وما ظنك بمفتش يدخل الصفَّ على المدرِّس، ممثلًا القانون والأمة والدين، يُراقب ويسجل ويكون لقراره صفة التقديس فلا يردَّ ولا يكذب، وتكون مقدَّرات المدرِّس معلقة به، ما ظنك بهذا المفتِّش إذا ذهب في المساء يؤمُّ الحانات أو يطرق أبواب المعلِّمات ... أو يأتي المنكرات؟ وقل مثل ذلك في القاضي، بل ربما كان احتياج القاضي إلى الكمال، في كل أحواله، وفي كافة أموره، أشدَّ من احتياج المعلم، لأنه يجلس مجلس الأنبياء، ويقوم مقام رسول الله ﷺ، لذلك عنيت القوانين الشرعية، بأخلاق القاضي فلم تكتف بالعلم، وإنما اشترطت فيه بعض الشروط الأخلاقية، فأوجبت فيه أن يكون حكيمًا فهيمًا مستقيمًا أمينًا مكينًا متينًا (مجلة - مادة ١٧٩٢) وقيَّدته ببعض القيود فألزمته اجتناب الأفعال والحركات التي تزيل المهابة (مادة: ١٧٩٥) ومنعته من قبول هديَّة الخصمين أبدًا (١٧٩٦) ومن الذهاب إلى ضيافة كل من الخصمين قطعًا (١٧٩٧) ... إلخ.
فيا حبَّذا لو عمل بهذه الأحكام، ووضع مثلها للمدرسين ورجال المعارف خاصة، وللموظفين عامة.
وقد يعترض معترض بأن هذه قيود لا يجوز أن يقيَّد بها الموظف، بل يجب أن يتمتَّع بحريته كما يتمتع بها كافة الناس، والجواب أنها قيود حقيقة، ولكنها ضرورية لتأمين الغاية من وجود الموظفين، وهي المنفعة العامة، فإذا كانت هذه القيود شاملة الموظفين، وإذا دخلوا في الوظيفة على معرفة بها، لم تعد قيودًا اضطرارية وإنما تكون بمثابة شرط اختياري، ثم إن في امتيازات الموظفين وحقوقهم التي يمتازون بها من سواد الشعب ما يبرِّر تقييدهم ببعض القيود اللازمة.
تعيين الموظفين:
درسنا الوظيفة على أنها ضرورة حيوية، الدافع إليها والغاية منها المنفعة العامة، وأبَنَّا أن الواجب في اختيار الموظفين، ملاحظة قدرتهم على تحقيق هذه الغاية وكفاءتهم للقيام بها، وهذا هو الحق الذي يقضي به العقل والنقل، جاء
1 / 67