في الثياب السود مثل النائحه
ثم يأتي الأمر من رب القرى
أن يرد الموت ما فيه سرى
أن أعد ما غلت يا موت الخضر
من نبات ودواء وثمر
52 •••
فكرن يا صاح في هذا الصنيع:
دائم فيك خريف وربيع
انظرن في القلب روضا ناضرا
من رياحين وسرو، زاهرا
حجب الأغصان فيض الورق
واختفى المرج بورد مونق
فيض عقل الكل هذا الكلم
ريح هذا الروض. هل من يفهم؟
در خزان ان صد هزاران شاخ وبرك
از هزيمت رفته در درياي مرك
زاغ پوشيده سيه چون نوحه گر
در گلستان نوحه كرده بر خضر
باز فرمان آيد از سالار ده
مر عدم را كانچه خوردي بازده
آنچه خوردي واده اي مرك سپاه
از نبات ودارو وبرك وكپاه •••
اي برا در عقل يك دم باخود آر
دم بدم در تو خزانست وبهار
باغ دل را سبزوتر وتازه بين
پر زغنچه ورد وسرو وياسمين
زانبهئ برك بنهان گشته شاخ
زانبهئ گل نهان صحرا وكاخ
اين سخنهايي كه از عقل كلست
بوي ان گلزار وسرو وسنبلست ***
ريح ورد حيث لا ورد يرى
فورة الخمر ولا خمر ترى
ذا دليل لك هاد في الورى
تنتحي الخلد به والكوثرا
ذا دواء العين يحبوها النظر
عاد بالريح ليعقوب البصر
إن خبث الريح للعين رمد
وشذا يوسف للعين مدد
يوسفا لست فكن يعقوب في
وفرة الدمع وحزن مدنف
اسمعن نصح الحكيم الغزنوي
53
لترى الجدة في الجسم التوي
في جمال الوجه عذر للدلال
فدع الدل وقد فات الجمال
ففظيع قبح وجه وغضب
وأليم كف عين ووصب
بوي گل ديدي كه انجا گل نبود
جوش مل ديدي كه آنجا مل نبود
بو قلاوز ست ورهبر مر ترا
مي برد تا خلد وكوثر مر ترا
بو دواي چشم باشد نور ساز
شد زبويي ديده يعقوب باز
بوي بد مرديده را تاري كند
بوي يوسف ديده را ياري كند
تو كه يوسف نيستي يعقوب باش
همچو او در گريه وآشوب باش
بشنو اين پند از حكيم غزنوي
تا بيابي در تن كهنه نوي
ناز را رويي ببا يد همچو ورد
چون نداري گرد بدخويي مگرد
زشت باشد روي نازيبا وسرد
سخت باشد چشم نابينا ودرد ***
لا تفاخر بجمال يوسفا
واحكين يعقوب دمعا زرفا •••
كان موت الببغا رمز الخضوع
فأمت نفسك في ذل وجوع
لترى يحييك من عيسى نفس
طيبا في غبطة لا تبتئس
ليس يخضر من الغيث الحجر
كن ترابا ينبعث منك الزهر
قد لبثت الدهر صخرا قاسيا
فلتكن يوما ترابا ناميا
پيش يوسف نازش وخوبي مكن
جز نياز وآه يعقوبي مكن •••
معنئ مردن زطوطي بد نياز
در نياز وفقر خود را مرده ساز
تا دم عيسى ترا زنده كند
همچو خويشت خوب وفرخنده كند
از بهاران كي شو سر سبز سنك
خاك شو گل برويد رنك رنك
سالها تو سنك بودي دل خراش
آزمو نرا يك زمان توخاك باش
هوامش
قصة الأسد والوحوش والأرنب
هذه من قصص كليلة ودمنة، وهي كما جاءت في هذا الكتاب:
زعموا أن أسدا كان في أرض مخصبة كثيرة الوحوش والماء والمرعى، وكان لا ينفعهن ما هن فيه من خوفهن من الأسد، فائتمرن فيما بينهن وأتينه فقلن له: إنك لا تصيب منا الدابة إلا بعد تعب ونصب، وقد اجتمعنا على أمر لنا ولك فيه راحة إن أنت أمنتنا ولم تخفنا.
فقال: أنا فاعل. فقلن: نرسل إليك لغدائك كل يوم دابة منا.
فرضي بذلك وصالحهن عليه. ووفى لهن بما أعطاهن من نفسه، ووفين له به.
ثم إن أرنبا أصابتها القرعة، فقالت لهن: أي شيء يضركن إن أنتن رفقتن بي فيما لا يضركن، وأريحكن من الأسد؟ فقلن لها: وما ذلك؟ قالت: تأمرن من يذهب معي ألا يتبعني لعلي أبطئ على الأسد حتى يتأخر غداؤه فيغضب لذلك. ففعلن بها ما ذكرته.
وانطلقت متئدة حتى جاءت الساعة التي كان يتغدى فيها، فجاع الأسد وغضب، وقام من مربضه يمشي وينظر. فلما رآها قال: من أين جئت، وأين الوحوش؟ فقالت: من عندهن جئت وهن قريب، وقد بعثن معي بأرنب، فلما كنت قريبا منك، عرض لي أسد فانتزعها مني، فقلت: إنها طعام الملك فلا تغضبنه. فشتمك، وقال: أنا أحق بهذه الأرض وما فيها منه. فأتيتك لأخبرك.
فقال: انطلقي معي فأرينيه. فانطلقت به إلى جب صافي الماء، فقالت: هذا مكانه، وهو فيه وأنا أفرق منه، فاحملني في صدرك. فحملها في صدره، ونظر في الجب فإذا هو بظلها وظله، فوضع الأرنب من صدره، ووثب لقتال الأسد في الجب وطلبه فغرق.
وانفلتت منه الأرنب ورجعت إلى سائر الوحوش فأعلمتهن بخبره.
هذه هي القصة، ولكن جلال الدين أخذها فتصرف فيها، وتوسل بها إلى الإبانة عن آرائه كدأبه في كثير من القصص، يجعلها وسيلة إلى الإبانة عن مذهبه، ويستطرد، ويغفل القصة حتى تضيع في الاستطراد، ثم يعود إليها.
وقد ترجمتها منثورة، وجعلت كل سجعتين مكان القافيتين في البيت المترجم.
ودققت في الترجمة فلم أحد عن الأصل، ولم أزد أو أنقص إلا حين يقتضي هذا البيان العربي، وحين أشعر أن كلمة وضعها الشاعر أو حذفها لضرورة الوزن أو القافية؛ فأتصرف التصرف الذي أحسب الشاعر كان يذهب إليه، لولا الضرورة الملجئة.
وأنبه القارئ إلى ما في هذا الفصل من آراء قيمة لجلال الدين في الجبر والاختيار خاصة، فهو رأي عظيم من أئمة الصوفية، في أمر اختلفت فيه عباراتهم، وغمضت فيه مسالكهم.
القصة
اقرأ في كليلة هذه القصة، واطلب لك منها حصة:
1
طائفة من الصيد في واد ذي رواء، كانت من الأسد في عناء. كم بغتها ففتك فيها، ونغص عليها مراعي واديها. فاحتالت واقترحت عليه، أن تكفيه بوظيفة ترسل إليه. على ألا يصطاد غير الوظيفة ولا يطغى، حتى لا يمر عليها هذا المرعى.
الأسد :
نعم إن رأيت الوفاء لا المكر، فكم رأيت المكر من زيد وبكر:
2
أنا وقيذ الفعل والقول من الإنسان، ولديغ العقرب والثعبان. وإنسان نفسي في ضميري كامن، شرا من الناس مكرا وضغائن.
3
سمعت أذني: «لا يلدغ المؤمن.» فآثرت بالقلب والروح قول المؤتمن.
4
الصيد :
أيها الحكيم ذا البصر (الحذر دع ليس يغني من قدر). كم في الحذر من قلق وضير، فعليك بالتوكل فهو خير. أيها القوي الحديد لا تغالب القضاء، فيناصبك القضاء العداء. يجب الموت أمام حكم الحق، لئلا يبتليك رب الخلق.
الأسد :
نعم، إن كان التوكل دليلا يطلب، فسنة النبي الأخذ بالسبب. الحمد والكسب في التوكل أقوم، لتكون حبيب الحق لا جرم. قد نادى النبي المرسل، اعقل الناقة وتوكل. اسمع (رمز الكاسب حبيب الله)،
5
ولا يضعفك في الأخذ بالسبب التوكل على الإله.
الصيد :
إنما الكسب من ضعف الخلق، إنها لقمة تزوير على قدر الحلق. لا كسب خير من التوكل، أي أمر من التسليم أجمل؟
رب هارب من بلاء إلى بلاء مبين، وفار من الثعبان إلى التنين.
كم احتال الإنسان فإذا حيلته شبكة، وإذا الذي ظنه روحا تهلكة. أغلق الباب والعدو في الدار، قد احتال فرعون على هذا الغرار. قتل هذا الحقود آلاف الأطفال، والذي يطلب في داره غير مبال.
كم علة في بصرنا المريب، فهلم أفن بصرك في بصر الحبيب.
إن بصره من أبصارنا نعم العوض، وإنك لواجد في بصره كل الغرض. الطفل إن لم يعمل يديه ورجليه، لا مركب له إلا عنق أبويه. فإذا صار فضوليا يعمل الرجل واليد، وقع في عناء دائم وكبد. كانت الأرواح قبل الجوارح طاهرة، من الوفاء إلى الصفاء طائرة.
فلما صارت «بأمر اهبطوا» مقيده، صارت في حبس الحرص والغم والكدح مصفدة.
6
نحن رضع وعيال للإله، قال الرسول الخلق عيال الله. إن الذي ينزل المطر بحكمته، قادر على أن يرزق الخبز برحمته.
الأسد :
أجل! ولكن رب العباد، وضع لنا مرقاة للإصعاد. فلنصعد الدرجات حتى الذروة، فما الجبر هنا إلا بله وغفلة. إن لك رجلا فكيف تتظالع؟ وإن لك يدا فلماذا تخفي الأصابع؟ إذا أعطى السيد الفأس عبده، فقد أبان بغير لسان قصده. فاليد كالفأس إشارته، والتفكير في العاقبة عبارته. وإذا أدركت روحك إشاراته، بذلت الروح في بلوغ غاياته. تكشف لك إشاراته الأسرار، وتيسر أمورك وترفع الأوزار. فتجعلك - وأنت الحامل - محمولا، وتردك - وأنت القابل - مقبولا. بينما تقبل أمره إذا أنت القائل، وبينما تبغي وصله تصير الواصل. السعي شكر لنعمة القدرة، والجبرية جحد بهذه النعمة. إن شكر القدرة يزيد قدرتك، والجبر يسلب من يدك نعمتك. الجبر نوم في المحجة؛ لا تنم ، ما لم تر الباب والسدة لا تنم.
7
إياك والنوم أيها الجبري المحتقر، إلا في ظل ذلك المثمر من الشجر.
لتهز الريح الأغصان كل لحظة، فيساقط عليك النقل والزاد كل لمحة. الجبر نوم بين قطاع الطرق، أينجو الطائر بغير جناح يخفق. وإن شمخت على إشاراته بأنفك، فقد جهلت ولم تعرف قدرك. وما أوتيت من العقل يذهب، وما الرأس بلا عقل إلا ذنب. إن كفر النعمة (شؤم وشنار)، يذهب بالجاحد إلى قعر النار. إن كنت متوكلا فاعمل، ازرع وعلى الجبار توكل.
8
الصيد :
أجبنا أيها المرتاب
9
عن الزراع الذين زرعوا الأسباب. عن آلاف الآلاف من رجال ونساء، كيف حرموا بعد هذا العناء؟ آلاف من القرون منذ بدأ العالم الله، فاتحة كالتنين مئات الأفواه. مكر هذا الجمع من الأذكياء، مكرا يزعزع الجبال الشماء. وقد قال في مكرهم ذو الجلال: وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال.
10
فلم يظفروا من هذا الصبر والعمل، إلا بما قسم لهم منذ الأزل. قعد بهم الجهد والتدبير، وبقيت أحكام الله القدير. لا تعد الكسب إلا اسما، ولا تحسبن الجهد إلا وهما. •••
جاء
11
رجل وقت الغداء عجلان، يعدو إلى دار سليمان. وقد اصفر وجهه وازرقت شفتاه، فسأله سليمان ما دهاه؟ قال نظر إلي عزرائيل، نظرة غضبان ذي غليل. قال سليمان: سل ما بدا لك، قال تأمر الريح أيها الملك. أن تحملني إلى هندستان، لعل روحي تصيب الأمان. (كذلك يفر من الفقر الناس، وهم طعمة الحرص والوسواس. خوف الفقر كهذا الفزع، والهند هي الجهد والطمع)
12
فأمر الريح أن تحمله على الماء، إلى أرض الهند في مضاء. وفي الغد ساعة الديوان، قال لعزرائيل سليمان: لقد أفزعت الرجل بالنظر الحديد، فهجر وطنه إلى بلد بعيد. نظرت إليه نظرة غاضبة، فإذا روحه من الهلع ذاهبة. عجبا أتفعل هذا به، لتخرجه من داره وأهله؟ قال: يا ملك العالم المنقطع المثال، لقد أخطأ الرجل وأضله الخيال. ما نظرت إليه من غضب، ولكن ملكني إذ رأيته العجب. فقد أمرني الحق الديان، أن أقبض روحه اليوم في هندستان.
فقلت : لو أن له ألف جناح ، ما استطاع إلى الهند الرواح. فلما بلغت الهند بأمر الديان، قبضت روحه في ذلك المكان.
فقس أمور للناس على هذا المثال، وأنعم النظر ودع الخيال. ممن نفر؟ من أنفسنا؟ أي محال! وممن نهرب؟ من الحق؟ أي وبال!
الأسد :
أجل ولكن أيها المكابر ألا تستبين، جهد الأنبياء والمؤمنين. وقد مدح الحق تعالى جهدهم، وشكر في الحر والبرد سعيهم. كل ما لهم واحتيالهم لطيف، (كل شيء من ظريف هو ظريف
13
نالت شباكهم طائر السماء، وكان كل نقص لهم إلى نماء. فاجهد ما استطعت يا ذا العلاء، في سبيل الأنبياء والأولياء. ليس الجهاد مغالبة المقدور، فهو كذلك من القضاء المسطور. كافر أنا إن يك في فعل الإنسان، في طريق الطاعة والإيمان خسران. لست مشجوجا فلا تعصب رأسك، اصبر قليلا ثم اضحك دهرك. من طلب الدنيا فقد طلب المحال، ومن أراد العقبى فقد ابتغى خير حال. والمكر في طلب الدنيا حمق، وهو في ترك الدنيا حق.
إنما المكر الحق ما صدع سجنك، والمكر الباطل ما سد منفذك. الدنيا سجن ونحن السجناء، فاهدم السجن واخلص من العناء. ما الدنيا؟ هي الغفلة عن الله الصمد، لا الرياش والفضة والزوج والولد. إن المال تحمله من أجل الدين، سماه المال الصالح خير المرسلين.
14
الماء في السفينة لها هلاك، والماء تحت السفينة لها ملاك. نفى المال والملك من قلبه سليمان، فلم يعد نفسه إلا مسكينا في ذلك السلطان. إن الإبريق المفدم يسير على الماء، طافيا يملأ قلبه الهواء. فإذا حوى الفقير في باطنه الخلاء، سار فوق هذه الدأماء. ولو كان ملك العالم في يده، لم يكن الملك شيئا في قلبه
15
فاربط على القلب وعليه اختمن، واملأه هواء كبر من لدن.
16
وساق الأسد البراهين على هذا النسق حتى عجز هؤلاء الجبريون عن الجواب. فترك الثعلب والأرنب والغزال، الجدل في الجبر والقيل والقال. وعاهدوا الأسد الهصور، ألا يناله من هذه البيعة محذور. وليأتينه نصيبه كل يوم بغير طلب وجهد. فكانوا كلما نالت القرعة واحدا منها ذهب إلى الأسد مسارعا. فلما دارت على الأرنب هذه الكاس صاحت: إلام هذا الجور؟
الصيد :
قد لبثنا هذا الدهر المديد، نبذل الأرواح في الوفاء بالعهود. فلا تسئ سمعتنا أيها العنود، اذهب اذهب إلى الأسد غير وئيد.
الأرنب :
مهلا مهلا أيها الأحباء؛ لتخلصوا بمكري من هذا البلاء. لتأمن بمكري أرواحكن، ويرث الأمان أولادكن. كذلك كل نبي في هذه الدنيا، دعا أمته إلى الخلاص من البلوى. عرفت طريق الخروج من الفلك بصائرهم، وإن ضؤلت في الأبصار مظاهرهم. رآهم الناس كإنسان العين صغارا، ولم يعرفوا لإنسان العين مقدارا.
الصيد :
أيها الحمار أرع سمعك، واجعل على قدر الأرنب صنعك
17
أي غرور هذا وأي ادعاء، لم يخطر على بال الكبراء.
معجب أنت أو أتيح لنا القضاء، وإلا فكيف يليق بمثلك هذا الهراء.
الأرنب :
أيها الأصدقاء ألهمني الحق اللطيف، ورب رأي قوي قدر لضعيف.
فالذي أوحاه إلى النحل الحق الصمد، لم يتح لحمار الوحش ولا الأسد.
ملأت بيوتا من الشهد عجابا، إذ فتح الله لها من العلم بابا. وهل اهتدى الفيل الكبير، إلى ما علم الحق دود الحرير. وتعلم آدم الترابي من الخلاق، فأنار علمه السبع الطباق. وغض آدم من قدر الملك، لقد عمي من هو من الحق في شك.
ولزاهد ستمائة ألف سنة، صنع كمامة كالعجول المرسنة
18
لئلا يرضع من علم الدين السديد، ولا يطيف بهذا القصر المشيد.
هذه الكمامة علوم أهل الحس الوضيع، تمنعهم أن يرضعوا ذلك العلم الرفيع.
قد منح الحق قطرة القلب جوهرا، لم يعطه السموات والأبحرا.
19
يا عابد الصورة حتام بها تغر، لم تخلص روحك المسكينة من الصور.
لو كان الإنسان آدميا بالشكل، لكان سواء أحمد وأبو جهل. إن النقش على الجدار كالآدمي، انظر ماذا ينقص من الشكل السوي؟ تعوز الروح هذا التصوير الناضر، هلم فاطلب ذلك الجوهر النادر.
إن كلب أصحاب الكهف حين سعد، أقر له في العالم كل أسد. ما عابه هذا الشكل الحقير، إذ غرقت روحه في بحر النور.
وما عنيت بوصف الصور الأقلام، بل وصفت الكتب العدول والأعلام . في العالم والعادل كل المعنى ، لا تجده حيثما سرت من الدنيا. يهبط على الجسم من عالم اللامكان، إن شمس الروح تضيق بالفلك والأكوان. لا نهاية لهذا الكلام المعجب، أرجع الفكر إلى قصة الأرنب.
بع أذن الحمار واشتر أذنا أخرى، فلن تعي أذن الحمار هذه النجوى.
20
اذهب اذهب فانظر لعب الأرنب، كيف خر لمكرها الأسد المعجب.
خاتم ملك سليمان العلم، العلم روح والعالم جسم. ذل للإنسان بهذا الكمال، خلق البحار والصحاري والجبال.
فالنمر والأسد من هيبته كالفار، وفي فزع واضطراب منه تنين البحار. وقد تجنبه العفريت والجني، فأوى كل إلى مكان خفي.
وكم للإنسان من عدو مستتر، فإنما الآدمي العاقل من حذر. هذه الخفايا أخيارا وأشرارا، تضرب على قلب الإنسان أسرارا. تذهب للاغتسال في النهر، فيصيبك من الشوك في الماء ضرر. هو وإن لم تدركه عيناك، يخزك فتعلم أنه هناك.
21
وهناك أشواك الأغراء والوسواس، من آلاف لا واحد من الناس.
فاصبر حتى يتبدل حسك، لترى هذه الخفايا ويسهل صعبك.
وتعلم من كلامه رددت؟ ومن على نفسك سودت؟
الصيد :
أيها الأرنب الذكي، أبن عن إدراكك الخفي. إيه يا من للأسد تصديت، أعرب عن رأيك الذي رأيت.
إن المشورة تهب الإدراك والرشد. وكل عقل هو للعقل مدد. قال الرسول: يا ذا الرأي الحسن، استشر فالمستشار مؤتمن.
الأرنب :
لا بد للسر من كتمان، فقد يقع ما ليس في الحسبان.
22
إن تنفست في مرآة صافية، غامت ولم تبق لوجهك حاكية. لا تحرك بهذه الثلاثة شفتك، ذهابك وذهبك ومذهبك. كم لهذه الثلاثة من عدو خصم، يكمن لك إذا بالسر علم، وإن أفشيته لواحد فالوداع، (كل سر جاوز الاثنين شاع)
لا حد لهذا الكلام فعليك الرجوع، قد آلمت الأرنب الأسد بالجوع.
أخفت الأرنب تدبيرها، ولم يتبين القوم تفكيرها.
مكر الأرنب بالأسد
تأخرت ساعة في المسير، ثم مثلت عند الأسد الهصور. وكان الأسد بما أبطأت في الذهاب، يزأر ويثير ببراثنه التراب.
الأسد :
قلت إن عهد هؤلاء اللؤماء، رخو ضعيف لا يثمر الوفاء.
ردتني وسوستهم دون الحمار، كم يخدعني هذا الدهر الغرار!
ما أعجز الأمير ذا اللحية الحمقاء، حين يشتبه عليه الأمام والوراء.
الطريق سوي وتحته حبالة، واللفظ مونق وفي المعنى جهالة.
الألفاظ والكتب كالشباك لنا، واللفظ الحلو كالرمل لماء عمرنا.
23
والرمل الذي ينبجس الماء منه، جد نادر فاطلبه واسأل عنه.
ذلك الرمل يا بني رجل الله، انفصل عن نفسه واتصل بالإله.
يجيش منه للدين عذب الماء، فللطالبين به حياة ونماء.
وغير هذا رمل ظمآن، يشرب ماء حياتك كل آن.
اطلب الحكمة أيها الحكيم، فإنما أنت بها بصير وعليم.
يصير منبعا للحكمة من لها طلب، ويفرغ من تحصيل السبب.
يصير - وهو اللوح الحافظ - لوحا محفوظا، ويصير عقله من الروح محظوظا. كان العقل له معلما، فصار تلميذا متعلما.
فالعقل كجبريل يقول: يا أحمد معذرة، أحترق إن تقدمت أنملة.
فدعني هنا وتقدم ولا جناح، ذاك حدي يا سلطان الأرواح.
24
كل من أعجزه الضعف عن الشكر والصبر، توهم أن قيد رجله الجبر، ومن تعلل بالجبر أمرض نفسه، حتى يورده المرض رمسه.
قال النبي: إن التمارض، يمرض حتى يهلك المتمارض.
25
ما الجبر؟ ربط على المكسور، ووصل العرق المبتور.
26
ما رجلك في هذا الطريق كسيرة، فعلى من تضحك بهذه الجبيرة؟
إن الذي انكسرت رجله في النصب، جاء إليه البراق فركب
كان حامل الدين فصار محمولا، وكان قابل الأمر فصار مقبولا.
كان يتلقى الأمر من الملك، وهو بعد على الجنود يملك.
كان للكوكب فيه تأثير، وهو بعد على الكوكب أمير.
إن يشكل عليك في هذا النظر، فقد شككت إذا في «انشق القمر».
27
فجدد إيمانك باللسان، يا من جدد هواه في الكتمان.
لا ينضر الإيمان والهوى نضير، ما الهوى إلا قفل هذا الباب الكبير.
قد أولت بنفسك الحرف البكر، أول نفسك لا تؤول الذكر.
28
إنك تؤول القرآن بالهوى، فقد عوجت وحقرت سني المعنى.
مثلك مثل هذا الذباب، الذي ملكه بنفسه الإعجاب.
29
سكران مهتاج بغير الصهباء، يخال ذرة ذاته شمس السماء.
وقد سمع وصف الصقور والبيزان، فقال: أنا لا ريب عنقاء الزمان.
ركب هذا الذباب تبنة في بول حمار، ورفع رأسه كربان البحار.
قال: قرأت عن السفينة والبحر، وقد لبثت دهرا في هذا الفكر.
فهأنذا والبحر وإحدى السفن، وأنا الربان البصير الفطن.
وساق في البحر هذا العمد، ورأى في هذا مجالا لا يحد.
30
غير محدود عنده هذا القذر، فصدق منه هذا النظر.
هذا عالمه وهذا بصره، وهذه عينه وذاك بحره.
كالذباب صاحب التأويل الواهم، وهمه بول الحمار والتبن العائم.
فلو ترك الذباب التأويل بالهوى، صيره الجد سعيدا كالهما.
31
ولم يكن صاحب هذه العبرة، ولم تبق روحه على قدر الصورة.
مثل هذه الأرنب التي غلبت الأسد، ولم تكن روحها بمقدار الجسد.
هياج الأسد من تأخر الأرنب
كان الأسد يقول من الحدة والغضب، حين تأخرت الأرنب: أغمض عيني هذا العدو، عن الجهاد المرجو. مكر هؤلاء الجبريين قيدني، وسيفهم الخشبي أوهى بدني.
لا أسمع من بعد لهذا البهتان، إنه صوت الشياطين والغيلان.
مزقهن أيها القلب وأقدم كالأسود، واسلخ جلودهن فما هن إلا جلود.
ما الجلد؟ الأقوال المزوقة الجوفاء، لا تلبث كنقش الدرع على الماء.
32
هذا الكلام كالقشر واللباب معناه، هذا الكلام كالصورة والروح مغزاه.
القشر يخفي من اللب الرديء العيب، وهو للب الحسن ستر من الغيب.
إن كان القلم من الهواء والورق من الماء، فكل ما تكتب سريع الفناء.
وإن طمعت أن يبقى نقش الماء لديك، رجعت عاضا على يديك.
والهواء في الإنسان طمعه وهواه، فإن تركت الهوى فرسالة الله.
33
ما أجمل رسالات الرحمن، التي تثبت كلها على الحدثان.
تزول خطب الملوك والعظماء، ولا تزول خطب الرسل والأنبياء.
34
بأن هيبة الملوك من الهواء، وعظمة الأنبياء من الكبرياء.
35
أسماء الملوك من الدراهم تمحى، ولكن اسم أحمد أبدا يبقى.
وأسماء الأنبياء جميعا في اسم أحمد، كما تتضمن المائة العقود في العدد.
هذا القول يا بني لا يحد، نعود إلى قصة الأرنب والأسد.
بيان مكر الأرنب وتأخرها في الذهاب
أخرت الأرنب سيرها، وأحكمت في نفسها مكرها. ثم سارت بعد تلبث طويل، لتسر إلى الأسد بعض القيل.
أي عوالم يتضمنها العقل الباهر، وأي سعة في بحر العقل الزاخر.
عقل البشر بحر لا يحد خضم، لا بد يا بني من غواص لهذا اليم.
وصورتنا في هذا البحر العذب، كالآنية على الماء تذهب.
هي ما لم تمتلئ كالطست على الماء يزجيه، فإن امتلأ الطست رسب فيه.
عالم ظاهر والعقل خفي، صورتنا موج أو قطرة من هذا اللجي.
كل ما اتخذته الصورة وسيلة، رماه البحر بعيدا بهذه الحيلة.
إذا لم ير القلب موحي الأسرار، ولم ير السهم الرامي المغوار.
فهو يحسب جواده مفقودا، وهو راكض جواده مجهودا.
36
يفتقد فرسه هذا الفارس ويصيح، وفرسه يجري به كالريح.
يعدو في صياح ونشدان، سائلا طالبا في كل مكان:
من سرق حصاني؟ وأين السارق؟ فما الذي تحتك أيها السيد الحاذق؟ أجل هذا حصان ولكن أين الحصان؟ ارجع إلى نفسك أيها الفارس الحيران.
الروح من الظهور والقرب في خفاء، كالحب حافته يابسة وباطنه ماء.
37
إنك لا ترى الأحمر والأخضر، قبل أن ترى النور الأظهر.
ولكن ضل في الألوان العيان، فحالت بينك وبين النور الألوان.
فإذا حجب الليل الألوان عن الظهور، علمت أن رؤية الألوان بالنور.
لا يرى اللون بغير النور الخارجي، فكذلك لون الخيال الباطني.
هذا الظاهر من الشمس والسها، وهذا الباطن عكس أنوار العلى.
38
نور العين من نور القلوب يبين، فنور القلب نور نور العيون.
ثم نور نور القلب نور الله، منزها عن نور الحس والعقل تراه.
إن ذهب النور لم تر اللون في الحلك، فالنور بالضد يظهر لك.
رؤية الألوان إذا من رؤية النور، بضد النور تعرفه دون تأخير.
وقد خلق الله الغم والألم، ليتبين السرور في الأمم.
فالخفايا بأضدادها تظهر، والحق لا ضد له فهو مضمر.
يقع النظر على النور ثم الألوان، فيظهر الضد بالضد كالبيض والسودان.
39
فقد عرفت أنت النور بضد النور، فالضد من ضده في ظهور.
ولا ضد في الوجود لنور الحق، ليمكن بالضد إظهاره في الخلق (لا جرم أبصارنا لا تدركه. وهو يدرك) فات موسى دركه.
40
الصورة من المعنى كالأسد من الغابة، وكأصوات الكلام من الفكر وثابة.
هذا الصوت والكلم من الفكر صدر، وأنت لا تعلم بحر الفكر أين زخر.
ولكنك حين ترى موج الكلام لطيفا، تعرف بحره كذلك شريفا.
فلما اضطرب عن العلم موج الفكر، فاتخذ من الصوت والكلام الصور.
ولدت من الكلام الصورة ثم فنيت، وذهبت الأمواج إلى البحر فارتمت.
فالصورة ظهرت من غير الصورة للعيون، ثم رجعت «إنا إليه راجعون».
لك كل لحظة موت ورجعة، قال المصطفى: الدنيا ساعة ...
فكرنا سهم من «هو» في الهواء، يرجع إلى الله ما له في الهواء بقاء.
فالدنيا كل نفس تتجدد، ونحن في غفلة بالبقاء عن التجدد.
والعمر كالنهر كل حين يجد، ويبدو استمراره في الجسد.
تتوهم من السرعة أنه استمر، كما تحرك يدك سريعا بالشرر.
41
تحرك يدك القصبة المشتعلة، فتبدو للنظر نارا متصلة.
هذا الاتصال والمدة من السرعة، فهما يمثلان السرعة في الصنعة.
طالب هذا السر إن تكن علامة فعليك، بحسام الدين فهو كتاب رفيع لديك.
42
وصول الأرنب إلى الأسد
بينما الأسد في نار وغضب شديد، رأى الأرنب مقبلة من بعيد.
تجرى جريئة مقدمة، مسرعة غاضبة متجهمة.
إن في الانكسار تهمة مريبة، وفي الجرأة دفع كل ريبة. فلما قاربت الصف، صاح الأسد: أيها المخلف!
أنا الذي مزقت الفيلة وتركت الأسود أذلة. فما نصف أرنب عندنا، لتضرب بالأرض أمرنا.
دعي نوم الأرنب وغفلتها، واسمعي من الأسد زأرتها.
الأرنب :
عفوا عفوا فلي العذر، إذا عفوت يا رب الأمر.
الأسد :
أي عذر لتقصير البلهاء، حين يمثلون أمام الأمراء.
أنت طائر مخلف فليقطع رأسك بالحق، يجب ألا يسمع عذر الأحمق.
43
عذر الأحمق أقبح من الجرم، وعذر الجاهل لكل معرفة سم.
عذرك أيتها الأرنب من المعرفة خلي، لست أرنبا فتسيغيه في أذني.
44
الأرنب :
أيها الملك عد لا شيئا شيا، واستمع لعذر المظلوم جليا.
45
أد زكاة جاهك وصولتك، ولا تطرد الضال من حضرتك.
إن البحر الذي يمد الأنهار بالماء، يحمل على رأسه ووجهه كل غثاء.
ولن ينقص البحر هذا الجود، لا ينقص البحر بالكرم ولا يزيد.
الأسد :
إني آتي الكرم مع أهله ، وأفصل ثوب كل واحد على قده.
الأرنب :
استمع، فإن لم أجد عندك اللطف، تحديت برأسي تنين العنف: سرت وقت الغداء في طريقي، مقبلة إلى الملك مع رفيقي.
كان معي أرنب للملك الجليل، قرينين كنا ورفيقي سبيل.
فقصد أسد إلي على الطريق، وكذلك قصد إلى ذاك الرفيق.
قلت: نحن عبيد ملك الملوك، وكل في هذه السدة مملوك.
قال: من ملك الملوك، ألا تخجلين؟ أعندي اسم الأوباش تذكرين؟
أمزقك وأمزق مالكك، إن صدفت عن بابي أنت وصاحبك.
قلت: فدعني إلى مرة أخرى، لأرى الملك فأحدث عنك ذكرا.
قال: فارهني إذا رفيقك، وإلا فأرى تمزيقك.
وتضرعنا كثيرا فما أجدى، أخذ رفيقي وتركني فردا.
وكان رفيقي ثلاثة أمثالي في السمن، وكذلك كان في اللطف والجمال والبدن.
قطعت بهذا الأسد طريقنا، وقد أخبرناك وهذا أمرنا.
فايأس بعد من الوظيفة ولا تنتظر، الحق نقول لك (والحق مر).
إن أردت الوظيفة فطهر الطريق، هلم فادفع عنا هذا الصفيق.
الأسد :
بسم الله، هلم فأريني أين يقيم، تقدمي إن كنت ذا قول مستقيم.
لأجزيه عن جرمه مائتين، وإن كنت كاذبة جعلت هذا جزاء المين.
فتقدمت كالدليل أمامه، لتقوده إلى شرك قدامه. إلى بئر عميقة قد أعلمتها، وشركا لروحه جعلتها.
تقدم كلاهما حتى قاربا الجب، كالماء تحت التبن هذه الأرنب.
يحمل الماء الغثاء إلى البيداء، فوا عجبا كيف يحمل الجبل الماء.
46
كان مكرها للأسد حبالة، فأعجب من أرنب لأسد مغتالة.
استجر فرعون وجنده الثقيل، موسى واحد إلى نهر النيل.
47
وقد شقت رأس نمرود الطماح، بعوضة واحدة بنصف جناح.
ذاك حال من استمع للعدو اللدود، وجزاء من صادق الحسود.
وحال فرعون أصاخ لهامان، وحال نمرود أطاع الشيطان.
48
عدو وإن ادعى الحب، وشبكة وإن حدثك عن الحب.
إن أعطاك عسلا فاعلمه سما، وإن أراك لطفا فاعرفه قهرا وغما.
لا ترى غير الظاهر إذا حم القضاء، ولا تميز الأعداء من الأصدقاء.
فإذا نزل هذا فعليك الابتهال، والتضرع والصوم وتسبيح المتعال.
اضرع وقل يا علام يا ديان، لا تحطمنا برحى الامتحان.
إن فعلنا فعل الكلاب يا خالق الآساد، فلا تجعل الأسد لنا بالمرصاد. (يا كريم العفو ستار العيوب)، لا تؤاخذنا بأوقار الذنوب.
لا تعط صورة النار للماء اللطيف، ولا صورة الماء للهب المخيف.
إنك إن تسكرنا بشراب القهر، صورت المعدوم كالموجود للفكر.
ما السكر؟ أن تحجب العين عن البصر، فترى اللطيف كالخشن، والجوهر كالحجر.
ما السكر؟ أن الحس يبدل، فإذا الطرفاء في النظر كالصندل.
إحجام الأرنب حينما اقتربت من الجب
49
وحينما اقترب من الجب الغضنفر، رأى الأرنب محجمة تتقهقر.
الأسد :
لماذا أحجمت ولم تقدمي، لا تقفي الرجل ولا تحجمي.
الأرنب :
أين رجلي؟ ذهبت الرجل واليد، لقد زال قلبي وجسمي ارتعد.
ألا ترى وجهي كالذهب أصفر، في لوني عن ضميري خبر.
سمى الحق السيما معرفة، فلعين العارف بالسيما معرفة.
50
إن لون الوجه نمام كالجرس، وينبيك عن الفرس صوت الفرس.
في صوت كل شيء عنه إعراب، لتعرف صوت الحمار من صوت الباب.
قال الرسول لتمييز الإنسان: «المرء مخبوء تحت اللسان.»
لون الوجه يحدث بحال القلب، فارحمني وأشعر قلبك الحب.
إن في حمرة الوجه صوت الشكر، وفي صفرة الوجه الجزع والنكر.
قد دهاني ما غل رجلي ويدي، وذهب بلوني وسيماي وجلدي.
هذا الذي إن مس شيئا كسره، ويخلع من جذورها كل شجرة.
قد دهاني ذا الذي من هوله مات، الآدمي والحيوان والجماد والنبات.
دع هذه الأجزاء فالكليات، منه فاسدة الريح مصفرات.
فالعالم صابر حينا وحينا شاكر،
51
والبستان حينا ذابل وحينا ناضر.
بل الشمس التي تطلع كالنار، تراها ساعة أخرى في اصفرار.
بل الكواكب التي تضيء الآفاق، تبلى في الحين بعد الحين لاحتراق.
52
والقمر الذي يفوق النجم في الجمال، يرده النصب دقيقا كالخيال.
وهذه الأرض الساكنة الطائعة، يجعلها الزلزال للحمى ضارعة.
وهذا الهواء وهو بالروح مقترن، إن جاء القضاء فهو وباء عفن.
وأخو الروح الماء النمير، يمر ويكدر ويأسن في الغدير.
والنار ذات الصلف والكبرياء، تهب عليها ريح بالفناء.
ومن اضطراب البحر وزخيره، تدرك تغيرا في شعوره.
والفلك الحائر الذي لا يفتر، حاله كحال أولاده في تغير.
فهو بين الحضيض والوسط والأوج، وفيه من النحس والسعد فوج بعد فوج.
أيها الجزئي المركب من الكليات! اعرف في نفسك حال المنبسطات.
53
للكليات نصب وغم، فكيف يخلو جزؤها من الهم.
لا سيما جزئي من أضداد مجتمع، من ماء وتراب ونار وهواء جمع.
ليس عجبا أن تفر الشاة من الذيب، العجب أن يكون لها منه حبيب.
إن الحياة من اصطلاح الأضداد، والموت أن يقع بينها تعاد.
لطف الحق قرب بين العدوين، وألف بين الضدين.
فالعالم عليل سجين، والعليل بالفناء قمين.
54
سؤال الأسد عن سبب توقف الأرنب
ساقت الأرنب المواعظ للأسد، قالت أمسكت هذه القيود الرجل واليد.
الأسد :
أبيني عن أسباب هذا المرض، عن السبب الخاص فإنه الغرض.
الأرنب :
ذلك الأسد في هذا الجب ساكن، في هذه القلعة من الآفات آمن. (يؤثر قعر الجب العاقل الأريب؛ لأن في الخلوة صفاء القلوب) ظلمة الجب خير من ظلمات الخلق، ومن استمسك بالخلق أرداه الحمق.
الأسد :
تقدمي فإن بطشي له قاهر، انظري! أهذا الأسد في الجب حاضر؟
الأرنب :
إن قلبي بهذه النار احترق، فإن تحملني في صدرك لا أفرق.
لأستطيع بحمايتك يا معدن الكرم، أن أفتح عيني على الجب والظلم.
نظر الأسد في الجب ورؤيته عكسه وعكس الأرنب
فلما حملها الأسد على صدره الرحب، أقبلت في حمايته إلى الجب.
فلما نظرا معا في الماء، عكس صورتهما الضياء.
رأى الأسد صورته في الماء فاعجب، صورة أسد في حضنه أرنب.
رأى خصمه في الماء فملكه الغضب، فألقى الأرنب وفي البئر وثب.
وقع في البئر التي كان حفر، وحاق به ظلمه وما غدر.
الجب الظلم ظلم الظالمين، كذلك قال كل العالمين.
ومن كان أظلم فبئره أهول، قال العدل: الشر للشر
55
مؤهل.
يا من بالجاه تظلم سواك، إنما تحفر بئرا لرداك.
56
لا تنسج على نفسك كدود الحرير، إنما تحفر لنفسك فاحفر بتقدير.
لا تظن الضعفاء بغير نصير تخشاه، واقرأ في القرآن:
إذا جاء نصر الله .
إن تكن على خصمك كالفيل، فقد دهمتك الطير الأبابيل.
57
إذا التمس الضعيف على الأرض الأمان ، ضج في السماء جند الرحمن .
وإن أدميت الضعيف بأسنانك، وجعت أسنانك فانظر لشانك.
رأى الأسد نفسه في عتو، فلم يعرف نفسه من العدو.
حسب العدو صورة نفسه؛ فلا جرم سل سيفه على رأسه.
كم من ظلم تراه في غيرك، وإنما فيه صورة طبعك.
انعكس فيهم لا جرم كونك، غرورك ونفاقك وظلمك.
هذا أنت فإنما لنفسك الطعنة، وعلى نفسك تنسج خيوط اللعنة.
وأنت لا ترى في نفسك هذا السوء، وإلا رأيت نفسك العدو المشنوء.
إنما تحمل على نفسك أيها الغافل، كما حمل على نفسه الأسد الجاهل.
فإذا بلغت قعر طبعك؛ علمت هذه الدناءة في خلقك.
وقد تبين الأسد إذ القعر حواه، أن ما توهمه غيره كان إياه.
كل من أذل الضعيف الراغم، فهو كهذا الأسد الواهم.
يا من رأى بوجه العم الخال المنفر، هذا عكس خالك من العم لا تنفر.
58 (المؤمن مرآة أخيه)، خبر عن الرسول نرويه.
وضعت على عينك زجاجة زرقاء، فازرقت أمامك الأرض والسماء.
إن يكن ازرق زجاج كوتك، ازرق ضوء الشمس في نظرك.
لا تعم فهذا اللون منك بدا، فالح نفسك إذا ولا تلح أحدا.
لو لم ينظر المؤمن بنور الله، لم ينكشف له الغيب بما حواه.
59
ولك أنت بنار الله نظر، فلست تميز بين خير وشر.
سلط النور على النار حينا بعد حين، لتصير نارك نورا أيها المسكين.
مناجاة!
وأنت يا رب فانضح هذا الماء طهورا؛ لتعود نار العالم كله نورا.
60
ماء البحار كلها طوع أمرك، والماء والنار ملك يدك.
إن تشأ تصر النار ماء طيبا، وإن تشأ صار الماء نفسه لهبا.
وهذا الطلب فينا هو من صنعك، والخلاص من الظلم من عدلك.
هذا الطلب بغير طلب منحت، وكنز الإحسان على الناس فتحت.
تبشير الأرنب الصيد بأن الأسد وقع في الجب
لما فرحت الأرنب بالنجاة، جرت تلقاء الصيد في الفلاة.
رأت الأسد في الجب هوى، فعدت راقصة حتى المرعى.
صفقت بيديها حين أفلتت من الفناء، ناضرة راقصة كالورق والأغصان في الهواء.
خلصت من حبس الطين الأوراق والأغصان ، فرفعت رءوسها فهي والريح سيان .
لما شق الورق الأغصان وانتشر، وسارع إلى ذرى الشجر.
تغنت بلسان «الشطء» حامدة، كل ورقة على حدة:
قد ربى أصلنا ذو العطا، حتى استغلظ الشجر واستوى.
61
والأرواح المرتهنة بالطين والماء، جذلة القلب حين تخلص من العناء.
ترقص في نور عشق الحق، كالبدر منيرة لا تمحق.
ترقص الأجسام والأرواح فلا تسل، كيف فرح الأرواح والجذل!
رمت الأرنب الأسد بالعطب؛ خزيا لأسد يعجز عن أرنب!
ومع هذا العار يا للعجب! يريد بفخر الدين أن يلقب.
62
يا أسدا في هذه البئر تردى! نفسك كالأرنب لك منها ردى.
أرنب نفسك لها في المرعى مجال، وأنت ثاو في بئر القيل والقال.
جاءت الأرنب تسعى في حبور (أبشروا يا قوم إذ جاء البشير)
بشرى بشرى أيها الجمع المنعم! إن كلب جنهم عاد إلى جهنم.
بشرى بشرى فعدو الأرواح المارق، حطم أنيابه قهر الخالق.
إن الذي حطم الهام بقبضته، قد قمه الموت بغرفته.
63
اجتماع الصيد حول الأرنب والثناء عليها
واجتمعت الوحوش كلها في زحام، في سرور وضحك وطرب وهيام.
تحلقن حولها وهي بينهن كالشمع، وسجدن وقلن لها أرعي السمع:
الوحوش :
أجنية أنت أم ملك سماوي؟ بل أنت عزرائيل كل أسد قوي: أرواحنا فداؤك ما حييت، حزت السبق، سلمت وحييت.
أجرى الحق هذا الماء في نهرك.
64
مرحى لعضدك! مرحى ليدك.
أبيني أبيني كيف مكرت به! هذا الجبار كيف بمكرك صرعته!
أبيني ففي القصة دواء الجراح، أبيني إنها بلسم الأرواح.
الأرنب :
إنه تأييد الله أيها الكبراء، وإلا فما أرنب على الغبراء؟
وهبني القوة وأنار قلبي، وأمد نور القلب رجلي ويدي.
من عند الحق يأتي التفضيل، ثم من عند الحق يكون التبديل.
ويداول الحق هذا التأييد، بين أهل الرجاء والبصر السديد.
نصح الأرنب الصيد ألا يفرحوا بهذا فإنه مجرد عون الحق لا بقوتنا
الأرنب :
بملك النوبة لا تسر، يا أسير النوبة لا تحسبن أنك حر.
65
الذي ملكه فوق النوبة ينظم، تضرب له النوبة فوق الأنجم.
أعلى من النوبة الملوك المخلدون، وهم مع الساقي أبدا ينعمون .
إن تتركن هذا الشراب قليلا ، نعمت بشراب الخلد سلسبيلا.
تفسير رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر
يا سادة قد قتلنا خصمنا الظاهر، وشر منه خصم السرائر.
قتله ليس من عمل العقل والنظر، وليس في قدرة الأرنب هذا الأسد المضمر.
نفسك جهنم، وجهنم تنين، لا ينقع بالبحار ولا يستكين.
تشرب سبعة الأبحر هذه المحرقة، ولا تنقص بالبحار لها حرقة.
يدخلها الأحجار والكفار، الذين قست قلوبهم كالأحجار.
ثم لا تسكن هذا الغذاء، حتى يأتيها من الحق النداء: هل امتلأت؟ فتقول: لا يا خلاق، هأنذا، وهذه الحرارة والإحراق.
التقمت عالما وبطنها يستزيد، صائحا إيه (هل من مزيد؟)
فيضع عليها الحق القدم من (لا مكان)، فتسكن حينئذ بأمر (كن فكان).
ونفوسنا هذه جزء جهنم، وطبع الكل في الأجزاء لا جرم.
وليست إلا قدم الحق تقتلها، ومن غير الحق يذللها؟
66
فاستقم كالسهم من القوس انطلق، فغير المستقيم من القوس لا يطلق.
قد فرغت من حرب العلانية، فتوجهت إلى الحرب الخافية. (قد رجعنا من الجهاد الأصغر)، مع النبي إلى الجهاد الأكبر.
أسأل الله القوة والتوفيق والإسعاف، لأقلع بالإبرة جبل قاف!
ليس أسدا من على الصفوف هجم، إنما الأسد من لنفسه حطم.
هوامش
مقدمة الجزء الثالث من المثنوي
المقدمة العربية
الحكم جنود الله يقوي بها أرواح المريدين، وينزه بها علمهم عن شائبة الجهل، وعدلهم عن شائبة الظلم، وجودهم عن شائبة الرياء، وحلمهم عن شائبة السفه، ويقرب إليهم ما بعد عنهم من فهم الآخرة، وييسر لهم ما عسر عليهم من الطاعة والاجتهاد.
وهي من بينات الأنبياء ودلائلهم، تخبر عن أسرار الله وسلطانه المخصوص بالعارفين، وإدارته الفلك النوراني الرحماني الدري الحاكم على الفلك الدخاني الكري كما أن العقل حاكم على الصور الترابية وحواسها الظاهرة والباطنة. فدوران ذلك الفلك الروحاني حاكم على الفلك الدخاني الكري، والشهب الزاهرة والسرج المنيرة والرياح المنشأة، والأراضي المدحية، والمياه المطردة نفع الله بها عباده وزادهم فهما. وإنما يفهم كل قارئ على قدر نهيته، وينسك الناسك على قدر قوة اجتهاده، ويفتي المفتي مبلغ رأيه، ويتصدق المتصدق بقدر قدرته، ويجود الباذل بقدر موجوده، ويقتني المجود عليه ما عرف من فضله.
ولكن مفتقد الماء في المفازة لا يقصر به عن طلبه معرفة ما في البحار، ويجد في طلب ماء هذه الحياة قبل أن يقطعه المعاش بالاشتغال عنه، وتعوقه العلة والحاجة، وتحول الأعراض بينه وبين ما يتسرع إليه.
ولن يدرك هذا العلم مؤثر بهوى، ولا راكن إلى دعة، ولا منصرف عن طلبه، ولا خائف على نفسه، ولا مهتم لمعيشته إلا أن يتعوذ بالله ويؤثر دينه على دنياه، ويأخذ من كنز الحكمة الأموال العظيمة التي لا تكسد ولا تورث بميراث الأموال، والأنوار الجليلة، والجواهر الكريمة، والضياع الثمينة، شاكرا لفضله، معظما لقدره مجللا لخطره.
ويستعيذ بالله من خساسة الحظوظ، ومن جهل يستكثر القليل مما يرى في نفسه، ويستقل الكثير العظيم من غيره، ويعجب بنفسه بما لم يأذن له الحق.
وعلى العالم الطالب أن يتعلم ما لم يعلم، وأن يعلم ما قد علم، ويرفق بذوي الضعف في الذهن، ولا يعجب من بلاهة أهل البلادة، ولا يعنف على كليل الفهم
كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم .
سبحان الله تعالى عن أقاويل الملحدين، وشرك المشركين، وتنقيص الناقصين، وتشبيه المشبهين، وسوء أوهام المتفكرين، وكيفيات المتوهمين.
وله الحمد والمجد على تلفيق الكتاب المثنوي الإلهي الرباني، وهو الموفق المتفضل، وله الطول والمن لا سيما على عباده العارفين على رغم حزب يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره الكافرون، إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون، فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيه محمد وآله وعترته الطيبين الطاهرين، وسلم تسليما كثيرا وحسبنا الله ونعم الوكيل.
المقدمة الفارسية المنظومة
يا ضياء الحق حسام الدين هات، ثالث الدفاتر فالسنة ثلاث مرات. افتح علينا كنز الأسرار، ودع في الدفتر الثالث الأعذار. قوتك من قوة الحق تخلق، لا من عروق بالحرارة تخفق. إن سراج الشمس المضيء، ليس بالفتيل والزيت يضيء. وسقف السماء الدائم، ما هو بالأطناب والعمد قائم. وليست بالطعام قوة جبريل، بل من رؤية الخلاق الجليل. وكذلك قوة أبدال الحق من الحق، لا من الطعام والطبق. وكذلك خلقت عيونهم من النور، ففاقوا الروح والملك البصير. إنك موصوف بأوصاف الجليل، فجاوز نار الأمراض كالخليل. النار برد وسلام، وإنما العناصر لمزاجك خدام. لكل مزاج أصل من العناصر، ومزاجك فوق كل درجة ظاهر. إن مزاجك من العالم المنبسط، فهو لصفات الوحدة ملتقط. وا أسفا لساحة أفهام الخلق، ضاقت وليس للخلق حلق
1
بحذق رأيك يا ضياء الحق الأغر، تهب حلواك حلقا للحجر.
2
أصاب حلقا يوم التجلي الطور، فشرب الخمر ولم يكن عليها بصبور.
3 (صار دكا منه وانشق الجبل
هل رأيتم من جبل رقص الجمل)؟
هبة اللقمة من الإنسان للإنسان، وإنما هبة الحلق للخالق الديان. يهب حلقا لكل جسم وروح واحدة، ولكل عضو منك على حدة. لتكون إجلالي العمل، بريئا من الزيف والدغل
4
فلا تفشي لأحد سر السلطان، ولا تريق الشهد للذبان. تتلقى أسرار الجلال الأذنان، ممن خرس كالسوسن وله مائة لسان
5
ويهب الحلق للتراب لطف الوهاب، ليشرب الماء وينبت مئات الأعشاب.
ثم يهب الحلق والشفة للحيوان، ليأكل العشب في كل مكان. فإذا أكل العشب سمن وتر، فصار طعام الإنسان لا مفر.
ثم يحور التراب أكال البشر، حين يفارقه الروح والبصر. وكم رأيت ذرات مفتحة الأفمام، إن أبين أكلها طال الكلام. له على الأقوات بالأقوات إنعام، وللمرضعات مرضعات من لطفه العام. ويهب الأرزاق أرزاقا كما يشاء، وإلا فكيف ينمو البر بغير غذاء؟ لا أرى لهذا الكلام انتهاء، قلت جزءا وأنت تعلم أجزاء. العالم كله آكل ومأكول، والباقيات مقبل ومقبول،
6
هذا العالم وسكانه منتشرون، وذاك العالم وقطانه مستمرون. هذا العالم وعشاقه إلى انقطاع، وأهل ذاك العالم للخلد والاجتماع. فالكريم من لنفسه أهدى، ماء الحياة الذي يبقى أبدا. الكريم هو الباقيات الصالحات، قد خلص من الأهوال والآفات. إن تكن آلافا فهي واحدة لا أكثر، ليست كالخيالات بالعدد تكثر.
7
وللآكل والمأكول مريء وحلق، وللغالب والمغلوب عقل وحذق، وقد وهب الحلق لعصا العدل، فكم أكلت من عصا وحبل.
8
ولم يزد جوفها بهذا الأكل، لم يكن حيوانيا أكلها والشكل. ثم وهب اليقين حلقا كالعصا، فأكل كل خيال يرى. فللمعاني حلوق كالأعيان، ورازق حلوق المعاني هو الله المنان.
9
فليس بين الثرى والثريا خلق،
10
إلا له لجذب قوته حلق. وحلق الروح من فكرة البدن خلي، فقوته إذا إجلالي.
والشرط تبديل المزاج فاعلم، بمزاج السوء موت الأشرار يحتم. إذا صار مزاج الإنسان أكل الطين، فهو شاحب سقيم مهين. فإن تبدل مزاجه القبيح، أضاء كالشمع وجهه الصبيح.
إن المرضع التي تغذو الرضيع، وتنعمه بهذا الصنيع. إن حالت بينه وبين الأثداء، فتحت له طريق الحدائق الغناء. فالثدي لهذا الضعيف حجاب، دون آلاف النعم من طعام وشراب.
فحياتنا إذا موقوفة على الفطام، فاجهد رويدا وحسبك هذا الكلام. غذاء الإنسان الدم وهو جنين، يأخذ الغذاء من نجس مهين. فإذا فطم من الدم فاللبن غذاؤه، وإذا فطم من اللبن فاللقمة كفاؤه. وإذا فطم من اللقمة فهو لقماني، يحاول الظفر بالسر الرباني.
11
ولو قيل للجنين في الرحم: في الخارج عالم جد منتظم. أرض ذات بهجة وسعة، بالنعم والأطعمة مترعة. وجبال وصحاري وبحار، وحدائق وزروع وأشجار. وسماء رفيعة ذات ضياء، وشمس وقمر ونجوم زهراء. وجنات في عرس وحبور، بالجنوب والشمال والدبور. لا يحيط الوصف بما فيها من العجائب، وأنت في هذه الظلم والمصائب. تغتذي الدم في هذا الخباء، في حبس ونجس وعناء. لرد هذا القول وأنكر، وأعرض عن هذه الرسالة وكفر. وقال: محال وخداع وغرور، عمي وهمه عن هذا التصوير.
لم يدرك جنس الشيء بصره، فسمعه يأباه وينكره. وكذلك عامة الناس في هذه الدنيا، يحدثهم الأبدال عن العقبى. يقولون هذه الدنيا بئر مظلمة الأركان، وخارجها عالم وراء الروائح والألوان. فما يكون من أحد تصديق، فإن الطمع حجاب صفيق. يصم الطمع الأذن عن الاستماع، ويعمي الغرض العين عن الاطلاع. وكذلك حجب الجنين حرصه على الدم، وهو غذاؤه في وطن الظلم. حجبه عن حديث هذا العالم، إذ لم يعرف إلا الدم من المطاعم .
هوامش
ناپیژندل شوی مخ