والظاهر عندهم هو هذه العبادة العملية من طهارة، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، والجهاد في سبيل الله، فيجب على المؤمن أن يؤدي هذه الفرائض العملية الظاهرة كما ورد في كتاب الله وما سنه رسول الله، وفي الوقت نفسه يجب أن يؤمن بعلم الباطن الذي هو العبادة العلمية التي خص بها الوصي والأئمة، فالفاطميون إذن لم يعملوا على طرح الأديان وإبطال العبادة كما وهم الكتاب والمؤرخون الذين تحدثوا عن الفاطميين، بل كانوا كما قال شاعرهم المؤيد في الدين:
فإننا لأهل علم وعمل
لله دنا بهما عز وجل
19
وشاركوا غيرهم من المسلمين في هذه العبادة الظاهرة، ودعوا إليها دعواتهم إلى عبادتهم الباطنة، وإذا قرأنا كتب الفقه الإسماعيلي مثل كتاب دعائم الإسلام للقاضي النعمان بن محمد، وكتاب المجالس المستنصرية للداعي ثقة الإمام علم الإسلام؛ وجدنا أن الفقه الإسماعيلي لا يكاد يختلف عن فقه أهل السنة وفقه مالك على وجه خاص، مع أن الإسماعيلية لا يأخذون في أحكامهم الشرعية بالرأي ولا بالقياس، إنما يأخذون بالأحكام التي يشرعها الإمام، ومع ذلك لم يختلفوا عن مذهب أهل السنة إلا في بعض مسائل فرعية، لعل أهمها مسألة ابتداء شهر الصوم، فقد كانت هذه المسألة من أهم المسائل التي أثارت سخط المسلمين على الفاطميين، ذلك أن الفاطميين لا يبدءون صوم رمضان برؤية الهلال على ما يذهب إليه جمهور أهل السنة، فقد وجد الفاطميون أن الهلال إذا غم في بلد من البلاد بسبب سحاب أو غيره، فقد يظهر في بلد آخر قريب، فلا يصوم أهل البلد الأول على حين يصوم أهل البلد الآخر، وكثيرا ما يحدث اضطراب في بدء الصيام في البلد الواحد، فيقع ما يسمى بيوم الشك، وهو ما نشاهده كل عام إلى اليوم؛ ومن ثم لجأ الفاطميون إلى الفلك والحساب، فعملوا تقويما قمريا يحسبون بمقتضاه سير القمر، ويقدرون منازله حتى يعرفوا أن هلال رمضان قد أهل حقا، فجعلوا الشهور العربية شهرا تاما، والتالي له ناقصا دائما، وبذلك أصبح شعبان ناقصا دائما ورمضان تاما دائما، ومن هذا التقويم الدقيق عرفوا متى يبدأ رمضان ومتى ينتهي، دون الرجوع إلى رؤية الهلال رؤية نظر، بل جعلوا قول النبي الكريم «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته» أنها رؤية استبصار لا رؤية إبصار. وهذا التقويم الفاطمي جعلهم يصومون قبل جمهور أهل السنة بيوم أو يومين، ويبدءون عيد الفطر قبل جمهور أهل السنة بيوم أو يومين، ومن هنا أساء المؤرخون والعلماء الذين تحدثوا عن الفاطميين فهم حقيقة دعوتهم، ورموهم بالخروج عن الجماعة وعن الإسلام.
ومن الخلافات بين الفاطميين وجمهور أهل السنة، بل بين الشيعة عامة وبين السنيين: مسألة ميراث البنت، فالشيعة يورثون البنت كل ما تركه الأب إذا لم يترك ولدا ذكرا، ومن الخلافات أيضا مسألة مسح الرجلين في الوضوء؛ فقد ذهب الشيعة إلى وجوب المسح، على حين قال أهل السنة بوجوب غسل الرجلين، ومن أهم الخلافات التي بين الشيعة الاثني عشرية والإسماعيلية أن الفرقة الأولى تقول بأن إمامهم الثاني عشر حي يرزق منذ اختفى في السرداب، وأنه سيظهر ليملأ الدنيا عدلا كما ملئت جورا. على حين يذهب الإسماعيلية إلى أن الإمام من البشر، يجري عليه ما يجري على البشر من حياة وموت، فمن السخف أن يقال: إن إماما يعيش طول هذه المدة. ومن الخلاف أيضا قول الاثني عشرية بتحليل زواج المتعة، على حين يحرمه الإسماعيلية.
ولم يذهب الفاطميون بالقول بالرأي كالمعتزلة، ولا بالقياس كأهل السنة، بل رفضوا الأخذ بالرأي والقياس، وقالوا بالرجوع إلى الإمام المعصوم وإلى علوم أهل البيت التي خصهم بها الله تعالى دون غيرهم من سائر البشر، فعلم الباطن الذي خص به الأئمة دعاهم إلى القول بأن إعجاز القرآن من ناحية المعنى أقوى من إعجازه من ناحية اللفظ، فالقرآن معجز بلفظه ومعناه، ولكن إعجازه يظهر بما يحتويه من معان، وفي ذلك يقول المؤيد:
إن كان إعجاز القرآن لفظا
ولم ينل معناها منه حظا
صادفتم معقوده محلولا
ناپیژندل شوی مخ