ولما قتل شاه العجم سنة 1896 على يد أحد تلاميذ السيد, اشتدت الريبة في جمال الدين, وضيق عليه حتى صار محبوسا في قصره، ولما أراد الرحيل ترضاه السلطان خشية أن يشنها عليه حربا شعواء في الخارج، وهو تحت سمعه وبصره أهون، ثم مرض السيد بالسرطان في فمه ومات، وشاعت الأقوال بأنه مات مسموما، أو أن الطبيب أهمل في علاجه عمدا1, وكانت وفاته في 9مارس سنة 1898، ودفن في قبر حقير كما يدفن أقل الناس، وطمست معالم هذا القبر إلى أن قيض الله رجلا أمريكيا يبحث عنه, حتى وجده فجدده، وبنى عليه حاجزا حديديا, وشاده بالرخام, وكتب على أحد وجوه # الرخام اسم السيد وتاريخ ولادته ووفاته، وفي وجه آخر العبارة الآتية: "أنشأ هذا المزار الصديق الحميم للمسلمين في أنحاء العالم, الخير الأمريكاني, المستر "شارلس كرين" سنة 1926" وهكذا خمدت هذه الشعلة المتوهجة، وإن ظلت آثارها حتى اليوم في نفوس من خالطوه وأخذوا عنه، وفي نفوس تلاميذه وأتباعهم والأجيال التي تأثرت بهم.
نبذة من آرائه:
1- مر بك في ثنايا هذه الترجمة الموجزة شيء من آراء السيد جمال الدين، وهناك بعض من أفكاره وتعاليمه ونظراته إلى الحياة جديرة بالنظر، فقد كان في أول حياته طموحا، ذا خيال واسع، وأمل عريض, شمل الإنسانية جمعاء، حتى دعاه ذلك التفكير في السبب الذي يدعو الناس إلى الاختلاف والخصام، ويدعو الدول إلى الحروب والعداء، وهداه تفكيره إلى أن السبب الأول: هو تعصب رجال الدين في كل ملة, وسوء توجيههم للشعوب، وشحن قلوبهم بالحقد والبغضاء لكل من خالف دينهم، وفي هذا يقول: "ورجعت إلى أهل الأرض وبحثت في أهم ما فيه يختلفون فوجدته الدين، فأخذت الأديان الثلاثة، وبحثت فيها بحثا مجردا عن كل تقليد, منصرفا عن كل تقيد, مطلقا للعقل سراحه" ووجد أن الأديان الثلاثة تتفق في الغاية والمبدأ وأنه "إذا نقص في الواحد شيء من أوامر الخير المطلق استكمله الثاني, وإذا تقادم العهد على الخلق، وتمادوا في الطغيان، وساءت الكهان فهم الناموس, أو أنقصوا من جوهره أتاهم رسول فأكمل لهم ما أنقصوه، وأتم بذاته ما أهملوه" وإذا كانت الأديان متفقة في المبدأ والغاية, فما الذي يحول بين أهل هذه الأديان وبين الاتحاد؟ إن اتفاقهم ووحدتهم تكفل لهم السعادة للبشرية، وبعد ذلك يقول: "وأخذت أضع لنظريتي هذه خططا وأخط أسطرا، وأحبر رسائل للدعوة، كل ذلك وأنا لم أخالط أهل الأديان كلهم عن قرب، ولا تعمقت في أسباب اختلاف حتى أهل الدين الواحد، وتفرقهم فرقا وشيعا وطوائف".
مخ ۲۷۵