Crise Ministérielle ، وبعد لأي رضي سري باشا بهذا الحل محتسبا عند الله 40 قرشا في كل شهر، كانت - لو أن في البلاد عدلا وإنصافا - تعود على بعض الولد أو الأصهار أو الأقرباء، بشيء ولو قليل، من اليسر والسعة والرخاء! وكانت تضحية من نفس سري باشا هائلة استحق بها أن يقام له تمثال يخلد به «المثل الأعلى» للتضحية والإيثار على تطاول الأيام والليالي!
عبد الحميد سعيد بك
عبقري حقا كما تعني اللغة بهذا اللفظ، فهو طويل بائن الطول، عريض وافر العرض، وافي العنق، بعيد ما بين المنكبين، شديد المنة، مفتول العضل، إذا تمثل إليك حسبته بقية من هياكل سليمان! ضخم الرأس والوجه، تدور من حوله لحية كأنها أحد الآجام، بسقت حول بعض الآكام، لم يقم عليها منجل البستاني بالتقليم والتشذيب، ولم يتعهدها مقصه بالتسوية والتهذيب. ولو قد رفعت النظر إلى أعلى وجهه ثم تراخيت به إلى أسفل ذقنه، لرأيت ثم مثلثا متساوي الساقين! أما روحه الذي بين جنبيه، وأما عزمه الصائل في نفسه، فأشبه بسكان هياكل سليمان، منهما بغرائز بني الإنسان. فهو مارد النفس والقوة، مارد العزم والفتوة!
نشأ منشأ بني الأعيان يدليهم أهلوهم إلى المدارس ليحرزوا الشهادات، ثم يخرجوا إلى خدمة الحكومة، وتلك الغاية عند جمهرة أعياننا تشد إليها الرحال، وتتناهى عندها مرسلات الآمال. على أن التلميذ عبد الحميد سعيد لم تكد تتفتح نفسه لفهم ما في الدنيا حتى كان له في أسباب الحياة غير ذلك الرأي، لم ير الزاد كله في أن يرسم خريطة إيطاليا، وأن يجيد الجزر التكعيبي، وأن يستظهر من «الكتاب الرابع» بابي الاشتغال والتنازع؛ ليخرج في النهاية، «في العشرة الأول»، بل أدرك من شباب سنه أن له وطنا، وأن هذا الوطن يتحكم في شأنه غير أهله، وأن واجبه، ما دامت بلاده محتلة مضيعة الحق، أن يكون جنديا لمصر قبل أن يكون طالب علم في مصر. وعلى ذلك، اتصل هذا الفتى بدعاة الوطنية، وصرف أعظم قسط من الوقت المقسوم لمراجعة الدرس إلى حديث الوطن. وإذا كان عبد الحميد سعيد قد أحرز الشهادة الثانوية، وأحرز بعدها إجازة الحقوق «ليسانس»، فقد اختلس الدرس والمذاكرة لهما من وقت «الوطنية» اختلاسا!
من أطاق التماس شيء غلابا
واغتصابا لم يلتمسه سؤالا
ويهاجر صاحبنا إلى باريس يدعو لمصر، ويرفع للعالم حجتها، ويجاهد في سبيلها بما يملك من المال واللسان والقلم، ويتخذ هنالك بيتا يصبح مثابة لدعاة مصر خاصة ودعاة أمم الشرق المظلومة عامة، يجتمعون فيه الفينة بعد الفينة ليأتمروا في شأنهم ويستفصحوا للدعوة مناهجهم.
وتنهد
1
دول البلقان كافة لحرب الدولة العلية، وتجرد عليها كل مهلكة من آلات القتال، كما تحرك عليها كل ما تغلي به صدور القوم من التعصب الديني، فيركب عبد الحميد إلى البلقان جناح النعامة، وإذا هو جندي في لباس العسكر وسلاحهم، وإذا هو يأبى إلا أن يقاتل دائما في الصف الأول، حتى يقع ذات ليلة في إحدى الوقائع جريحا يترسب
ناپیژندل شوی مخ