مؤلمة؟ الحقيقة: إننا نقول وخصومنا (أعني خصوم الإسلام) يعملون، ونحن ننام وهم يسهرون، ونحن نشتغل بحكم السُّبحة ونكتفي من الإسلام بالدعوة إلى تقصير الثوب وتطويل اللحية، وهم يدرسون أحوال كل بلد ووضعه الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ويضعون لكل بلد المنهاج الموافق له لتضليل أولاده وناشئته وإخراجهم من دين الإسلام.
يخططون لعشر سنين وعشرين، ونحن لا ننظر إلى أبعد مما بين أرجلنا ولا نمد أبصارنا لنرى ما أمامنا، ننتظر حتى تقع الواقعة فنعقد المؤتمرات ونتخذ القرارات، ونخطب الخطب الصاخبة المزلزلة ونكتب المقالات الملتهبة، ولكنها لا تحرق إلا أصابعنا، وعدوّنا ماض في طريقه لا يبالي بنا، لأنه خَبِرنا وعرفنا وعلم أنه ليس عندنا إلا الكلام وليس في خططنا إلا الارتجال.
وفيمَ نكتب؟ في موضوعات معروفة قد فرغ العلماء من الكتابة فيها، ننقل مما في الكتب، لا نجدد ولا نبتكر ولا ندع الكتب لننظر إلى الحياة. نشتغل بالفروع والأصل مهدَّد، نحافظ على أوراق الشجرة والمنشارُ يعمل في قطع جذعها، نداوي أصبع المريض من أثر وخزة الشوكة، وندع المريض يعاني سكرات الموت من مرض القلب!
قد فصلنا ما بين كتاباتنا وحياتنا، فانصرف الشبّان عن كتاباتنا حتى صار من إضاعة المال أن ننفق على ثمن ورقها وحبرها. إنها تكرار واجترار وبحث في الفروع وفي الآداب، مع أن الأمر أخطر بكثير من البحث في الفروع وفي الآداب ... الأمر أمر كفر وإيمان!
1 / 47