ثم أسندت إليَّ سفارة عن المغرب الجزائر مع وظائفي المتقدمة، والكل متقارب العهد خلال سنة ١٣٢١ المذكورة، ووقعت مباشرته على أحسن ما كان يؤمل، حتى وقع بلوغ المؤمل، وتحسنت العلائق بين الإيالتين، وجرت الأمور في مجاري التعادل والتوازن والحمد لله، ولا أظن أن ذلك من أجل ما يسمونه بالدهاء السياسي، وإنما هي فيما أظن نفحات وعناية إلهية، ثم لم أجد لدي مسائل عويصة يصعب حلها، ولا مشكلات يعسر فكها، من صفاء جو السياسة إذ ذاك بين الدولتين، ومن حسن حظ المرء أن يكون خصمه عاقلًا، لكنني طرأت عليّ عوارض صحية لتراكم الأشغال، مع اشتباك الأحوال السياسية بالعاصمة فجأة، وعزم المخزن على عقد مؤتمر الجزيرة، فاستعفيت سنة ١٣٢٣، واستقدمني السلطان، فقدمت فاسًا، وعرض علي أن أسمى عضوًا في المؤتمر فاعتذرت، وليس كل عذر يبدو، ولا كل داء يعالج.
وإذا المنية أنشبت أظفهار ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
تعكرت الأحوال، وأظلم جوّ السياسة، واختلط الحابل بالنابل، فانعزت عن ذلك المعترك، وألقيت السلاح من غير تحمل درك، وأقبلت علي نشر العلم بفاس، وتحريك شيء من التجارة تكفيًا بها عن كل وظيف إلى سنة ١٣٣٠، وعرضت عليّ أثناء مدة الإعفاء وظائف مهمة، فأعرضت عنها اختيارًا للسلامة.
إن السلامة من سلمى وجارتها ... أن لا تحل على حال بواديها
وفي سنة ١٣٣٠ المذكورة، سميت نائب الصدارة العظمى في وزارة العلوم والمعارف، أول ما أحدث هذا الوظيف في المغرب آخر أيام السلطان المولى عبد الحفيظ بن الحسن، فقبلته رجاء نفع العلم، وفي مدتي انفتحت عدة مدارس ابتدائية بالمدن المغرية بعد خلوها منها، وباشرت إدخال العربية والدروس الدينية والقرآن العظيم لها، وبسبب ذلك حصل الإقبال على التعليم، وامتلأت المدارس شيئًا فشيئًا، وانتشرت في عموم المملكة حتى البوادي، وذلك أيام السلطان المولى يوسف -قدس الله روحه، فكان ذلك أول ترق أدبي فكري ناله المغرب، ولا شك أنه سيعود بالرقي العظيم على الفقه الإسلامي بهذه الديار.
1 / 18