ووضع الشيخ "لائحة" للجريدة الرسمية, وجعلها مشرفة على كل ما يصدر في البلاد من كتب وصحف، وحق إنذار هذه الصحف عربية أو أجنبية، ومعاقبتها بالتعطيل الدائم أو المؤجل كي يلزمها الوقوف عند حدود الوقار فيما تكتب, مع إطلاق الحرية لها في تبيين الحقائق وكشف وجوه الخطأ والصواب بدون خوف, كما أعطت هذه اللائحة لرئيس تحرير الوقائع الحق في انتقاد جميع إدارات الحكومة حتى وزارة الداخلية التي يتولاها رياض باشا؛ وذكر السيد رشيد رضا أن "أول ما بدأت الجريدة بانتقاده طريقة التحرير التي كانت متبعة في # النظارات والإدرات، فأخذت تبين وجه الخلل بها, وإضرارها بفهم المعاني المطلوبة، ثم ترسم الطريقة المثلى التي يجب السير عليها، فلم تمض أشهر قليلة حتى ظهر فضل ذوي الإلمام باللغة العربية من موظفي الحكومة، وحضهم رؤساؤهم على مكاتبة الجريدة الرسمية سترا لعيوب الإدارات؛ واضطر الجاهلون باللغة والتحرير إلى استدعاء المعلمين, أو المبادرة إلى المدارس الليلية ليتعلموا كيفية التحرير"1.
وبهذا صار محمد عبده مشرفا على الأداة الحكومية جميعها، تراجعه جميع الإدارات في كل ما لديها من الأعمال الهامة والتي تنوي عملها، وقد اشتدت حملته على وزارة المعارف وتبيان ما بها من خلل وفوضى وسوء إدارة، فأدى ذلك إلى إنشاء مجلس أعلى لها, واختير به عضوا، وكانت الوقائع المصرية منبرا تذاع منه تعاليم جمال الدين في العدل والتربية الخلقية والإصلاح الاجتماعي، فيتكلم عن الفقر ومشكلته, وعن "وخامة الرشوة" وعن "العفة ولوازمها" وعن "القوة والقانون" وعن"منتدياتنا العامة وأحاديثها"2 وغير ذلك من المقالات الاجتماعية والإصلاحية, بيد أنه لم يخض في المسائل السياسية، ولعل ذلك لأن رياض باشا هو رئيس الوزارة، وله عليه يد لا تنكر، أو لأنه كان يتعمد مذهب رياض في التدرج وعدم الطفرة, وظل بمنصبه هذا إلى أن قامت الثورة العرابية.
مخ ۲۸۹