يا للقانون! يا لحق الخزينة ...
يا أيها الجابي شدّ ركابك! يا أيها الجندي أعدّ سوطك وسلاحك! يا أيها الناس أقيموا القيامة على هذا اللص الذي أكل أموال الدولة ...
حلّ البلاء بساحة الفلاح المسكين، ونزل عليه جنود الدرك يقيمون حتى يؤدي المال، يتشهون عليه المآكل، ولا يرضون بغير الدجاج والخرفان، وهم في بيوتهم لا يأكلون إلا الزيتون والجبن، ويأخذون شعيره ليطعموه دوابهم ويضربون وجهه وظهره ... إنهم يطلبون بقية الضريبة ...
ولكن لم يبق عنده شيء.
إذن فلتبع أمتعته.
ولم يجدوا عنده إلا الفراش القذر، واللحاف الخلق، والبساط المخرق، والقدر الأسود، فباعوها بالمزاد العلني وتركوه على الأرض.
ولما رجع الجباة كلهم إلى العاصمة؛ وجمعوا ما ملأ الخزانة تبسم ولي الأمر، وقال لأعوانه:
- لقد اجتمع مال يكفي السنة كلها، وإننا لا نستطيع أن نرد هاتيك الوسائط كلها والشفاعات، فأعدوا مرسومًا بإعفاء فلان بك من الضرائب المتراكمة عليه من سبع سنين، وهي تسعة وعشرون ألف ليرة وسبعة وخمسون قرشًا.
أعفوه، ولكن تسعة عشر ألف فلاخ صاروا ينامون على الأرض، لم يبق لهم فراش!
...
كنت أذكر ذلك وأنا أنظر إلى خط الفلاحين الذين يعودون إلى دورهم، وقد غاب أوله خلال الظلام، فأفكر في هؤلاء الفلاحين إلى متى يمشون؟ أما لممشاهم نهاية؟ أما لطريقهم آخر؟ أكتب عليهم أن يشاركوا البقر والحمير في عملهم وطعامهم وسكناهم؟ أكان لزامًا عليهم أن يعملوا أبدًا ليستريح الـ (بك) أو (الباشا)؟ ويجوعوا ليأكل؟ ويفنوا جسومهم ونفوسهم ليأخذ هو الذهب فينفقه على موائد الخمور؟
1 / 63