37

2

في دمه إذ قد انحسر عنه قومه وأقبلت خيل البلغار، فما زال يتخلج من دونها ويتحرف عنها، يتستر بالظلام ويتوارى في جذوع الدوح لا يبالي ما ينزف من دمه المهراق حتى يبلغ على هذه الحال خطوط الترك، ولولا هذا العون من الله، ما وقعت عين على وكيل مجلس نواب 21 نوفمبر سنة 1925!

وتدور بعد أولئك الأيام رحى الحرب العظمى فينخرط عبد الحميد في جندها يتحول من ميدان إلى ميدان، كلما أهابت به دواعي الجلاد والطعان، حتى إذا تهادنت الأمم المحتربة، وظهر الحلف الإنجليزي، وتكسرت دول الحلف الألماني، وانطلقت يد إنجلترا في ملك الله تفعل ما تشاء، هام صاحبنا في فضاء الأرض يتبلغ بالكسرة، ويتروى بالصبابة، وهو سليل بيت نشأ في الترف، وتقلب في النعمة، لا يعنيه من أمره إلا أن يدعو حيث كان لمصر، ويهتف، أنى وقع به القضاء، باستقلال مصر.

وما أنس لا أنس منظره يوم 21 نوفمبر وقد جردت دولة زيور باشا كل ما عندها من جيوش وخيول مهرية، ورماح سمهرية، وقنى خطية، وكل عازفة مهمهمة، وكل قاصفة مدمدمة، لتحول بين نواب الأمة وبين اجتماعهم، ويخرج عبد الحميد سعيد متسلحا بعصاه التي تزن 73 كيلو، وقد تهيأ للحرب والطعان في سبيل اقتحام الصفوف إلى البرلمان، فكان منظره يومئذ «كالتانك» سواء بسواء!

وهو اليوم عضو في مجلس النواب، إذا تحيفت السن من بعض فتوته، وطامن حكم الأيام شيئا من جماحه، فترك حديث مصوع وهرر، فما زالت له قوة على الوثب إلى بلاد الأحباش، للبحث عن نهر الجاش

3

دعك من أمر سنار، ومن خزان مكوار! •••

وبعد، فقاتل الله العلم، وقاتل الله الاختراع الحديث، فلولا ما أخرجا للناس من بنادق ومدافع، وآلات ساحقة، وغازات خانقة، وطيارات تحلق في السماء، تمطر الجيوش ألوان البلاء، ومدرعات وطرادات، ونسافات وغواصات، ترمي بكل فاتك وبيل، من قذيفة وطربيل، لكان لعبد الحميد سعيد اليوم شأن لا يقل عن شأن الزناتي خليفة، وأبي زيد الهلالي سلامة، والبردويل بن راشد، وآصف شراب الدماء، وأكفائهم من أبطال الحرب والطعان، الذين سارت بشهرتهم الركبان، وسجل «التاريخ» بطولتهم على وجه الزمان! ... ولكن من سوء حظ عبد الحميد بك سعيد أنه يعيش في القرن العشرين، ولا أدري أكان بهذا قد ظلم التاريخ، أم قد ظلمه التاريخ؟!

فكري أباظة

متكور الوجه، أخيف العينين في ضيق محاجر، مقرون الحاجبين، كأنما شق عن فمه بعد أن استوى خلقه، متوافر اللحم في غير بدونة بينة، ولو قد أطلق - مع قصره - للشحم العنان لتمت عليه نعمة الله كلها! ولو رأيته في إخوته لحسبته بعض تلك النباتات التي تخرج وحدها فلم يتعهدها منجل البستاني بالتسوية والتشذيب!

ناپیژندل شوی مخ