عربي فکر حدیث
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
ژانرونه
ربيب الجمال وتبيعه، يروى بماء المزن ويثمل بشذا ما تنشر الخمائل، شجي معنى، تهيجه الذكريات، وتميته الحسرات، حليف الوجد وهو أبعد المخلوقات عن حمله. يريك لسانا كريشة الكاتب، يقطر لوعة، ويتحرك حزنا، وعينين مروعتين بحوادث الليالي تلمعان على أحسن رأس ركب على أحسن عنق إلى جثمان كالقلب بل هو أصغر وأوهن.
ليت شعري ما تضمنت تلك الضلوع الضعاف، وما يهيج تلك الروح المروعة.
أكلف بالحرية؟ أجل، كلف بالحرية. هو مجنونها ومعذبها ومدللها، بل هو على ضعفه وصغره بطلها. ما أودع قفصا إلا ومات فيه غما أو انتحر يأسا. يرنو إلى ملك الله في سعته ويتملى من محاسنه، بعيدا عنها، محجوزا دون الجولان بينها، فيفنيه ذلك أسى ولا يستشفي عنه بصبر ولا جلد. آه من البلبل وآه على البلبل!
فرح أنطون (1874-1922)
من مذكرات مفكر حر أيام عبد الحميد
علمت في زمن الصبا وأنا في سوريا بأن إسكندر ديماس الأكبر كتب رواية في الثورة الفرنسوية، فاهتديت إليها. وما شرعت في مطالعتها حتى سباني موضوعها وأسلوبها لا لأمر ما سوى شيء من المشاركة بين بعض حوادثها وحوادث السياسة في البلاد العثمانية في ذلك الزمن. وكانت سكينة كسكينة المقابر تخيم يومئذ على البلاد والعباد، والجرائد السورية لا تنشر شيئا «يخدش الأذهان» لأن المراقبة كانت لها بالمرصاد، والصحافة المصرية على قلتها يومئذ قليلة الانتشار في سوريا، فقلما كان للمطلع مصادر يستقي منها غير المصادر التي يختارها ويسعى إليها؛ ففي وسط هدوء كذلك الهدوء، وخمول كذلك الخمول، أحسست بأن عبارات ديماس في روايته هذه كانت كبروق تسطع وتشق جو الفكر، أو أسواط تقرع الآذان وتنبه العزائم والأذهان. وقد يكون اليوم لعبارات كتلك العبارات تأثير كذلك التأثير في نفوس الرجال الذين اشتدت سواعدهم وقويت ألواحهم حتى بعد زوال الضغط القديم ومشاهدتهم حوادث يومية كحوادث تلك الرواية، فكيف بتأثيرها في فتى صغير السن قليل الخبرة والاطلاع.
ولذلك أولعت بهذه الرواية ولعا شديدا دون سائر روايات ديماس. ولا أتذكر أنني قرأت رواية له غيرها قراءة جدية. وكم من مرة قضيت في مطالعتها الليل حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحا، ثم انحدرت بها من فراشي إلى حفرة في الحديقة كنت أدفن فيها صندوقا صغيرا يحتوي الكتب والأوراق التي أخشى عليها من عمال الحكومة خوفا من التفتيش الفجائي الذي كان شائعا؛ فكنت أضعها في الصندوق بين تلك الكتب والأوراق وأعيد التراب على الصندوق ثم أنام مطمئنا.
وقد تكون هذه التفاصيل تافهة في ذاتها، ولكني لم أذكرها إلا لسبب سترد الإشارة إليه. على أن ولوع المرء بكتاب أو رواية سبب كاف في حمله على اشتراك قرائه فيما أحبه منها، حينما يتخذ الكتابة صناعة له، وهذا ما جعلني أفكر في تعريب هذه الرواية وإلحاقها ب «الجامعة»
1
حين رأيت إلحاقها برواية. وهناك أيضا سببان آخران: الأول: تلذذي يومئذ ب «مضايقة» مراقبي الجرائد والمجلات في البلاد العثمانية جزاء لهم على ما عانيته بسببهم من الحذر والاتقاء والاحتراس في أثناء مطالعاتي الأولى. والثاني، وهو السبب الوجيه: رغبتي في إيقاد تصورات أبناء الشرق بهذه الرواية كما اتقدت تصوراتي بها في صباي. وقد خيل إلي أنني بتعريبها في أثناء ذلك السكون التام والخمول الشامل أفتح في ذلك البناء القديم نوافذ مطلة على سماء الحرية ليرد منها النور والهواء، وأنصب أمام قرائها مثالا يحتذونه، قمته تحيط بها زرقة السماء وقاعدته مغموسة في الدماء. وقد يكون هنالك سبب أوجه من جميع تلك الأسباب التي تقدمت، وهو الداء الذي يقع فيه كثيرون من الصحافيين والكتاب، وأعني به: الرغبة في اجتذاب القراء بالمواضيع الجذابة. ولكن ليس من مصلحة الكاتب أن يعترف مثل هذا الاعتراف ويسجل هذا الكلام على نفسه لأن صناعة الكاتب كصناعة الكهنوت فيها كثير من الأسرار.
ناپیژندل شوی مخ