لقد كنت أصْفَح (أعدادًا) عتيقة من مجلة الهلال، فوجدت في (عدد) منها أن في بلاد السويد جمعية اسمها (جمعية أمناء الأزهار) عملها جمعُ الأموال التي يشتري بها أهل الميت وأصدقاؤه طاقات الزهور التي تحمل مع الجنازة ثم توضع على القبر، وإنفاقها في بناء مساكن صحية للعمال والفقراء، يسكنون فيها بأجر يسير، وأنها أنشأت (إلى تاريخ ذلك الخبر) نحوًا من ألف مسكن.
فلماذا لا يكون فينا رجال مثل رجال هذه الجمعية، يأخذون المال من هنا، فيضعونه هناك، فيصلحون به أخلاق الأمة بإنقاذها من داء التبذير والأثرة والمفاخرة بالباطل، ويدفعون عن أغنيائها حسد فقرائها وبغضاءهم، ويعودون عليها بالخير لها في أجسادها وعقولها وصناعاتها وحضارتها إذ ينفقون هذا المال فيما هو أولى به من وجوه الإصلاح؟
لماذا نأخذ عن الأوروبيين السم وندع الترياق؟
كم ينفق في الشام ومصر والعراق وسائر بلدان هذا الشرق الإسلامي في الزفاف وحفلاته، والمأتم وملحقاته، والأعياد والمواسم وأيام الولادة والختان، فيما لا ينفع أحدًا البتة، ولا يعود عليه بعائدة، ولا تناله منه فائدة؟
حتام تهدر الأموال ويراق الذهب، اتباعًا لعادات قبيحة وتقليدًا كتقليد القردة، وجمهور هذا الشعب يشكو الفقر والمرض والجهل؟
هل تذهب بشاشة العيد ويمحَّى رواؤه، لو اصطلح الناس فيه على تقديم السكر الملبَّس الوطني بدلًا من الشكولاتة وصرفوا فرق الأثمان في بناء مدرسة أو مستشفى في كل بلد؟
هل يبطل أنس العرس، وتضيع بهجته إذا لم يكن فيه إلا طاقتان من الزهر؟
هل يكتب على العروسين الشقاء الدائم إذا وزعت الحلوى على المدعوّين في قراطيس بدلًا من العلب؟
هل يحرم الميت التقي من نعيم الجنة، ويضاعف على الشقي العذاب إذا
1 / 31