ثم رجعت سنة ١٣٣٩ لوظيف نيابة الصدارة العظمى في وزارة العلوم والمعارف، ولا زلت به إلى ساعة كتابة هذه الأحرف، وأجمل الله الخلاص وسدد بمنه.
ومن أحسن ما أمكنني القيام به تفقُّد المدارس من حيث العلوم العربية والدينية من حين لآخر، ويتبع سيرها، وبثّ روح النهضة فيها، والميل إلى إحياء علومنا، والتشبع من العلوم العصرية، وحثّ المعلمين والمتعلمين على حفظ النظام، وتوجيه كلية النظر نحو العلم والأخلاق ومكارم الدين، وأوصي من يقوم بالوظائف من بعدي بذلك، فإنه من خير الأعمال التي يتسنَّى بها التجديد المجيد والعلم قبس، وليجتهد كل واحد منا أن يعلِّمَ واحدًا، والواحد يعلم ألفًا، ومن البعض يكون الكل، والله المستعان.
ولازلت على مباشرة ما يمكنني من الدروس بالرباط، فقد قرأت الفرائض الخليلية مرة بعد مرة، وجملة من البخاري بالرباط وسلا، وأعدت الفسير ثانيًا بالجلالين، ثم بالبيضاوي إلى آل عمران، وحظًّا وافرًا من الربع الرابع من المختصر الخليلي بالزرقاني وحواشيه، وبداية المجتهد لابن رشد الحفيد، وختمت جمع الجوامع، والشمائل مرارًا، وقاربت إتمام النصف من فروق القرافي، كل ذلك في هذه المدة التي ابتعدت فيها عن مسقط الرأس، وكلما رجعت إليه في رخصة من الرخص، أو فرصة من الفرص، أعدت قراءة التفسير بجامعه الأعظم، وأسأل الله الإعانة والتوفيق، وأن يتقبَّل بمحض فضله.
أما تواليفي، فقد بلغت الآن خمسين والحمد لله بين مطول ومختصر، ومطبوع أو مخرج أو مُسوَّد كما هو مبين في الفهرس، وبعضٌ منها يكون مسامرة أو محاضرة ألقيها في موضوع علمي أو اجتماعي أو أخلاقي أو اقتصادي أو نحو ذلك، فيقع موقع الاستحسان، فيصير تأليفًا، ومن الله أستمد التسديد ونفع العبيد: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾ [سورة الضحى: ١١]، ﴿رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة الأحقاف: ١٥] .
وإني لأرجو أن يكون في الشبيبة المغربية التي وقفت نفسي على ثقافتها،
1 / 20