ولكنه لم يفهم شيئًا من روح العصر، ولا يسمع بالعلم الحديث، ورجل فهم روح العصر ودرس العلم الحديث، ولكنه لم يدرِ أن في الدنيا شيئًا اسمه ثقافة إسلامية ... فمن أي هذين الرجلين ننظر النفع؟ لا من هذا ولا من ذاك، ولكننا ننظر النفع من الرجل الذي عرف الإسلام وعلومه، وفهم روح العصر وألمَّ بالعلم الحديث (١)، هذه الطبقة المنتظرة من العلماء، هذه الحلقة المفقودة هي التي يرجى منها أن تقوم بكل شيء، وهي التي سينشئها الأزهر المعمور ودار العلوم العليا، والمدارس التي شيدت لتجمع بين الثقافتين كالكلية الشرعية في بيروت، ودار العلوم في بغداد، وينشئها من يتخرَّج في المدارس العليا والجامعات ويكون ذا ميل إلى الدين، ويكون له إلمام بعلومه.
...
من هذه الطبقة ينتظر النفع والفلاح، وعلى هذه الطبقة واجبات كثيرة يجمعها أصل واحد، هو دراسة الإسلام على أساس العلم الحديث واستخراج رأيه في مشاكل العصر، وحكمه في الأحداث التي لم يعرفها الفقهاء ولم تحدث في أيامهم. وأهم من هذا كله الآن استخراج القوانين الأساسية والحقوقية والجزائية من الفقه الإسلامي، بدلًا من أخذ القوانين الأجنبية برمَّتها وتطبيقها في البلاد الإسلامية التي انبثق منها أعظم تشريع عرف إلى الآن وأرقاه. وهذا العمل يبدأ بالدراسات العلمية الفردية ثم يصل إلى الغاية المتوخَّاة، وهي أن تتم إحدى الحكومات الإسلامية العمل الذي بدأته لجنة المجلة (مجلة الأحكام العدلية) لكن بمقياس أوسع ونسبة أكبر، فلا تتقيَّد هذه اللجنة بمذهب واحد من المذاهب الأربعة، بل لا بأس أن تأخذ بعض الأقوال من مذهب آخر، ولا تتقيد بالمذاهب الأربعة، بل لا بأس أن تأخذ بقول لبعض الأئمة الذين اندثرت مذاهبهم، كالثوري والأوزاعي والليث والطبري والظاهري، إن صحَّ مستند هذا القول، ولا تتقيد أيضًا بهذه الأقوال، بل تجتهد كما اجتهد الأئمة، وتأخذ الأحكام من الكتاب والسنة رأسًا، وأن تبحث عن المصلحة التي يقتضيها النص، فإن الشريعة ما أنزلت عبثًا، والأحكام لم تشرع لغوًا، ولكن لكل حكم
_________
(١) انظر حاشية الصفحة (٢١٧) من كتابي (من حديث النفس).
1 / 72